لا تزال التحديات التي تواجه تحقيق المساواة بين الجنسين، تمثل عائقًا كبيرًا أمام المشاركة الكاملة بل والفاعلة للمرأة في صنع القرارات الرائدة، وتتضمن تلك التحديات عددًا من أشكال التنميط السلبية، والتي تحد من أدوار المرأة القيادية، إضافة إلي غياب التزام الأحزاب السياسية والقادة بهذه الإشكالية، وعدم كفاية التمويل والتدريب للنساء، فضلًا عن التمييز في جميع القطاعات وعلي مختلف المستويات. وفي هذا الصدد، رصد التقرير السنوي للمنتدي الاقتصادي العالمي في سويسرا، حول "المساواة بين الجنسين في العالم"، تراجع ترتيب مصر بين الدول العربية والأجنبية عن العام الماضي في التغلب علي الفجوات الموجودة بين الرجل والمراة؛ سواء من الناحية التعليمية، أو المشاركة الاقتصادية، أو الرعاية الصحية، أو التفكير السياسي.. وهي المؤشرات الاربع التي يقاس عن طريقها مدي التقدم او التراجع بين الدول.. وجاء التقرير هادفًا الي ضرورة رفع وعي الدول للتغلب علي الفجوات بين الجنسين، وانتهاج سياسات جديدة تمكن من السيطرة علي الوضع القائم. الأمر الذي حدا ب "صوت البلد" للوقوف علي الأسباب الحقيقية وراء تراجع الدور المصري واتساع الفجوة بين الجنسين. وقالت د. ميرفت التلاوي وزير الشئون الاجتماعية الأسبق: رغم تراجعنا في المساواة بين الجنسين في العديد من المجالات مقارنة بالدولة العربية والأجنبية، إلا أننا نشاهد حاليا إنجازات إيجابية في التشريعات وتولي المناصب والكوتة لصالح المرأة، وكذلك عدد المقيدات بالمدارس والذي يفوق عدد الذكور.. وأضافت: إلا أن هذا التراجع الذي رصده التقرير يعود في المقام الأول إلي ثقافة المجتمع، بل في تفكير المراة نفسه قبل الرجل. وحملت قدرًا من المسئولية لدور العبادة جامعًا كان أو كنيسة، داعية إلي الحسم الشديد في الخطاب، وألا يدعو أي منهما إلي أي دعوات تخالف الدستور أو القانون؛ وأن يبتعدوا عن آرائهم الشخصية.. واقترحت د. التلاوي للنهوض بدور المرأة العمل علي تدريب الكوادر البيروقراطية في المجتمع.. مشيرة إلي الدور الإعلامي في هذا السياق بكل صوره؛ فهناك برامج مهمة وأسماء كبيرة لا تنادي بالمساواة، فضلًا عن المسرحيات والافلام والمسلسلات التي لا تعرض مادة درامية تساعد علي رأب الصدع في العلاقة بين الجنسين؛ فالموطن البسيط لا يذهب للأوبرا ولكنه يشاهد هذه الاعمال من خلال التليفزيون. فيما أشارت د. إيمان بيبرس رئيس مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة، إلي أن مصر كدولة تعاني من التراجع الكامل في مختلف مجالات، وفي هذا الوقت يحدث تراجع للفكر.. وأوضحت: فإذا نظرنا مثلًا في حالة وجود ظروف اقتصادية سيئة نجدها تنعكس أولا علي الفئات المهمشة والضعيفة، والمراة ككائن ضعيف هي أول من يتأثر بذلك؛ سواء بالمعاش المبكر أو عدم الحصول علي فرص عمل جديدة، كما أنه إذا كانت الموارد الاقتصادية محدودة بالأسرة؛ فالفتاة أول من يخرج من التعليم لتوفير المصاريف؛ فالمشكلة تتمثل في عدم وجود فكر واع بالمجتمع. وفيما يتعلق بالحلول، أكدت د. بيبرس ل"صوت البلد" أن حل هذه المشكلة يكمن في الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام من توعية وإرشاد، إضافة إلي المنح المجانية في المجتمعات الأهلية ورجال الأعمال للتعليم الأساسي والمهني، فضلًا عن أن تصبح المرحلة الثانوية والجامعية للمتوفقين دراسيا سواء كانوا إناثًا او ذكورًا؛ فبدلا من إنفاق الملايين علي الجامعات ويتخرج الطلاب يعانون من الجهل وعدم المعرفة تذهب هذه الأموال للتعليم الأساسي. وأضافت: ومن الضروري كذلك توافر الضمير بالقائمين علي العملية التعليمية؛ فتطوير منظومة التعليم بأكملها سيحدث فارقًا كبيرًا بالمجتمع؛ فمصر أصبحت في ذيل الركب وليس في المقدمة. وتقول د. عفاف مرعي المدير التنفيذي لبرامج المرأة بالجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية: إنه وفقا لمؤشرات معينة يتم قياسها تتحدد نسبة التراجع أو التقدم بين الدول أو الدولة نفسها في التغلب علي الفجوات الموجودة بين الجنسين.. فهناك عوامل متعددة تؤدي إلي التراجع في مصر كعمالة المرأة بنسب متزايدة في القطاع غير الرسمي الذي لا يلتزم بحقوق المرأة ولا معايير العمل الدولية، وكذلك مؤشر التعليم؛ فمعظم الأميين في مصر من النساء؛ وهذا لا شك يرجع إلي أن أغلبية الأسر المصرية بمجرد انتهاء المرحلة الابتدائية أو الإعدادية يجبروا بناتهن علي الجلوس في المنزل وترك التعليم أو حتي الزواج المبكر. وفيما يتعلق بالجانب السياسي السائد في المجتمع، أضافت: إن السياسة حرفة الرجال وقبل تخصيص 64 مقعداً للمرشحات كانت الفائزات 4 فقط من 444 نائباً، ومن هنا فخطوة تخصيص المقاعد خطوة سياسية مهمة من أجل المرأة، ولكن بدلا من اقتصارها علي مجلس الشعب فقط، فلابد أن تكون في جميع المجالس المنتجة؛ سواء الشوري أو المجلس المحلي أو حتي الأحزاب السياسية؛ مما يساعد علي تغيير ثقافة المجتمع عن طريق الدعاية والاحتكاك بالناخبين؛ فتتبدي أهمية دور المرأة في المجتمع، والذي سيكون حينها جادًا ومناديا بالمساوة، بل ومعبرًا عنها بكل الأشكال. ومن الجدير بالذكر، أن د. فرخندة حسن الأمين العام للمجلس القومي للمرأة، كانت قد أكدت في كلمتها الافتتاحية للمؤتمر السنوي السابع للسيدات الرائدات، والذي نظمه مؤخرًا معهد "سيجيل" لدراسات أخلاقيات القيادة بجامعة كينسو بولاية جورجيا بالولايات المتحدةالأمريكية، أن الديمقراطية تقاس من خلال نسبة تمكين المرأة وتمثيلها في الحياة السياسية.. كما لفتت إلي أن تعزيز المساواة بين الجنسين وتوفير الفرص المتساوية في مواقع صنع القرار، وإعطاء المرأة حقوقها السياسية لاشك يعد من أهم الشروط التي يجب توافرها للوصول إلي ديمقراطية سليمة. كما ألمحت د. حسن إلي أن مصر تشهد خلال الآونة الراهنة حراكًا سياسيا جديدًا في ظل التعديلات الدستورية التي تم إقرارها من خلال الاستفتاء الشعبي التي عقد مؤخرًا.. ونوهت إلي ضرورة تحديد عدد من الأطر الواضحة، بما يتيح فرصة المشاركة للمرأة في المواقع القيادية؛ إذ إنه لا تزال هناك بعض العوائق التي تحول دون تمثيلها بشكل كاف في مواقع صنع القرار رغم وصولها لعدد من المناصب التنفيذية العليا.