استمرار تلقي طلبات الترشيح لمجلس النواب بسوهاج    الأطفال في القانون، دعوى قضائية تطالب بعدم نشر صور المتهمين منهم والمعرضين لخطر    خطة وطنية لرقمنة الخدمات الاستثمارية ضمن تقرير جاهزية الأعمال    الحكومة الإسبانية ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة    ناصر خليفة يدعو برشلونة للانضمام لرابطة الأندية الأوروبية    الداخلية تضبط تشكيل يستغل الأطفال فى أعمال التسول وبيع السلع بطريقة إلحاحية بالقاهرة    جائزة نوبل فى الأدب.. توقعات وإحباطات سنوية    تزامنا مع احتفالات نصر أكتوبر.. انطلاق فعاليات مشروع المواجهة والتجوال بجنوب سيناء    قسطنطين كڤافيس وشقيقه كيف يُصنع الشاعر؟    فحص 523 ألف طالب بمدارس المرحلة الابتدائية ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأنيميا    الداخلية تضبط 134 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار الغلق لترشيد استهلاك الكهرباء    تحاليل جديدة تحدد موقف إمام عاشور من الانتظام في تدريبات الأهلي    وزير قطاع الأعمال العام يستقبل محافظ القليوبية لبحث تعزيز التعاون    كوارث يومية فى زمن الانقلاب…حريق محل مراتب بالموسكي ومصرع أمين شرطة فى حادث بسوهاج    انتخابات النواب: 39 مرشحًا بجنوب القاهرة لانتخابات النواب 2025 بينهم 24 مستقلًا    إطلاق قافلة زاد العزةال 47 من مصر إلى غزة بحمولة 3450 طن مساعدات    67 ألف شهيد و170 ألف جريح.. حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلى على غزة    أشرف زكي لليوم السابع: وقف الحرب انتصار للإرادة المصرية وحفظ حقوق فلسطين    زيلينسكى يتهم روسيا بمحاولة زرع الفوضى فى أوكرانيا بقصف منشآت الطاقة    وزير الاتصالات يشهد تخريج 5 آلاف متدرب في مجال الأمن السيبراني    يقتل شقيقه الأكبر بسبب الميراث بالشرقية    ننفرد بنشر بنود اتفاق إنهاء خصومة راح ضحيتها 11 قتيلا في أبو حزام| خاص    إصابة مواطنين في انهيار جزء من منزل بالفيوم    حبس المتهمين بقتل التيك توكر يوسف شلش فى المطرية 4 أيام    الحكومة تعلن أسعار الحديد والأسمنت اليوم.. زيادة جديدة في مواد البناء    نائبة وزيرة التضامن تبحث مع وزير التنمية الدولية بالنرويج سبل تعزيز التعاون المشترك    جامعة جنوب الوادي تقيم حفل تأبين للدكتور أحمد عمر هاشم    6 ميداليات لمصر في صباح اليوم الأول لبطولة العالم للسباحة بالزعانف    تفاصيل حفل أنغام المقبل في قطر أكتوبر الجاري    هبة رشوان توفيق: والدي متألم من شائعات وفاته وجالى اكتئاب    محافظ البحيرة تشهد ورشة نقل وتبادل الخبرات بالإدارة المحلية    ارتفاع غير متوقع في أسعار الفراخ اليوم 9 أكتوبر    الصحة العالمية: مستعدون لتلبية احتياجات المرضى في غزة    لليوم الثاني، محكمة شمال بنها تتلقى أوراق المرشحين المحتملين لانتخابات النواب    التقييمات الأسبوعية للطلاب فى صفوف النقل عبر هذا الرابط    قاتلة ابن شقيق زوجها تدلي باعترافات أمام جهات التحقيق بقنا    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 9 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    برشلونة يعلن رسميا إقامة مواجهة فياريال في أمريكا    رودريجو مينديثا صفقة جديدة لريال مدريد في سوق 2026    لبنان.. انطلاق رابع مراحل خطة الحكومة لعودة اللاجئين السوريين    هل يجب التوقف عن بعض وسائل منع الحمل بعد سن الأربعين؟ استشاري يجيب    طريقة عمل بطاطس بيوريه بالجبن والثوم، أكلة سريعة التحضير ومغذية    هل يجوز منع النفقة عن الزوجة لتقصيرها في الصلاة والحجاب؟.. دار الإفتاء تجيب    فيفا: منتخب مصر يمتلك مقومات تكرار إنجاز المغرب فى كأس العالم 2026    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    أسعار الدواجن والبيض بأسواق القليوبية اليوم الخميس 9-10-2025    اتحاد الكرة: نشكر الرئيس السيسي على دعمه للرياضة.. ونتمنى أن يكرر حسام حسن إنجاز الجوهري    محافظ أسيوط يكرم أبطال السباحة بعد فوزهم بالمركز الأول في بطولة الصعيد لمراكز الشباب    شاهيناز: «مبحبش أظهر حياتي الخاصة على السوشيال.. والفنان مش إنسان عادي»    سما المصري توجه رسالة ل المستشار مرتضى منصور: «ربنا يقومه بالسلامة بحق صلحه معايا»    عاجل- ترامب: قد أزور مصر يوم الأحد.. ومفاوضات اتفاق غزة "بالغة القرب"    عاجل - بالصور.. شاهد الوفود الدولية في شرم الشيخ لمفاوضات غزة وسط تفاؤل بخطوة أولى للسلام    من أدعية الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج    وزير الداخلية: مصر تمضي بثبات وسط عالم يموج بالصراعات والأزمات    السد العالي يستقبل مياه الفيضان من سد مروى بالسودان.. خبير يكشف تفاصيل مهمة    سوء تفاهم قد يعكر الأجواء.. برج العقرب اليوم 9 أكتوبر    حساب فيفا يحتفى بصعود الفراعنة للمونديال: مصر البهية تُطِل على كأس العالم    دينا أبو الخير: قذف المحصنات جريمة عظيمة يعاقب عليها الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أذناب العولمة الأمريكية
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 10 - 2013

ابتليت مصر بصنفين من المثقفين أكثر خطورة علي راهن الأمة المصرية, مما يتصوره الساسة, أو تعتقده الجماهير.
الصنف الأول: يجاهر بعدائه للدولة المدنية الجديدة بنت ثورتي يناير ويونيو, فيخرج علي الشاشات, ليصف ما حدث في الثلاثين من يونيو بأنه انقلاب, في تدليس مفضوح, وكذب سياسي/ ثقافي عارم, وهؤلاء لفظتهم الجماهير, وكشفت أقنعتهم, خاصة أن هذا العام, هو عامكشف الحقائق والأقنعة بامتياز.
أما الصنف الثاني, فهو الأكثر خطورة لأنه بمثابة الطابور الخامس بيننا, حيث يعبر- وباختصار- عن نموذج المثقف التلفيقي الانتهازي, المتلون كالحرباء, والذي كان علي أهبة الاستعداد لإطلاق لحيته إبان حكم الإخوان, وهؤلاء تفضحهم تقلباتهم, ومواقفهم, بل وصمتهم أحيانا, منهم من كان يستقبل وزير الثقافة الإخواني السابق في مكتبه, متفانيا في خدمة مخططه الرجعي, مع أنه لم يتوقف يوما عن الرطان كثيرا عن الحداثة وما بعدها, في حين عجز لسانه للتعبير ولو لمرة واحدة عن هبة الجماهير في ثورة الثلاثين من يونيو, ثم وصل النفاق الممجوج إلي حد أن وصف منظر الإرهاب والرجعية سيد قطب بأنه ناقد وروائي طليعي! وصنعوا تقديما لكتاب له أثناء صعود الإخوان المسلمين لصدارة المشهد السياسي في مصر, وأشاروا في عجب شديد إلي أن مشايعي قطب بحسب زعمهم الكاذب أخذوا من فكره نبراسا لطريقهم النضالي في الحياة! طريق الإرهاب والتقتيل والعنف والتطرف يصبح في عرف مثقفي الارتزاق طريقا للنضال!, وتكتمل دائرة التواطؤ الثقافي حين تنشر المؤسسة الثقافية الرسمية هذه الترهات وتحتفي بها في خيانة للقيم الوطنية العامة, ولكل قيم الحداثة والاستنارة والإبداع.
تبدو الدائرة الجامعة لكلا الصنفين من المثقفين, هي دائرة العولمة الأمريكية والتي تعد بمثابة رأس الحربة في المشروع الجديد لقوي الاستعمار العالمي, ويمثل أشباه هؤلاء المثقفين تجسيدا حيا لطلائع ما سمي بالعولمة الثقافية لضرب مفهوم الدولة الوطنية, والسيطرة عليها, وبشكل تلاقت من خلاله مصالح ما يمكن أن نطلق عليهم مثقفو الرجعية, مع نمط آخر نطلق عليه مثقفو الاستعمار. وكلا النمطين يقف في مواجهة ناسنا وجماهير شعبنا, إما عبر الولاء للمشروع الأمريكي الصرف, أو ذلك المتذرع بغطاء إسلاموي.
