سيقف التاريخ طويلا ليذكر بالفخر والإباء ارتباط شهر يناير في وجدان المصريين بمولد أديب عظيم ومفكر وفيلسوف ورائد من رواد الحركة الوطنية وأول مدير مصري للجامعة المصرية وهو أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد. فقد ولد أحمد لطفي السيد في الخامس عشر من شهر يناير1872 في قرية'' برقين'' التابعة لمحافظة الدقهلية بمصر, ونشأ في أسرة علي جانب من الثراء; فعني أبوه بتعليمه, فألحقه بكتاب القرية, حيث تعلم مباديء القراءة والكتابة, وحفظ القرآن الكريم, ثم التحق بمدرسة المنصورة الابتدائية عام1882, وبعد ثلاث سنوات من الدراسة انتقل إلي القاهرة, والتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية, وظل بها حتي أتم دراسته الثانوية في1889, ثم التحق بمدرسة الحقوق التي تخرج منها في1894, وبعد حصوله علي ليسانس الحقوق عمل بالنيابة, وتدرج في مناصبها حتي عين نائبا للأحكام بالفيوم عام1904 وظل بها حتي ترك العمل بالقضاء في1905, فاشتغل بالمحاماة, ثم لم يلبث أن ضاق بها; فتركها إلي العمل بالصحافة والسياسة,وفي عام1907 اشترك مع جماعة من أعيان مصر في تأسيس حزب الأمة وتولي سكرتاريته, ورأس صحيفته المعروفة باسم'' الجريدة'' لمدة سبع سنوات والتي كانت تدعو إلي فكرة'' مصر للمصريين'', ومهاجمة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها السلطان عبد الحميد الثاني. بعد إغلاق الجريدة عين أحمد لطفي السيد مديرا لدار الكتب. تولي أحمد لطفي السيد رئاسة مجمع اللغة العربية بالقاهرة في عام1945, وظل يشغله حتي وفاته, في عام1963 وقد تجاوز التسعين من عمره, بعد أن وقف نفسه علي الإصلاح والتجديد ستين عاما, هذه قصة مولد الاديب والفيلسوف أحمد لطفي السيد مدير الجامعة المصرية, والذي شرف بولادته الخامس عشر من يناير. أما عن عالمنا الجليل الذي توفي في الخامس عشر من يناير1950 فهو علي مصطفي مشرفة, اول عميد مصري لكلية العلوم بالجامعة المصرية, ففي ذلك اليوم وفي تمام الساعة الثامنة والنصف مساء قطعت محطة الإذاعة المصرية برامجها وأذاعت النبأ التالي: فقدت مصر اليوم علما من أعلامها, وعالما كبيرا من كبار رجالاتها العلميين, الذين رفعوا ذكرها عاليا في المحافل الدولية, هو المغفور له حضرة صاحب السعادة الدكتور علي مصطفي مشرفة باشا عميد كلية العلوم بجامعة فؤاد الاول, ننعاه بعميق الحزن وشديد الاسف, انتقل إلي جوار ربه صباح اليوم فكانت لوفاته هزة عنيفه في نفوس مواطنيه وعارفي فضله وقدره, والفقيد من العلماء الذين أجروا ابحاثا معترفا بها في مصر والشرق, ومن الحائزين علي أعلي الدرجات العلمية من الخارج, رحم الله الفقيد الكبير وأجزل عزاء آله ووطنه''(انتهي بيان الإذاعة). توالت ردود أفعال الشعب المصري تجاه هذا النبأ الحزين, فقد كان رحمة الله عليه أستاذا جامعيا مثاليا يعني عناية كاملة بتخريج النشء علي الاسس الجامعية, ويعني بنشر العلم والمعرفة بين أمته بمحاضرات تلقي ومقالات تنشر, وفوق كل هذا فهو عالم باحث اسهم في تقدم العلم حتي وصل إلي مصاف العلماء العالميين الذين تبأوا مكانة دولية مرموقة, لقد عمل مشرفة استاذا جامعيا بكلية العلوم بجامعة فؤاد منذ إنشائها فكان خير من يشغل منصبه عن جدارة واستحقاق, ثم تولي منصب العمادة فقفز بمستوي كلية العلوم إلي آفاق رحبة علي مستوي الشرق والعلم العلمي, وكان أول عميد مصري يتولي أمرها فساسها بما عرف عنه من حنكة ومهارة وكان ابرز ما فيه خلق متين, وشخصية قوية وعزوفه عن الصغائر, حيث تمسك بالحق, إلي جانب محافظته علي السمعة العلمية لكلية العلوم وتشجيعه للبحوث, مما جعل هذه الكلية من أولي كليات الجامعة نشاطا وأوفرها إنتاجا, وفي عهده تمتعت بشهرة علمية واسعة بين الكليات المناظرة لها في أوروبا وأمريكا مما جعل جامعات العالم تقدر شهاداتها وتوقر علماءها. حقا إن شهر يناير حمل للمصريين ذكري خاصة لعالمين مصريين أديا لمصر في فترة عصيبة من تاريخها كبري المهام, وكلاهما أسهم وخدم وأعطي للجامعة المصرية الوليدة من التقاليد والسلوك الكثير, رحمة الله عليهما وأسكنهما فسيح جناته. المزيد من مقالات د.حامد عبدالرحيم عيد