اجريت الانتخابات البرلمانية العراقية في السابع من مارس الماضي وابلي العراقيون بلاء حسنا وتوجهوا رغم التفجير والقصف والقتل الي صناديق الاقتراع. وقد اختاروا واعلنت النتائج وبالتقسيط الذي اكل من اعصاب الجميع لتظهر النتائج النهائية. التي اظهرت فوز قائمة العراقية بزعامة اياد علاوي ب91 مقعدا, تليها قائمة ائتلاف دولة القانون ب89 مقعدا ثم الائتلاف الوطني العراقي ب73 مقعدا ثم التحالف الكردستاني ب43 مقعدا,ومع النتائج المتقاربة بدا الجدل والمعارك السياسية والقانونية حول من يشكل الحكومة العراقية ومازال هل هي الكتلة الفائزة الاكبر ام الكتلة البرلمانية الاكبر. وتصاعدت التهديدات وارتفعت حرارة الكلمات بين القادة السياسيين, وتوالت التحذيرات لتصل الي حد التهديد المفتوح باستخدام العنف او التحذير منه, وهو ما كان اشارة البدء لفرق الموت المتخصصة في قتل العراقيين تحت زرائع مختلفة ليسقط الاسبوع الماضي خلال ايام السبت والاحد والاربعاء اكثر من250 قتيلا و600 جريح في العاصمة العراقية بغداد وضواحيها فقط, جراء التفجيرات العنيفة يومي الاحد والاربعاء والمذابح المتفرقه في هور رجب وغيرها من عمليات الاغتيال والقتل المنظم بالعبوات اللاصقة والمسدسات الكاتمة للصوت, وسط هذه الفوضي الأمنية التي فجرها التحجر السياسي من قبل بعض الاطراف ضد بعضها البعض, والتي رغم ما تقوله وما تردده عن ان العراق لايمكن ان يحكم من قبل طرف واحد تصر علي تجاوز اي خلافات لعدم اعطاء الحكم لهذا الطرف أو ذات من منطلقات يتجاوزها الواقع والوطن الذي يضم الجميع, والامر الذي لاجدال فيه الآن ان ما يحدث من انغلاق سياسي من قبل اطراف سياسية علي بعضها البعض خاصة بين ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي رئيس الوزراء, والتحالف الكردستاني بزعامة الرئيس( العراقي) جلال طالباني من جهة وائتلاف العراقية من جهه أخري, شجع وحفز الكثيرين سواء داخل المؤسسات الامنية التي اصبحت اداة سياسية وحزبية, فضلا عن القوي النائمة والكامنة للتحرك ضد هذا الطرف او ذاك مستهدفة ارباك الاوضاع علي حساب دماء الابرياء, هذا بالطبع لايعني عدم وجود أطراف اخري من المجموعات المسلحة والقوات الامريكية وغيرها, إلا اننا نقول إن العقليات السياسية الحاكمة والتي كانت تقاتل ما يصفوه بديكاتورية صدام, أصبحت الآن اكثر ديكتاتورية منه رغم انه حكم دولة لمدة35 عاما, وهم لم يحكموا إلا بقايا مؤسسات خربت, ودولة تتجاذبها النزاعات العنصرية العرقية والمذهبية, وترسم لها الخطوط العامة للتحالفات السياسية وغيرها خارج الحدود, ان البعض قد يجد في هذا الكلام تجنيا علي الأطراف الفاعلة والحاكمة في العراق, إلا ان من يري حجم الدمار والخراب ويسمع عويل الارامل وانين الضحايا واشلاء القتلي لا يجد اي تجن, ففي الوقت الذي يتصالح هذا الطرف مع ذاك او يجتمع( زعيم مع زعيم آخر) في الصالونات وأجواء الود المستمرة يسمع دوي التفجيرات وانهيار المباني علي من فيها, وكذلك مؤسسات العمل, و( النخب السياسية) الجديدة لاهم لهم إلا الحديث عن حكومة( شراكة).... ربما ولكن بعد ان يقتل الجميع من العراقيين او يفرون خارج الحدود