في زمن عربي تلاطمت فيه الأمواج وضاع فيه المجداف والملاح، ينتظر عرب كُثْر خاصة على المستويين الشعبي والنخبوي، وقلة من القادة السياسيين لها مصلحة في تثبيت أركان حكمها من خلال توقيف مصر للمد الإرهابي الزاحف ما ستكون عليه بعد الانتخابات الرئاسية نهاية الشهر الحالي، وفي ذاكرتهم، وذكرياتهم أيضا، دعم ثورة 23 يوليو 1952 حركات التحرير في الوطن العربي، علي الرغم من أن مصر اليوم قي محنة على حد تعبير المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي. أيكون هذا الانتظار مرتبطا بأمل مؤسس على الماضي أكثر منه تفاعلا مع الواقع، لأن مصر اليوم غير تلك التي كانت منذ62 عاما، وهو بلا شك نتاج أزمنة متعاقبة كان لمصر فيها الدور الأكبر لجهة صناعة التاريخ العربي؟، أم هو هروب من تجربة الدولة القطرية،التي على ما فيها من خصوصية، أثبتت تكالب الأمم عليها بأشكال مختلفة في ظل شتاء دموي نراه اليوم في ليبيا وسورياوالعراق.. الخ؟. يمكن اختصارالسؤالين السابقين في القول: كيف لرئيس مصر القادم أن يتحرك عربيا بين الانتظار والهروب؟.. انتظار العرب لتغيير بقيادة القاهرة يعيد إليهم توازنهم، ويخرجهم من ضيق الدولة القطرية إلى رحابة الأمة في عصر تراجعت فيه القومية العربية حتى أننا لم نعد نسمع لها ذكراً، والهروب إلى حيث البداية، مما قد يمثل رجوعا اضطراريا إلى حضن الأمة، وهنا لا تكون العودة بالعواطف فقط، وإنما بالعقل. غير أن التحرك المصري المنتظر عبر ثنائية الانتظار والهروب قد يتطلب زمنا طويلا، لأن مصر نفسها محتاجة اليوم إلى عودة فاعلة على مستوى الجبهة الداخلية، أي أن تعيد الثقة لها من خلال تجاوز كبوتها، إن لم يسارع الرئيس القادم إلى تجاوزها ستتحول إلى أزمة ومن ثم إلى كارثة، ولذلك علينا ألا نُحمل مصر فوق طاقتها، أو نُوهمها بالقول: أنها تقوم بدور قيادي على غرار ما كانت عليه في الماضي وخاصة في الفترة الناصرية، وإن كنا لا نستغني عن دورها المرتقب. من مصر إذن يبدأ التغيير، وكلما قويت جبهتها الداخلية وعاد إليها الاستقرار، وتجاوزت محنة الدم والخراب من قوى الشر، كلما كان ذلك لمصلحه العرب، بل يحقق الأمن القومي العربي، وهو الآن وأكثر من أي وقت مضى، طموحات وآمال صغرى للشعوب العربية، مثل: شراء لآلة غسل الملابس(غسالة) في الصعيد، أو زواج في الريف المغربي، أو إيجاد وظيفة لعاطل عن العمل في الحديدة باليمن، أو توقيف اطلاق النار في بنغازي، أو وصول الماء إلى سكان حمص، أو هدنة للسلام في دارفور، أو توقف العنف ليوم واحد في العراق.. الخ. سنوات، منذ أن بدأ الإرهاب في الجزائر حتى احتلال العراق، كنت أقول: أن ما يحدث في الدول العربية يقصد به مصر باعتبارها قلب الأمة النابض، فما كنت أجد آذانا مصغية، وها نحن وصلنا اليوم إلى فاجعة أصابت معظم بلادنا العربية، ولاتزال مستمرة كما هي الحال في سوريا وليبيا والعراق واليمن وقبلها الصومال وفلسطين، وإن لم تنهض مصر وندعهما للقيام بدورها فستسقط دولنا بنفس الطريقة التي سقطت بها الأندلس، ونخرج بذلك من صناعة التاريخ، بل لن تصبح لنا دول قطرية. لا تملك مصر عبر رئيسها القادم رفاهية الاختيار بين القيام بدورها من عدمه، مثلما لا يملك العرب خيار عدم مساعدتها والوقوف بجانبها، إن لم يكن من أجل عودتها فعلى الأقل للحفاظ على وجودهم، ما يعني وجود حاجة مشتركة نفعية بالدرجة الأولى، تجعل من العسر يسرا، فليس بعد الشتاء الهاطل بالأمطار إلا ربيع معشوشب أخضر، وربيع مصر نكاد نراه، نشتم عطر زهوره، نميل مع نسماته، ومعه يأتي الربيع العربي، فحين يعود لمصر استقرارها يتغير اتجاه الريح في الوطن العربي، ونضاهي الأمم، ويسير العرب في سبيل الرشاد. هنا أختلف مع الشعارات التي تبثها القنوات الفضائية المصرية، والتي تدعو المصريين للمشاركة في الانتخابات من أجل إبهار العالم بما يقوم به المصريون، لأن شعوب العالم لا تحتاج إلى ذلك، على عكس المصريين والعرب، الذين هم في حاجة ماسة للخروج من ظلام الأنفس، وظلامية المرحلة، وزمن الهوان عن الناس، وعلينا أن نكف عن هذا النوع من الخطاب، حتى نتمكن من النجاح، وتقييم الرئيس القادم بواقعية وعدل ومساندة نريد بها الطمأنينة في الحياة الدنيا والنجاة في الآخرة. التغيير المنتظر، بعد أن أخرجت المجتمعات العربية ما فيها من أمراض، سينطلق من الرؤيتين اللتين طرحهما المرشحان، لكن نجاح برنامج الفائز منهما مرهون بدعم الشعب المصري وتجاوبه واستعداده للتغيير هذا على المستوى المحلي، أما على المستوى القومي فإن ذلك مرتبط بمدى الوعي العربي لدعم مصر ليس فقط في زمني الحرب والإرهاب، وإنما في كل الأزمنة حتى تقف من جديد، وهي تملك من العوامل ما يساعدها على الاستمرارية، كما كانت منذ آلاف السنين، ومن أحسن من العرب لمصر فقد أحسن لنفسه، و من أساء إليها فقد أساء لنفسه أيضا، أما العاشقون لها مثلي فهم يرونهما عائدة لامحالة، ومعها عودة العرب، إلى الساحة الدولية.. ذاك ليس نجوى، ولكنه حديث الروح والعقل والتاريخ والانتماء. كاتب وصحفي جزائري لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه