كنا فى زمن مبارك مجرد معارضة نخبوية الممارسة والمطالب، احتجاجية الطابع، لاعلاقة لها بأصول المعارضة السياسية فلا تملك معلومات مؤكدة، ولا تتمتع بخبرة معلومة فى إدارة الدولة أو عملية اتخاذ القرار، ولا ترتبط بأية قوى اجتماعية وسياسية تنتمى لها وتدافع عن مصالحها. وأخشى أننا بعد ثلاثة أعوام من انفجار 25 يناير قد عدنا أدراجنا إلى ماكنا عليه فى زمن مبارك. هذا الجهد الذى بذلته حركة 6إبريل وغيرها من الحركات السياسية فى التظاهر احتجاجاً على قانون التظاهر وكأن وجوده سيودى بجميع الحقوق والحريات، وإلغاؤه سيعجل بالموجة الثالثة من الثورة، هو سلوك يؤكد أن من شب على شئ شاب عليه وان من لم يجد سوى مظاهرات الاحتجاج »لن يبدع سواها من أساليب العمل السياسى والثورى حتى بعد الثورتين اللتين فجرهما الشعب ورغم أوهام الموجة الثورية الثالثة التى تدق الأبواب. إنه نفس حال قطاعات النخبة الغاضبة من قانون إلغاء انتخاب القيادات الجامعية. وكان انتخاب هذه القيادات هو طريق الحل لمعضلات ومشكلات التعليم المزمنة، وحاله المنهار بما وضع مصر فى ذيل الدول المتخلفة تعليمياً وهو انهيار جرى معظمه فى ظل قانون إنتخاب القيادات الجامعية. ورغم أن أول انتخابات جرت بعد ثورة يناير أسفرت فى معظم الأحيان عن انتخاب ذات القيادات التى كان قد جرى تعيينها فى عهد مبارك وفى ظل سطوة وهيمنة جهاز أمن الدولة. ورغم الخبرة السلبية الكاملة لجميع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التى شهدتها البلاد قبل الثلاثين من يونيو. ولن يكون ماحدث فى ضريح عبد الناصر فى ذكرى الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو آخر الشواهد على أننا نحن وليس غيرنا من يستهدف العودة إلى ذات الأساليب الاحتجاجية المتوارثة من عهد مبارك،بعيداً عن جميع الخبرات السياسية التى من المفترض أننا اكتسبناها طوال الأعوام الثلاثة الماضية. والأسوأ فى الأمر أن التوتر قد وقع بين عناصر من حركةتمرد وأخرى من التيار الشعبى وهما أكثر الحركات الشبابية التى مارست عملاً سياسياً حقيقياً يتعدى فكرة الاحتجاج، ويصل إلى درجة الفعل السياسى المؤثر. والأكثر سوءاً أن الأمر تعدى الخلاف بين الفريقين إلى ترديد هتافات أساءت بالقطع للرئيس السيسى والمؤسسة العسكرية،وهو ما يجب ان يكون من قبيل كبائر المحرمات فى احتفال بثورة يوليو التى فجرها تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر. هتافات أكدت أن أجيال الشباب الجديد تتعامل مع المواقف المستجدة فى الصراع مع العدو الصهيونى بنفس المنطق الذى تعاملت به الأجيال القديمة. تلك الأجيال التى ناضلت قبل أن تفعل اتفاقات التسوية مع إسرائيل فعلها فى إحداث مفردات جديدة شديدة السوء قطعاً فى مفاهيم الأمن القومى العربى على المستويين الجماعى والقطرى معاً، فضلاً عما أسفرت عنه من خلخلة التركيب الاجتماعى والسياسى لصالح جماعات الإسلام السياسى بكل ما اختزنته من جهل سياسى وفقهى لهذا الصراع، ولطبيعة المجتمعات العربية المعاصرة، وهو ما أسفر عن المآسى التى أعقبت ما سمى بثورات الربيع العربي، وهى أوضاع تحتاج من القوى القومية بالذات اجتهادات كبيرة لفك شفراتها والتعامل معها دون الاكتفاء باجترار المواقف والشعارات القديمة التى سوف تسيء بالضرورة لجيشنا الوطنى وقيادتنا الشرعية المتمثلة فى الرئيس السيسي. وحتى تتضح وجهة نظرى على الأخص لجموع شباب التيار الشعبى أسوق الأمثلة التالية. 1 فى المنطق الاحتجاجى فان الالتزام الذى اكده جميع مرشحى الانتخابات الرئاسية الأولى وضمنهم حمدين صباحى الذى أعاد تأكيده فى الانتخابات الأخيرة، هو خيانة للوطن والتزام باتفاقات الاستسلام للعدو الصهيونى فى كامب ديفيد وغيرها. أما فى المنطق السياسى فهذا موقف سياسى مسئول من أشخاص طرحوا أنفسهم لأعلى منصب فى البلاد. 2 وفى المنطق الاحتجاجى فإن طلب تعديل المعاهدة المصرية الإسرائيلية الذى طرحه حمدين فى الانتخابات الأخيرة هو وصول بالعلاقة بين الطرفين إلى مدى لم تبلغه من قبل حيث سيجلسان معا للبحث فى المصالح الأمنية المشتركة وصولاً إلى ما يحققها من تعديلات، أما فى المنطق السياسى فاننا بصدد مرشح رئاسى يبحث فى كل سبيل قد يرفع عن بلاده بعض الشروط المجحفة بها فى هذه المعاهدة. 3 سأترك لأعضاء التيار الشعبى تقييم تصريح حمدين عن قطع يد حماس إذا امتدت لمصر وأقوال أخرى صدرت عن بعض مناصريه فى خصوص الفلسطينيين إللى مش عارفين مصلحتهم، لعل شباب التيار الشعبى أن يستصحب هذه الخبرات السياسية التى تجنبه مزالق الدخول فى مشاحنات تسيء إلى أطراف تحالف 30يونيو، والأسوأ انها ستحيل التيار من قوة سياسية واعدة إلى مجرد حركة احتجاجية على نمط ما كان فى عهد مبارك. لمزيد من مقالات احمد عبد الحفيظ