كما قال احد المواطنين بعد علاجه من جروحه في مستشفي اليرموك, لقد أبطل العراقيون المخطط الطائفي لاشعال الفتنة, وبرغم تورطهم فيها إلا انهم ادركوا انه لن يفوز فيها احد لطبيعة المجتمع العراقي, والآن الامر اصبح بيد اشخاص سيطروا واسسوا لاجهزة امنية كل علي هواه الطائفي او الحزبي بعد ان صفي( الخصوم) ممن يصفهم بالبعثيين والتكفريين داخل مؤسسات الدولة, و في عراق اليوم حل( العبث القاتل) محل( البعث المقبور), واصبح من السهل ان يقتل هذا اوذاك الشخص, أو ان يحرم من حقوقه الانسانية والاجتماعية والسياسية و(يجتث) من الحياة أو من اي مكان بدعوي انه بعثي, برغم انه لاعلاقه له بالبعث من قريب او بعيد, وعلي المتضرر ان يثبت العكس إن وجد!. ويقول محمود عثمان عضو التحالف الكردستاني: إن تأخير تشكيل الحكومة هو ما أدي الي هذا التدهور الامني الخطير في بغداد ومناطق اخري, وان الوضع الامني سيتدهور اكثر في حال عدم استطاعة الكتل السياسية تشكيل الحكومة باسرع وقت ممكن, و نقول ومن منطلق الوقائع اليومية هنا ان جميع الاطراف وعلي رأسهم الاكراد يتحملون المسئولية الاكبر, فبدلا من ان يكونا جسرا للحوار بين الاطراف السياسية الاخري لبناء العراق الجديد, وهو ما كانوا يرونه, اصبحوا الآن يتفاوضون علي كيان الدولة واشلاء العراقيين, والمهم عندهم هو الطرف الذي يضمن لهم ما يقولون به من( حقوق عرقية) في هذه المحافظة او تلك ويضعون خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها, وفي الوقت الذي يتحول فيه العالم الي قرية واحدة ولا يحصل اكراد اي دولة من الدول المجاورة علي10% مما حصل عليه العراقيون الاكراد, يطالب الحزبيين الكرديين بالمزيد بل, يشترطون الحصول علي( مكاسب للتحالف مع هذا الطرف او ذاك وكأن الامر لايعنيهم او هم في دولة أخري تحت دعاوي الانتخابات والديمقراطية التي توظف الآن لتقطيع اشلاء العراق والعراقيين, وعليه فإننا لن نجد حتي الآن صيغة تنهي حالة الاحتراب بين القادة السياسيين التي يتمسك كل منهم برأيه ومواقفه, وهو الامر الذي لن تقوم به اي جهة حتي الآن, فايران تريد ابعاد علاوي وقائمته عن الحكم باي صيغة, وتقدم( بديلا للمالكي) وامريكا موقفها يسير بما تمليه مصالحها واجندتها واتفاقاتها السرية والمعلنة بعد جولات حوار علنية وسرية مع ايران لالتهام العراق والعرب تتحفز وتتحسس ضدهم الكثير من القوي وممنوعون حتي من الادلاء برأيهم في الشأن العراقي لانه تدخل في الشئون الداخلية وهتك لحرمة السيادة العراقية, اما عندما تجري مفاوضات في طهران بشأن تشكيل الحكومة العراقية فإن الامر طبيعي بل عادي جدا!! ان الجميع يتمنون ان تكتمل تجربة العراق بالوصول إلي حكم توافقي قائم علي المصالحة والمشاركة في البناء والإعمار, يكفل الامن والحرية لجميع العراقيين, لا ان ينظر الي الحكم علي انه الغنيمة واداة للقتل والانتقام والتخندق العرقي والطائفي, وفي النهاية فإن الايام القادمة حبلي بالعديد من التطورات التي نتمني ألا تكون اكثر دموية, خاصة أن اي طرف لن يقبل بأن يهمش خلال السنوات الأربع القادمة, فالعراق الآن بين إما أن يحكمه الجميع وإما ان تحكمه الفوضي.