استمرت المناقشات الخاصة بحقوق المرأة السياسية تحتل المساحة الأوسع خلال الفترة الماضية إذا قارناها بالمساحة النقاشية التى حصلت عليها الحقوق الأخرى.. فقد دارت معظم الحوارات حول «الكوتة» والتى تمثل نسبة التمثيل النيابى التى يضمنها الدستور أو قانون تنظيم الحقوق السياسية والمدى المقر فيهما للمرأة. وهى حالة نقاشية قديمة تمتد لوقت أقرت فيه أدبيات وتوصيات الأممالمتحدة على أهمية زيادة تمثيل المرأة فى المجالس النيابية بنسبة تتزايد مع الوقت حتى تصل إلى الثلاثين فى المائة ثم إلى المناصفة بين النساء وبين الرجال. ذلك على أساس أن المرأة تمثل فى المجتمع نصف قواه البشرية، وبالتالى لابد أن تكون نصف قواه الانتاجية ونصف قدراته الابداعية وكذالك نصف صانعى قراراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والآن نسمع نغمات، نشكر عازفيها، السيد المستشار عدلى منصور ثم الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الخطاب الذى تضمن برنامجه فى قصر القبة. تشير النغمات إلى العناية بالمرأة المصرية فى الحياة النيابية وفى المناصب العليا دون أن تشير هذه النغمات المشكورة إلى دورها فى الغيط كما فى البيت والمصنع والمستشفى والمدرسة وفى المعمل. أشارت النغمات إلى كل مكان وإلى كل موقع سياسيين بعد أن شهدوا أداءها فى ثورتى 25و30 ثم فى الاستفتاءات والانتخابات. كما يشدد عازفا النغمات على المناصب الوزارية والتمثيل النيابى غير عارجين إلى تلك الحقوق الاقتصادية الاجتماعية الهامة التى لابد أن تحصل عليها نساء مصر سعيا لزيادة مشاركتها فى بناء وطنها بالجهد والانتاج. تحتاج مرحلة البناء القادمة إلى كل إنسان قادر على العمل دون تمييز بين الرجال والنساء. فالقادرون على العمل والانتاج لابد ألا يكونوا أميين أو غير مدربين بغض النظر عن مجال هذا العمل فى الحقل أو فى المصنع أو فى المتجر. تحتاج مصر إلى تعظيم قوى إنتاجها بشريا وماديا وهو طريق يحتاج إلى التوسع القاعدى فى التعليم والتدريب. وإذا كنا باستمرار نطالب بتمكين المرأة كنصف المجموعة البشرية المصرية فإننا نؤكد اليوم ونحن ندخل مرحلة بناء جديدة بأن المرأة المصرية متمسكة بمطلبها فى التمكين ولكن فى تواز مع تمكين الرجال الأميين وغير المدربين، كطريق إلى تعظيم قوى الانتاج المصرية هذه التى تحتاجها البلاد. تطالب المرأة المصرية بوضع سياسة تمكين دون تمييز ولكن مع توجيه عناية خاصة للمرأة لأنها الأكثر فقرا والأكثر أمية والأقل تدريبا. بالإضافة إلى أنها تعول نسبة كبيرة من الأسر المصرية. وهي، ونقولها للمرة الألف، أنها لا تطالب بثمن وبمقابل ما فعلته سياسيا طوال المرحلة اللاحقة للخامس والعشرين من يناير 2011وإنما تطالب بهذه الحقوق لأنها تريد أن تؤدى واجبها الانتاجى تجاه وطنها فى المقام الأول ثم تريد أن تسهم فى زيادة دخل أولادها وأسرتها وفى النهاية تريد تحقيق ذاتها الانسانية التى استمرت تسعى لتحقيقها منذ أن انخرطت فى الحياة العامة مع بدء الحركة الوطنية المصرية. ماذا تريد النساء المصريات بالضبط؟ تريد نساء مصر إلغاء كافة اشكال التمييز الاقتصادى والاجتماعى وليس السياسى فحسب. هذا التمييز الذى تمارسه العقلية الذكورية فى إدارة شئون البلاد المصرية وفى الحياة العامة. كما أنه التمييز الذى هو جزء من التراث الثقافى فى البلاد. نريد، نحن القادرات على التعبير عن طموحات أخواتنا من غير الممارسات لحقوقهن، لنساء مصر أن يجدن الفجوة التعليمية، التى هى ليست عددية بقدر ما هى نوعية واضحة وذات تأثير سلبي، تضيق شيئا فشيئا بحيث تتساوى أو تتقارب أعداد طالبات العلم فى المجالات العلمية والتطبيقية مع دارسات العلوم الانسانية. نريد ان نرى موازنة عامة تعنى بالأمراض الانجابية التى تلاحق المرأة الريفية والفقيرة. نريد ألا نقرأ عبارة «مطلوب ذكور للعمل» وخاصة فى القطاعات الاقتصادية الكبيرة. كما نريد أن تضيق الفجوة بين أجور النساء العاملات وأجور الذكور القائمين على ذات العمل وبذات الجودة. نريد أن يكون تمثيل النساء فى كافة المجالس النيابية يتماثل مع حجم مشاركتها فى الحياة الاقتصادية والحياتية. نريد لهذه الفجوة التى تفصل بين واقع النساء وواقع الرجال أن تضيق خطوة خطوة لتصل فى النهاية إلى تحقيق تكافؤ الفرص والمساواة فى التعليم والصحة والاقتصاد والسياسة. نريد أن نرى البداية ونسير فى الطريق خطوة خطوة ونسعى جميعا، وسويا، حكومات ومجلس قومى ومنظمات مجتمع مدنى للوصول إلى الأهداف النهائية. نعرف انها ليست قضية سهلة ولكنها ليست مستحيلة. قضية ليست سهلة لأنها تتعامل مع البنيان الثقافى الضارب بجذوره فى البناء الانسانى المصري. ولكنها ليست مستحيلة إذا ما باتت قضية مجتمعية، تتشارك فى حلها الحكومات مع المجلس القومى للمرأة ومع منظمات المجتمع المدني. وقد حدث ذلك فى عديد من بلدان العالم النامى التى هى ليست متقدمة صناعيا، والتى لا تملك جهاز الدولة الذى يستطيع لعب الدور القائد. وإنما وصلت هذه الدول إلى لحظة تاريخية حددت فيها الهدف السليم وخططت له، وهو ادماج النساء فى الحياة العامة. وإذا أردنا الأمثلة فلندرس الحالة الرواندية بعد الحرب الأهلية التى دارت فى تسعينات القرن الفائت. رواندا بلد نام فقير فى امكانياته المادية ولكنه اكتسب زخما بشريا عندما أدمج نساءه فى الحياة العامة. يحقق الوصول إلى هذه الحالة من تكافؤ الفرص والمساواة إلى أن تصبح النساء المصريات، مساهمات ومنتظمات وفاعلات فى بناء كل البنى والمجالات الاقتصادية بعد أن كن، تاريخيا، مجرد مستهلكات لطيبات الحياة التى يصنعها غيرهن. من هنا، يمكن القول إن هذا الادماج يعنى أن تتاح للنساء فرص العمل والانتاج فى كل القطاعات، سواء كانت صناعية أو زراعية أو خدمية أو معلوماتية. كما يعنى الادماج ألا يزج بالنساء المصريات فى قطاعات بذاتها دون قطاعات أخرى. مثل أن تدمج فى القطاعات الصغيرة والمتوسطة دون أن تدمج فى القطاع الاقتصادى المنظم والكبير. فقضية المرأة لا تعنى «تأنيث» قطاعات اقتصادية أو تعليمية لنتفاخر مثلا بأن أكثر من تسعين فى المائة من طلبة وطالبات كليات الاعلام من الإناث فى حين أن نسبة الإناث فى الإعلام كله لا تزيد عن ثلث العاملين فيه. فالتوجه إلى «حصار» النساء فى مجالات اقتصادية أو تعليمية معينة يصيب سوق العمل والانتاج وأوضاع الأسرة بخلل نراه اليوم واضحا فى مجتمعنا. لمزيد من مقالات أمينة شفيق