أثارت الأعمال الدرامية التى عرضت فى شهر رمضان هذا العام ضجة كبيرة جددت معها الجدل حول العلاقة بين الفن والواقع، وحدود حرية الإبداع والتعبير ، وإلى أى مدى يحق للبعض أن يلوم الفن لأنه يقدم الحياة كما هى دون رتوش تجميلية. واستمر النزال الفكرى طوال الشهر، ومن قبله بعشرات السنين ،وسوف يستمر بعده لمئات السنين، ما بين مبدعين يدافعون عن حقهم فى الخيال والإبداع وبين رجال دين ومجتمع غاضب.. يحاول هذا التحقيق الوقوف على مختلف الآراء حول طبيعة العلاقة بين الفن والواقع. اعتبر د.حامد ابو طالب، الأستاذ بكلية الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن دراما رمضان لهذا العام أثارت استياء الكثيرين لأنها لم تراع مقتضى الحال؛ أى أن المبدع لم يقدم أشياء تتناسب مع الوقت الحاضر، على حد قوله، مضيفا »لا يعقل أن يكون الناس فى رمضان يسعون لتجديد صلتهم بالله سبحانه وتعالى ومن يقدم الدراما يتناسى ذلك، ويقدم أعمالاً لا تتناسب مع الصفاء الروحى والنفسى للصائمين. بل كان لابد أن يتناسب مضمون تلك الأعمال مع خصوصية رمضان ومقاومة شهوات الإنسان، فرأينا نساء وفتيات يظهر الكثير من أجسادهن بمبرر أو غير مبرر، كما جسدت الدراما بعض الشخصيات التاريخية بعيداً عن التاريخ الحقيقى لها، فشوهت الشخصية وشابها التزييف والتزوير بدافع جذب المشاهدين، كما حدث مع شخصية جمال عبدالناصر فى أحد المسلسلات». وحول حرية المبدعين فى تقديم ما يرونه مناسباً من وجهة نظرهم استناداً على حقهم فى حرية التعبير؛ قال ابو طالب »للأسف المبدعون يريدون تقديم ما لديهم بدون نقد من المجتمع، وهذا خطأ كبير منهم لأن المجتمع إذا ما ترك لهم الحرية دون نقد واستدراك للأخطاء ستتضاعف تلك الأخطاء وعلى المبدع أن يتسع صدره لتلقى النقد وتطوير أعماله بما يتناسب مع المجتمع حتى يحظى برضاء الناس ويحقق هدف أعماله فى إمتاعهم وإلا فيبتعدون عنه وعن أعماله لأن الناس سترفض ما يثير غضبها ويسبب لها الضيق، كما أن حرية الإبداع والتعبير مكفولة بما لا يضر بالمجتمع«. وأكد أن المبدعين يجب أن يتناولوا سلبيات المجتمع من أجل توعية الناس بتلك السلبيات والتحذير من مخاطرها، مطالباً الفنانين بمراعاة الحقيقة وما يحدث بالواقع دون مبالغة، مضيفاً « لا يجوز للمبدعين أن يتناولوا نماذج سلبية ويجملون فيها، كمن يعرض تاجر المخدرات الذى غالبا ما يرتكب جرائم تضر بالمجتمع فيتم تصويره على أنه ذو نفوذ وجاذب للنساء وغيرها من الصفات التى تتنافى مع الواقع، فتمتدحه بعض الأعمال بدلا من أن تحذر من مخاطره». كما أعربت سعاد فتحي(موظفة) عن استيائها من الأعمال الدرامية لهذا العام، موضحة »للأسف معظم الأعمال الدرامية التى عرضت فى رمضان غير مناسبة معظمها تركز على السلبيات وكأنها مقصودة لتشويه صورة البلد، كما أنها تضمنت تجاوزات أخلاقية كثيرة لا يصح أن تتضمنها مسلسلات تليفزيونية تلتف حولها الأسرة كلها وتعرض فى شهر كريم مثل رمضان، فلماذا لا يتناولون الإيجابيات فى مسلسلات رمضان ويتناولون السلبيات فى المسلسلات التى تعرض فى توقيت غير رمضان«، على حد قولها. وأيدها فى ذلك محمد عبدالله(محام) مستنكرا ما وصفه »بالتربص« المتواصل من جانب الأعمال الدرامية فى رمضان بمهنة المحاماة، لتشويهها عبر إبراز شخصية المحامى الفاسد بأكثر من عمل فى عامين متتاليين، على حد قوله، مضيفاً « دائما ما تظهر مهنة المحاماة بشكل سيئ، فهم يختارون عرض نماذج فاسدة وسيئة دائما لاجتذاب المشاهدين وتقديم المحامى كشخص لا يملك نزعة من ضمير، يوظف القانون لصالح من يدفع أكثر، حتى لو كان متهما وفاسدا وألاحظ أن هذا أصبح متكررا منذ رمضان الماضي، ويجب أن تتخذ النقابة خطوة من أجل الحفاظ على صورة المهنة ومن يمتهنها فى المجتمع. فليس كل المحامين فاسدين. ومن جانبه أبدى د.