ولم يكن ببعيد عن هذا السياق مثلا حالة التكريس لنصوص أدبية بعينها, لا لقيمتها الفنية, بل لمضامينها التي تداعب الخيال الغربي في رؤيته للشرق, وتصورات المركز الأورو- أمريكي عن الحالة العربية برمتها بوصفها حالة سحرية وعجائبية لا أكثر ولا أقل! وعلي الرغم من أن الكتابة لا تعرف الوصفات الجاهزة, إلا أننا رأينا محاولات لتنميط الكتابة وصبغها بتصور أحادي عن العالم والأشياء, في إطار نظرة استهلاكية محضة تغزو العالم وتشكل بناه المختلفة من السياسة والاقتصاد إلي الثقافة والأدب, برعاية أمريكية كاملة وخائبة في آن. وتعددت الأدوار الثقافية المثيرة للجدل, والمرتمية في حضن العولمة وتفكيك الهويات الوطنية, وبدا ذلك متمثلا في أنشطة عدد من المراكز الثقافية والجامعات الأجنبية, والتي استعارت إحداها اسم الرمز الأدبي الأهم نجيب محفوظ, ابن الحقبة الليبرالية, والوطنية المصرية الخالصة, لتحمل جائزتها الأدبية اسمه في الوقت الذي لم تسع وزارة الثقافة التي شارك بعض سدنتها من مثقفي مبارك ولا يزالون في التكريس لتلك الجائزة, إلي صنع جائزة باسم محفوظ أحد أهم سادات السرد في العالم.
وبدلا من الاحتفاء مثلا بعناصر الثقافة الشعبية, أو الأدب المعني بواقعه, بوصفه حاويا نماذج إنسانية بنت أوانها, تم تهميش المشاريع الحقيقية في الكتابة, ومحاولة تغييب الوجه الطليعي الجديد للثقافة المصرية, ورأينا مثلا إفساحا أوسع للكتابة المنكفئة علي ذاتها, بنت الأحاجي والألغاز اللغوية, أو النظرة العدمية للعالم, بل وإمعانا في التلفيق قدمت نماذج أدبية باهتة تدعي وصلا بالواقع المصري, فتعاملت مع المكان المحلي بوصفه مجرد فلكلور يقدم علي طبق من فضة للمترجم الغربي بالأساس, في استبعاد فادح للقاريء صاحب الحضور الأصيل في عملية الكتابة برمتها, وبذلك تم إقصاء الإبداع الحقيقي القادم من رحم المغامرة الجمالية والموضوعية, ابن التجريب الفني, والمعبر عن كتابة تخصنا, وتعبر عن أشواق المجموع لعالم أكثر حرية وإنسانية, ابن تلك الصياغة الجمالية لواقع مصري معقد ومتشابك, مسكون بالتنوع والخصوصية.
لقد بدت الثورة المصرية وخاصة في موجتها الثانية معنية أكثر بمفهوم الاستقلال الوطني, والخلاص من التبعية السياسية والاقتصادية, وهذا يستلزم أيضا خلاصا مختلفا من التبعية الذهنية, ومحاولة الانتقال من خانة مستخدمي المعرفة إلي حيز المنتجين لها, وبما يعني قدرة واعدة علي إنتاج أفكار جديدة, بنت الآن وهنا, وبنت الخيال الجديد, والنظر المختلف للعالم والأشياء. لقد أوجدت العولمة مثقفا هشا, وتابعا علي الدوام, ومعاديا للوظيفة الاجتماعية للأدب, يتظاهر بفصل السياسي عن الثقافي, مع أنه ترس في الآلة الجهنمية لثقافة الهيمنة والاستعمار.
علي الأمة المصرية إذن أن تمتلك مشروعها الخاص: السياسي, والثقافي, ابن ثورتي يناير ويونيو, والمعتمد علي التفاعل الثقافي الندي لا التبعية الذهنية, منطلقا من أحلام شعبنا في عالم أكثر عدلا وجمالا وإنسانية, وبما يعني استعادة حتمية لدور المثقف العضوي الحامل لأحلام السواد الأعظم من الجماهير, من المقموعين والمهمشين, والانتصار لكل قيم العقل والتجديد, وإحلالها محل كل أطر النقل والتقليد, عبر نخب طليعية تقدمية جديدة تؤمن بالناس أكثر مما تؤمن بالسلطة, وتعتقد في الوطن أكثر مما تعتقد في تصوراتها اليوتوبية الضيقة, وتدرك وحدة الثقافة الوطنية وتراكمها الحضاري, وقدرتها علي مجابهة كل قوي التطرف والقمع والإرهاب.
لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.