هم أقدم جالية أجنبية وطئت أرض مصرمع الفاطميين الذين شهد عصرهم وز راء الأرمن العظام بدءا من بدر الدين الجمالى ، وهم أهل الرأى والمشورة كما وصفهم الجبرتى ، فى ظل تجربة محمد على بناء مصر الحديثة فأدخلوا زراعة القطن طويل التيلة وأشجار الماندارين التى مازالت تعرف باسم من استجلبها يوسف أفندى الأرمنى» اليوسفى «.منهم جاء نوبار باشا أول رئيس وزراء لمصر .. ومنهم نظريت كالوسديان مترجم زكريا محيى الدين والذي ساند الفدائيين فى منطقة القناة ، ومنهم صاروخان صاروخ السخرية اللاذعة ومبدع الكاريكاتير السياسي ، ومنهم كابورك يعقوبيان أخطر جاسوس لدى مصر قبل 1967. إنهم الأرمن الذين لا يعتبرون أنفسهم جالية ولا أقلية بل مصريون من أصل أرمنى وكان هذا ما بدأت به حوارى مع أونيك بلكدانيان رئيس مجلس إدارة بطريركية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة ونائب رئيس جمعية القاهرة الأرمينية الخيرية :
بداية هل تفضلون أن يطلق على الأرمن المصريين مصطلح جالية أم أقلية؟ من الناحية القانونية والدينية يطلق على الأرمن الأرثوذكس فى مصر لقب « الطائفة « ولنا لائحة داخلية اقرتها الحكومة المصرية منذ عام 1946 . ومن الناحيتين الثقافية والاجتماعية ، الأرمن جالية لهم سماتها وهويتها وعاداتها وتقاليدها الخاصة . ومع هذا يفضل الأرمن أن يطلق عليهم مصريون من أصل أرمنى أو الأرمن المصريون . كم يبلغ عدد الأرمن المصريين حاليا؟ نحو سبعة آلاف نسمة موزعين على القاهرةوالإسكندرية. وينبغى الإشارة إلى أن العدد فى عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين كان نحو 40 الف نسمة ولأسباب اقتصادية واجتماعية هاجر كثير منهم إلى أوروبا وكندا وأرمينية وأستراليا . يعد الأرمن أكبر جالية أجنبية عرفتها مصر خلال القرن الماضى؟ استوطن الأرمن مصر منذ الحكم الفاطمى واستقبلهم الشعب المصري بكل ترحاب وتسامح . كما أن جميع الحكومات التى توالت على مصر قد عاملت الأرمن معاملة كريمة . ولهذا اعتبر الأرمن مصر وطنهم فتفانوا فى خدمته وأخلصوا له واعتزوا به وتشبثوا بترابه. ووجد الأرمن فى مصر الأمن والأمان وفرص العمل والاستقرار ولهذا فضلت الكثير من العائلات الأرمينية البقاء فى مصر وعدم مغادرتها خصوصا أن معظمهم حاصلون على الجنسية المصرية وليست لديهم اية مشاكل قانونية أو دينية أو سياسية . هل عاش الأرمن فى مصر عبروجودهم التاريخى فى مصر فى جيتو خاص بهم بمعزل عن الحياة السياسية المصرية؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى كتب بدون مبالغة. فالأرمن رغم هويتهم الخاصة تكيفوا مع المنظومة المصرية . فقد شاركت النخبة الأرمينية الإدارية خلال القرن التاسع عشر فى إدارة العلاقات الخارجية المصرية ومنهم : بوغوص بك يوسفيان، ارتين بك تشراكيان ، إسطفان بك دميرجيان ونوبار باشا وديكران باشا . وبغض النظر عن أن أول وزير لخارجية مصر هو بوغوص بك « 1826 – 1844 « ونوبار باشا أول رئيس لوزراء مصر « 1878 – 1879 « ومن الدلائل الرائعة على صورة نوبار باشا فى الوجدان المصرى أن الشعب المصري منحه لقب « أبو الفلاح « علاوة على وجود شارع كبير باسمه فى وسط االقاهرة ونوع من القطن « القطن النوبارى « ومنطقة كبيرة تسمى النوبارية ، وهناك يعقوب آرتين الذي لقب بالأستاذ الكبير نظرا لدوره فى ارساء قواعد وزارة التربية والتعليم وهناك شارع فى مصر الجديدة يحمل اسمه . وبوغوص ابن نوبار باشا ساعد البارون إمبان فى بناء حى مصر الجديدة . كل هذا دليل على عدم انعزالية الأرمن عن بقية الشعب المصرى. إضافة إلى هذا شارك الأرمن كحرفيين ومهنيين وتجار فى الحياة المصرية . ومعظم الأرمن خصوصا الذين ولدوا فى مصر يعرفون اللغة العربية جيدا . ولا يوجد حى خاص للأرمن فهم يعيشون جنبا إلى جنب مع المصريين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين ودائما تفاعل الأرمن بحرارة شديدة مع طموحات وآمال القاعدة العريضة من الشعب المصري على نحو ما فعلوا إبان ثورتى 25 يناير و30 يونيو . كيف كانت أوضاع الأرمن فى مصر قبل 25 يناير وبعدها؟ إن الأرمن فى مصر شأنهم شأن جموع الشعب المصري تمتعوا بالإيجابيات وعانوا من السلبيات ولهذا شاركوا فى فعاليات 25 يناير منادين ب « عيش ، حرية، عدالة اجتماعية ، كرامة إنسانية « وايضا عندما شعروا أن مصر تضيع من أهلها انتفضوا مع سائر ابناء الشعب المصري الأصيل فى 30 يونيو لاسترداد مصرنا الحبيبة ، وسبق أن ارسلت مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة خطابا داعمت لخريطة المستقبل إلى كل من رئيس الجمهورية السابق المستشار عدلى منصور ووزير الدفاع انذاك الفريق عبد الفتاح السيسي واللواء محمد ابراهيم وزير الداخلية . وقد رد الفريق السيسي على المطرانية بخطاب أشاد فيه بدور الأرمن وتلاحمهم مع النسيج المصري . هل كانت لكم مطالب فيما يتصل بكتابة الدستور وحماية حقوق الأقليات؟ أعتقد أن الدستور الحالى يلبى معظم الحقوق لكل فئات وشرائح المجتمع . ومن الناحية الدينية ما سوف يطبق على الأقباط ، سوف ينطبق على الأرمن . ورغم هذا فالأرمن لا يحبذون استخدام مصطلح الأقليات . والدستور المصري لم يتحدث عن أقليات وإنما عن ثقافات فرعية فى إطار الثقافة المصرية الأم . وجميع الأرمن متفاءلون ما مدى اختلاف الكنيسة الأرمينية عن الكنيسة المصرية؟ باستثناء الطراز المعمارى للكنيسة وبعض التراتيل واللغة الأرمينية تتفق الكنيسة الأرمينية مع شقيقتها المصرية فى العقيدة فالكنيستان تنتميان إلى الكنيسة الشرقية التى تؤمن بطبيعة واحدة للسيد المسيح بالاشتراك مع الكنائس السريانية والحبشية والهندية . وجدير بالإشارة أن أرمينية أول دولة تعتنق المسيحية كديانة رسمية لها عام 301 ميلادية . كم يبلغ عدد كنائس الأرمن فى مصر؟ للأرمن الأرثوذكس كنيستان إحداهما فى القاهرة وهى الكائنة فى شارع رمسيس والأخرى فى الإسكندرية . وكانت هناك كنيسة ثالثة فى منطقة الزيتون وقد تم إهداؤها للإخوة الأقباط مثل كنيسة البروتسانت حيث لا يتبع هذه الكنيسة من الأرمن فى مصر حاليا سوى عائلة واحدة . أما الأرمن الكاثوليك فلهم كنيسة فى منطقة وسط البلد وأخرى فى مصر الجديدة. أين تتمركز عائلات الأرمن حاليا؟ فى القاهرةوالإسكندرية بالقرب من أعمال الاقتصاد والتجارة والإسكندرية ميناء مهم ومعظم اللاجئين الأرمن نزلوا بورسعيد ثم اتجهوا إلى الإسكندرية . ومازالت فى بورسعيد حتى الان مقابر اللاجئين الأرمن . ما أهم الاحتفالات الأرمنية فى مصر؟ نحتفل مع عموم الشعب المصري بكافة أعياده القومية والدينية . ومن الناحية الدينية يحتفل الأرمن بعيد الميلاد المجيد وعيد القيامة وبعض أعياد القديسين الأرمن . ومن الناحية القومية نحتفل سنويا بعيد « لافارتانانتس « وهو عيد التمسك بالهوية الأرمينية وعيد استقلال فى 21 سبتمبر وعيد شهداء 24 ابريل وهو خاص بضحايا الإبادة الأرمينية التى ارتكبتها تركيا العثمانية ضد الأرمن بدءا من 24 ابريل 1915 . وفى العام القادم ستمر الذكرى المئوية على هلاك وتشتيت مليون ونصف المليون أرمنى . مازلتم تحتفلون بهذه الذكرى حتى بعد صدور قانون يجرم إنكار الإبادة الأرمينية.. ألم يساعد فى تسكين أوجاع ذكرى مذابح تركيا العثمانية؟ لم ولن ينسي الأرمن جراح مليون ونصف المليون شهيد ولا توجد أية تعويضات يمكنها أن تزيل تلك الجراح لكننا فى ذكرى مئوية الإبادة نأمل أن تعترف تركيا بمسئوليتها التاريخية والقانونية عن الإبادة وتعويض الضحايا وورثتهم ماديا ،إذ أن الأرمن تركوا جميع ثرواتهم المالية والعينية والعقارية وأخرجوا صفر اليدين من أراضيهم التاريخية التى عاشوا فيها قرابة ثلاثة آلاف سنة. ونحن نلتمس من البرلمان المصري أن يتبنى مشروعالاعتراف مصر رسميا بالإبادة الأرمينية رغم أنها اعترفت بها عمليا عندما استقبلت آلاف الناجين من الإبادة وأصدر الأزهر الشريف فتوى تحريم قتل الأرمن 1909 ونشر فى مصر أول كتاب فى العالم عن الإبادة عام 1917وهو « المذابح فى أرمينيا « لفايز الغصين المحامى السورى . هل محنتكم تلك هى التى دفعتكم للتعاطف مع القضية الفلسطينية ورفض الأرمن ضم حيهم فى القدس إلى إسرائيل ؟ لاشك أن التجربة الفلسطينية تتشابه من وجوه عديدة مع القضية الأرمينية وبما أن الشعب الأرمنى عانى الويلات جراء الانتهاكات والتعديات ، فإنه من الطبيعى أن يتعاطف بشدة مع أية شعوب تلقى ما لاقاه الأرمن خصوصا أثناء الحرب العالمية الأولى على أيدى حكومة تركيا العثمانية . كما أن الحى الأرمنى فى القدس يحتل مكانة معنوية رفيعة جدا فى نفوس الأرمن . ما هى علاقة الأرمن المصريين بوطنهم الأم أرمينية حاليا؟ كما أن مصر تجرى فى دمائنا ، فأرمينية تعيش فى وجداننا ولدى الأرمن الشوق والحنين إليها دائما . ولهذا نسعد بزيارتها وعندما تنظم أرمينيا دورة رياضية كل عامين تكون فرصة للشباب الأرمنى من كل أنحاء العالم للتجمع والمشاركة فيها . كيف تحافظون على هويتكم الثقافية فى إطار الثقافة الأم المصرية؟ نحن جالية محظوظة، إذ إن الحكومات المصرية المتعاقبة لم تفرض علينا أية إجراءات تؤدى إلى طمس هويتنا ورغم أننا ننغمس حتى النخاع فى الحياة المصرية العامة فلنا ثقافتنا الفرعية التى نحافظ عليها ونتشبث بها وتقوم الكنيسة بدور محورى فى الحفاظ على الثقافة والهوية الأرمينية. كما قامت المدارس الأرمينية بدور مهم من خلال تدريس اللغة الأرمينة وآدابها وتاريخها .وحاليا توجد بالقاهرة مدرسة « كالوسديان – نوباريان « وبالإسكندرية بوغوصيان . هذا بخلاف النوادى الرياضية والاجتماعية والثقافية التى تلعب دورا مهما فى تحقيق التواصل بين الأجيال وتنمية الحس الأرمنى وكذلك الصحف ومنها : آ ريف « وتعنى الشمس وهوسابير «وتعنى باعث الأمل وتشاهاجير حامل الشعلة ولاشك أن ميل الأرمن إلى الزواج فيما بينهم أدى إلى استمرارية الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم. كماتوجد فرقة للكورال والأغانى الشعبية الأرمينية.