علاء محمد (طبيب أمراض نساء و ولادة) غضبا شديدا من أحد المسلسلات التى تناولت شخصية طبيب أمراض النساء هذا العام، معتبرا أنه يشوه المهنة ويشكك فى أطباء ذلك التخصص الحساس من الرجال، محذرا من مردود ذلك سلبيا على المجتمع، ومضيفا » لسنا ضد عرض السلبيات، وبالتأكيد هناك الصالح والفاسد فى كل مهنة، لكن هذا التخصص حرج وحساس للغاية، فإذا كانوا يريدون تقديم نموذج لطبيب منحرف وفاسد أخلاقياً كان من الممكن أن يكون طبيبا فى أى تخصص آخر، لكن باختيارهم هذا التخصص بالذات وتصوير الطبيب على أنه زير نساء غير مؤتمن، فهم يشككون فى كل طبيب يمتهن ذلك التخصص لأن الدراما تؤثر فى الناس ووعيهم، وليس كل من يشاهدون المسلسل على نفس القدر من الوعى الذى يجعلهم يقتنعون بأنه خيال مؤلف؛ لذا أؤيد الإجراء الذى اتخذته نقابة الأطباء بمقاضاة المسلسل«. وقد استنكر السيناريست محمد أمين راضى هذا الهجوم على الفن والدراما، مؤكدا أن الفن من حقه أن يقدم كل شيء، ويتناول مختلف القضايا بسلبياتها وإيجابياتها فهو مرآة للمجتمع تعرض ماهو موجود، وأن حل تلك الأزمة قد يكمن فى تطبيق التصنيف المناسب للأعمال الفنية وفقاً للفئات العمرية، مضيفاً « من حق المبدع أن ينوه فى بداية عمله إلى أنه يصلح لفئة +18 ،ودور المتلقى أن يلتزم بذلك فلا يجعل طفله يشاهد العمل بدلا من مهاجمة العمل نفسه، لكن المشكلة تكمن بالجانب الانتاجى لأن وضع عبارة ا+18ب على أى عمل تقلل من فرص مشاهدته وبالتالى فرص نجاحه وإنتاجه لذا لا يتم غالباً استخدام ذلك التصنيف. ومن حق المبدع أن يكتب ويصوغ ما يشاء وفقاً لوجهة نظره الخاصة فى قضية معينة ويعبر عما يمتلكه من مهارات وخيال حتى لو كان ذلك لا يتطابق مع الواقع 100% ،وفى النهاية نحن لا نقدم مادة وثائقية ومن حق المتلقى أيضاً أن يقاطع ما يشاء ويغير القناة الفضائية برمتها« وشن راضى هجوما مضادا وحادا على وسائل الإعلام، معتبرا أنها لا تقوم بدور إيجابى فى توعية المتلقى بالفرق بين الواقع الاجتماعى والواقع الفنى وضرورة دعم حرية الإبداع والتعبير، مضيفاً» الفن بصفة عامة دوره الإبداع وتوعية المجتمع، والإعلام للأسف ترك دوره الأساسى فى إكمال تلك المهمة وقاد حملة شرسة للهجوم على الفن والإبداع . لذا بعد ما تعرضت له من هجوم وزملائى المبدعين نفكر جدياً فى أن نكتب العام القادم مسلسلات عن كائنات فضائية من كوكب آخر«. اتفقت معه المؤلفة والسيناريست مريم ناعوم مؤكدة أن الفن لا يوجد به ما هو صحيح وماهو خطأ فكل مبدع يقدم وجهة نظره، مشيرة إلى أن من حق المتلقى الاعتراض إذا ما شعر بأن ما يراه يزيف الواقع، بشرط أن يكون المبدع قد ذكر من البداية أن عمله واقعي، كما أن من حقه ألا يشاهد ما لا يعجبه، مضيفة أن من حق المبدع أن يستخدم الواقع الاجتماعى كمادة خام يضيف عليها من خياله ،إلا أن الواقع التاريخى يجب التعامل معه بحساسية شديدة، وبالتأكيد لا نستطيع منع أحد من الاعتراض على ما يراه من أعمال تعرض جوانب سلبية من المجتمع، لكن نندهش من الحساسية المفرطة من أصحاب بعض المهن الذين اعترضوا على عرض نماذج سلبية تمتهن مهنا معينة ، مثل المحامين والأطباء وكأن تلك النماذج غير موجودة وسطنا، واعتبرت ذلك سوء تقدير منهم، لأن المبدع لا يقصد تناول أى مهنة بالأساس بل الجوانب الإنسانية فى الشخصيات. ويجب أن يتسع صدر المجتمع لعرض السلبيات كما يرحب بعرض الإيجابيات. وتابعت »ناعوم« لا اقتنع بوجهة النظر الخاصة بضرورة إخضاع المبدع لرغبات المجتمع، فأنا أكتب ما أقتنع به ولا أهدف لتحقيق مشاهدة عالية بقدر ما اهتم بالصدق فى العمل، وبالنسبة لمن يطالبون بتغيير توقيت عرض المسلسلات، فإن من المعروف أن رمضان هو الموسم الأضخم للدراما وقرار العرض فى رمضان من عدمه قرار المنتج وليس المبدعين؛ لذا فالموضوع أكبر من صناع العمل، كما أن قرار التصنيف هو قرار جهة الانتاج، وعلى الأسرة أن تختار لأولادها ما يشاهدونه وفقاً لأعمارهم، وسبق أن طالبت بالتصنيف العمرى فى مسلسلى السابق »موجة حارة« وتم تطبيقه، وكررت الطلب مع مسلسل »سجن النسا«، إلا أنه لم يلق قبولا على اعتبار أن اسم العمل يدل على محتواه«.