أكد العالم الإسلامى الكبير الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية ورئيس جامعة الأزهر السابق، أن ما يفعله تنظيم داعش الإرهابى فى العراق من تفجير للكنائس وترويع وقتل المسيحيين لا يجيزه الإسلام، بل حذر منه أيضا لما يحدثه ذلك من إثارة الفتنة وإشاعة الفوضى فى المجتمع. وقال فى حوار ل " الأهرام" إن حماية دور العبادة أمر واجب على رؤساء وملوك الدول وجميع ولاة الأمر من أن يمكنوا أصحاب الديانات الأخرى من إقامة شعائرهم الدينية،كما أوضح فى حواره ل “الأهرام” دور المؤسسات الدينية والإعلامية فى الدول العربية والإسلامية فى مواجهة تلك الأفكار المتطرفة وتصحيح الصورة للغرب لبيان أن تلك الفئة المنحرفة والتى تستبيح القتل والدماء لا علاقة لها بالإسلام فهو منها براء. وأكد الدكتور أحمد عمر هاشم أن الفتنة الطائفية هى اكبر خطر يهدد الأوطان .. وإلى نص الحوار: ما موقف الإسلام من أتباع الديانات السماوية ؟ موقف الإسلام من أتباع الديانات السماوية هو ما نص عليه رب العزة فى قوله تعالى : " لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، وديننا الإسلام يأمرنا أن نؤمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجميع الأنبياء والمرسلين لا نفرق بين أحد منهم،يقول تعالى : " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ"، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم على حقوق أتباع الديانات الأخرى الذين يعيشون معنا تحت سماء واحدة وأرض واحدة واختلطت دماؤنا سويا فى الحروب دفاعا عن الوطن، ولذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ظلمهم فقال: (ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه إلى يوم القيامة)، ومعنى هذا أن أتباع الأديان لهم ما لنا وعليهم ما علينا لا يظلمهم أحد ولايعتدى عليهم أحد فالإسلام أمر بالمعاملة الحسنة معهم وقال الرسول صلى الله عليه وسلم محذرا من إيذائهم: (من أذى ذميا فأنا خصمه).. والذمى هو غير المسلم. ما مشروعية حماية دور العبادة الخاصة بهم وتمكينهم من أداء شعائر دينهم؟ هو أمر واجب على جميع الرؤساء والملوك والأمراء وجميع ولاة الأمر أن يمكنوا أتباع الأديان الأخرى من أداء شعائرهم وألا يمنعوهم أو يسمحوا بإيذاء شعائرهم أو العدوان عليهم فذلك لا يجوز ، وإن كانت بعض الأقليات الإسلامية فى دول الغرب يسومهم سوء العذاب لأنهم مسلمون، ولكننا لا نعاملهم بمعاملتهم لأن الخطأ لا يبرر الخطأ، وتمكينهم من عبادتهم أمر شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه عندما جاءه وفد نجران فى مسجده واستقبلهم فى المسجد، ولم يمنعهم من دخول المسجد، بل عندما أرادوا أن يقيموا شعائرهم فى المسجد النبوي، اعترض بعض المسلمين فنهاهم الرسول، بل أكثر من هذا كان الرسول بنفسه يقوم بتقديم الخير والكرم والتحية لهم بنفسه، وعندما أراد بعض المسلمين أن يقوموا بذلك نيابة عنهم ،رفض صلى الله عليه وسلم، وقال إنما أريد أن أكرمهم كما أكرموا إخوانكم فى الحبشة، فالإسلام به شواهد كثيرة على حماية أتباع الديانات الأخرى ودور عبادتهم، فالمواطنة أمر مقرر فى الإسلام يجب أن يحترمه الجميع. ما رد فضيلتكم على ما يقوم به تنظيم داعش فى العراق من هدم للكنائس؟ وما يمثله هذا السلوك من اساءة للدين الإسلامى الحنيف؟ هدم الكنائس لا يجيزه الإسلام أبدا ويحذر منه لأن فى هدم الكنائس والعدوان على أصحابها إحداث قلاقل فى المجتمعات الإسلامية ونذير خطر بإشعال فتنة طائفية المسلمون فى حل من وقوعها، فقد يحلل أحدهم إذا رأوا الاعتداء على كنائسهم فيقول المثل بالمثل، ولكننا لا نبادل الخطأ بالخطأ، وحرمة النفس سواء كان صاحبها مسلم أو غير مسلم لها عند الله مكانة عالية، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتى يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفى لذى عهد عهده فليس منى ولست منه)،أى لا يفى بغير المسلم وهو من بيننا وبينه عهد أمان فيقتله مثلا فالرسول يقول وما يفى ذى عهد عهده ما حكمه ليس منى ولست منه، فلا يعتدى على الرجل الصالح أو الفاجر، لأن فجوره على نفسه وحسابه عند الله إن شئت أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولكن أن تعتدى عليه بالقتل فهو محرم وكذلك من لا يفى بذى عهد عهده وهو ما بيننا وبينه عهد أمان فبمجرد دخول سائح إلى بلادنا أصبح ذلك عهد أمان له. وما حكم من يعتدى على دور العبادة ؟ المعتدى على دور العبادة هو أحد شخصين، إما أن يكون جاهلا بالحكم فنعرفه الحكم الشرعى وننبهه ونوجهه فإن أصر على ذلك واعتدى بدافع الحقد والعدوان والإرهاب والطغيان حوسب على عمله وعوقب عليه إن قتل يقتل وإن اعتدى يحاسب على اعتدائه، وهناك فى الشريعة عقوبات تقديرية وعقوبات غير تقديرية أى تفويضية، والمقدرة كالحدود حد الزاني،وحد السرقة، وحد القتل وهو القصاص إلى غير ذلك، وهناك عقوبات تفويضية ومعناها أن الشارع فوض ولى الأمر أن يسن من العقوبات ما يردع الخارجين عن الأمن، وتسمى فى الشريعة التعذيرات وقد تصل إلى حد القتل حين تغلظ فى بعض المواقف. ما هى الرسالة التى توجهها للغرب ومن يتخذون من مثل هذه الأفعال ذريعة للهجوم على الإسلام والمساس بصورة المسلمين فى الخارج؟ أولا يجب على الدول الغربية ألا تظلم بعض الأقليات الإسلامية الموجودة عندها، ويجب على المقيمين فى الخارج، أن يراعوا تعاليم دينهم والالتزام بالخلق الفاضل، وأنهم صورة عن الإسلام فعندما يفعلون شيئا من المخالفات والرذائل يقومون بأنفسهم بتشويه الإسلام قبل أن يفعل الغرب، وأقول إن ما يحدث فى بلاد العرب والمسلمين من محاولات تنغيص حياتهم وبذر بذور الفرقة بينهم واشعال الثورات ضد آمنهم واستقرارهم باسم الديمقراطية التى يتشبهون بها وهى منهم براء، وأقول لهم كفوا أيديكم عن الإسلام والمسلمين وبلاد المسلمين، فهؤلاء الفئات الخارجة مثل داعش لا تمثل إلا نفسها لو أن طائفة انتحلت مزعم من مزاعم الثورات المتشددة والتى تتسم بالعنف والإرهاب باسم الدين، فليس كل من قال الشهادة يكون مسلما حقيقيا، فالذى يفترى على الناس ويشهر سلاحا فى وجوههم ليس مسلما، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا) وحذر من مغبة هذه المخالفات التى يمارسها من ينتمون إلى الإسلام ويعادى بعضهم بعضا، ويزهق بعضهم أرواح البعض، فهو حذر من ذلك أشد التحذير. ونقول لهؤلاء المسلمين الذين يحملون السلاح على إخوانهم ويقومون بالتفجير والتدمير قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدى كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض). كيف ترى نموذج الوحدة الوطنية والتعايش بين المسلمين والأقباط فى مصر ؟ نموذج يتخذ منهجا سليما خاصة عند الكبار والمثقفين والأوساط العليا فى المجتمع، أما الأماكن الأخري، مثل فى الأماكن الشعبية وبعض الأماكن التى انتشر فيها تيارات التشدد والعنف والإرهاب يكون فيها التعاون الضيق مع الأقباط، وهذا مخالف لكتاب الله وسنة رسوله، وطبيعة الشعب المصري، لأنه تعايش مع الأقباط طيلة حياته منذ الفتح الإسلامى فعلم أقباط مصر أن دين الإسلام يحمى حقوق الإنسان مسلما أو غير مسلم، فى وقت كان الرومان يذيقونهم أشد العذاب، فما أن سمعوا بالفتح الإسلامى على عيد عمرو بن العاص، إلا واستقبلوه بحفاوة فهم علموا أنه دين يدعو إلى السلام والعدل والمساواة ففتحوا للإسلام قلوبهم، وما إن استقر عمرو بن العاص رضى الله عنه فى مصر، حتى بعث إلى الأب بنيامين الذى كان قد فر من كنيسته من شدة قسوة الرومان، لكى يعود ويتولى كنيسته وشئون أهل ملته فعاش المسيحيون مع المسلمين معا فى مواطنة سمحة لا غلو فيها ولا عدوان ولا تشدد.