يوما بعد الاخر يتجه العراق وبقوة نحوالانفلات والسقوط فى قبضة الفوضى فبعد ما يزيد على الشهرعلى الانتخابات البرلمانية الأولى بعد خروج القوات الامريكية من العراق فى 18 ديسمبر2011 ،والرابعة منذ غزو العراق واحتلاله فى التاسع من ابريل 2003 ،لايزال العراقيون يدفعون يوميا أرواحهم نتيجة السياسات التى اسسها الاحتلال وكرستها اجندات إقليمية، وتنفذها قوى سياسية ، ويكفى أن نشير الى انه منذ بداية شهر يونيو الجارى سقط أكثر من 500 قتيل واكثر من 2000 جريح. والأمر الذى يجب الا يغيب عن الجميع ان ما يحدث فى الموصل وما حدث قبلها فى سامراء ويستمر فى الانبار وبغداد وديالى وغيرها من المدن العراقية ليس نتيجه قوة القاعدة وداعش بقدر ما هو نتاج سياسات طائفية وظفت من قبل اطراف داخلية واقليمية صنعت حالة من اليأس داخل الاوساط السنية وجعلت من داعش المخترقة من جهات معروفه تتحرك بحرية فى تلك المناطق، اما ان تنسب جميع العمليات لداعش ففيه اجحاف كبير، فى ظل الظلم الذى يتعرض له الجميع شيعة وسنه، والقضاء الحقيقى على داعش واخواتها يكمن فى التخلص من الصيغة المذهبية الطائفية فى الحكم التى صدرها البعض الى خارج العراق فى محاولة لصبغ صراعات المنطقة بالصيغ المذهبية،فبدلا من ان يحصد العراقيون ثمار الديمقراطية والانتخابات كما هو الحال فى العالم ،حصدت ارواحهم ودمرت منازلهم وشردوا ،وسط تضارب المعلومات وحجبها وتزييفها من اطراف الصراع السياسى المذهبى التى يبدو انها إجتمعت على هدف واحد هو توصيل العراقيين الى قبورهم. مع هذا الواقع اليومى الدموى تكرست ملامح العراق باعتباره نموذجا للدولة الفاشلة القاتلة ، بل والنموذج الذى تعمل القوى المعادية للعرب على تكريسه فى المنطقة بعد انكشاف اكذوبة ما سمى بالربيع العربى ، لتشكيل كيانات تحمل مقومات الدولة الطائفية التى يدخل الجميع فيها فى صراع محتدم على جميع المستويات ، دينية، عرقية مذهبية وتحطيم اى حديث عن دولة المواطنه التى كانت ومازلت هى السور الحامى لاى دولة تريد الانطلاق الى مستقبل واعد لجميع قاطنيها وهو الامر الذى نفذ ولايزال ينفذ فى هذا البلد من خلال إعتماد اى صيغة ،اجتماعية، مذهبية، طائفية، عرقية، ايا كانت فى العمل والممارسة العامة والسياسية، وهو الامر الذى كرسه الدستور العراقى الذى بنيت عليه ما تسمى بالعمليه السياسية فى العراق وحقق ومازال الكثير من المآسى لتكون المحصلة هدم المجتمع والدولة التى من المفترض انه قام لحمايتها وتحول الى صيغة من صيغ تكريس الفوضي، لتكون المحصلة ما نراه الان . لقد جاءت الانتخابات العراقية الاخيرة والعراق فى حالة صراع واحتراب محتدم وتشبث بالسلطة ، تستخدم فيه جميع الوسائل ،ومع كثرة عدد القوائم وتنوعها الا انها كانت فى الاغلب إفراز للطائفية السياسية التى كرستها النخب والجماعات الحاكمة المرتبطة بجهات اقليمية ودولية ،وهو الامر الذى انعكس على الكثير من القوى المتنافسه للفوز رغم الكثير من شعاراتها فى الوقت الذى لا يجد فيه المواطن اى صدى لقضاياه ومعاناته اليومية الا فى الشعارات المرحلية والانتخابية. والنقطة الاهم هى ان الاطراف السياسية العراقية التى لاتوجد بينها اى مساحة من مساحات الثقة نتيجة للتجارب والدماء لا تحمل قواسم مشتركة تمكنها من العمل معا لانقاذ البلاد من الطائفية السياسية والارهاب والفساد ،لان مؤسسات الدولة التى من المفترض ان تعبر عن الجميع باتت لا تعبر الا عن اطراف معينة فى البداية ثم طرف واحد فى النهاية وباتت طرفا فى معادلات السياسية وادوات لادارة الصراعات المتعددة، وهو الامر الذى افقدها قيمتها وهيبتها بل وحولها الى ميليشا تابعة للطرف الفاعل وأن حملت مسميات وطنية، وأمام ذلك وادراكا لتدهور الموقف كان تلويح الاكراد اكثر من مرة باعلان الانفصال وهو الامر الذى تكرراكثر من 4 مرات فى اقل من شهر، لتاتى نتيجة الانتخابات التى اعلنتها مفوضية الانتخابات يوم الاثنين19 مايو الماضى، حيث حصل ائتلاف دولة القانون الذى يتزعمه رئيس الوزراء نورى المالكى على 95 مقعداً من 328، وجاء فى المرتبة الثانية القوائم الصدرية ب32 مقعداً ومن ثم ائتلاف المواطن بزعامة عمار الحكيم ب29 مقعداً ومن بعده ائتلاف متحدون بزعامة اسامة النجيفى ب23 مقعداً، كما جاء ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوى بالمركز الخامس ب21 مقعداً، فيما حل بالمركز السادس الحزب الديمقراطى الكردستانى بزعامة البارزانى ب19 مقعدا يتقاسم معه المركز الاتحاد الوطنى الكردستانى بزعامة الطالبانى ب 19 مقعداً أيضاً، لتكون المحصله هى ان اى طرف لا يمكنه تشكيل الحكومة بمفردة بل ان الائتلاف الوطنى الشيعى يرفض حتى الان تولى المالكى لفترة رئاسية ثالثة على اى الاحوال فان الانتخابات التى شارك فيها اكثر من 10 ملايين وحرم الكثيرون من المشاركة فيها نتيجة العمليات العسكرية والقصف هى مرحلة اولى مهدت للعنف، والمرحلة النهائية مؤجله حتى اجتماع البرلمان القادم ، وبدء الكتل السياسية فى توزيع وتشكيل تحالفاتها التى ستفرز تشكيل الرئاسات الثلاث ( الوزراء ، البرلمان ، الجمهورية) ونوابهم وهى المرحلة التى من المؤكد انها ستطول ،كما حدث فى الانتخابات السابقة(2010) ،وحسب الدستور الازمة فإن هذه الرئاسات بحاجة الى 165 مقعدا من اصل مقاعد البرلمان لتحقيق الاغلبية المطلقة لانتخابها وهو امر مستبعد لاى طرف ويعنى انه لابد من تحالفات بين القوى الاكبر عددا الفائزة ،وقبلها الاتفاق على صيغة لوقف القتال فى المدن العراقية. وعليه فان لابد من ايجاد مخرج للازمة السياسية بشأن المالكى الذى تحول الى ازمة بحد ذاته اولا ثم تأكيد مشاركة حقيقية لا قوليه كما كان فى حكم المالكى، على ان يكون ذلك متوازيا مع وقف الممارسات الطائفية فى مؤسسات الدولة ليكون ذلك هو البداية الحقيقية لانهاء الأزمات المعقدة. وعلى الجميع ان يدرك الآن ان العراق فى خطر حقيقى ينذر بتمزيقه الى دويلات وإمارات منحرفه ومتصارعه ضمن السياق المخطط له، والذى تزكيه دوائر معروفه كنموذج للكثير من الدول ،وهو الامر الذى يستوجب تحركا سريعا وقويا وفاعلا ينقذ المنطقة من الصيغ الجديدة للصراعات.