فى صباح الإثنين السادس عشر من يناير 1950م، وبعد أن تناول الدكتور على مصطفى مشرفة بعضاً من شاى الصباح صعدت روحه إلى بارئها وتردد أنه قتل. تباينت الروايات حول الواقعة فبعضها قال إن الجالس على العرش فعلها حيث بلغه أنه يرأس مجموعة سرية من تلاميذه وأصدقائه هدفها المناداة بالجمهورية بديلاً عن الملكية وبعض الروايات الأخرى قالت إنما فعلتها إسرائيل، لأنه قطع شوطاً فى أبحاثه الذرية فأصبح مصدر قلق لها. يذكر الدكتور جمال الدين فندى واقعة عن العالم الراحل، فيقول إن الدكتور مشرفة، فى ورقة امتحان البكالوريوس طلب اختيار 7 أسئلة من تسعة فأجاب الدكتور فندى عن الأسئلة التسعة فإذا بالدكتور مشرفة يمنحه 117 درجة من 100 درجة وتنشر صورته فى الصفحة الأولى فى الأهرام، هذه محطة أولى سابقة للزمان بزمان ولا يقدم عليها سوى معلم حقيقى ومربى أجيال. أما المحطة الثانية فتبدأ من عام 1929 حيث نشر مشرفة أبحاثه فى الدوريات العلمية العالمية توجها ببحث خطير ومهم نشره عام 1932 وأعقبه بأبحاث أخرى مهمة فى أعوام 1942م و1944م و1945م و1948م جميعها يتصل اتصالاً وثيقاً بنتائج مهمة فى العلوم الذرية والنووية، ثم انتقل إلى الجانب التطبيقى حيث دعا للبحث عن اليورانيوم فى الصحراء الشرقية، ومهما يكن من أمر فقد مر على رحيل عالمنا مشرفة 59 عاماً. كان الذين يعرفون أسرته عن قرب يقولون إنه ولد كبيراً ولم يولد طفلاً، وكانوا يقصدون بذلك أنه لم يعش طفلاً مثلما يعيش الأطفال حيث لم يشارك أقرانه ألعاب الطفولة، وهو مولود فى 11 يوليو 1898م فى دمياط وكان أبوه أحد تلاميذ مدرسة الأفغانى ومحمد عبده وكان مشرفة قد حفظ القرآن طفلاً وفى عام 1907 داهمت أسرته أزمة مالية أطاحت بمعظم ثروتها فى مضاربات القطن وقبل أن يؤدى الصبى مشرفة امتحان الشهادة الابتدائية 1910 توفى والده وبعد حصوله على الابتدائية انتقل إلى القاهرة وقبل حصوله على البكالوريا من المدرسة السعيدية عام 1914م بشهرين توفيت والدته، ثم التحق بمدرسة المعلمين العليا، وسافر إلى إنجلترا فى بعثة وحصل على البكالوريوس فى الرياضة عام 1920م وبقى هناك إلى أن حصل على الدكتوراه فى فلسفة العلوم سنة 1923م وأصبح عضواً فى الجمعية الملكية البريطانية. كان مشرفة من الأوائل دائماً منذ سنوات دراسته الأولى، وقد دفعه وازع التحدى لما هو أبعد من التفوق بعدما ضاعت ثروة الأسرة وتوفى الأب ومن بعده الأم، ليثبت ذاته ويقهر هذه التحديات وأخذ ينشر أبحاثه فى المجلات العلمية المتخصصة، وأصبح من المحاضرين فى الجمعية البريطانية وبعد عودته إلى مصر عاوده التحدى وغلبت عليه غريزة النهم إلى العلم ونهل المزيد منه فسافر مرة أخرى إلى بريطانيا، وحصل على دكتوراه أخرى فى العلوم وأصبح العالم الحادى عشر فى العالم، الذى يحصل على الدكتوراه فى العلوم، وأول مصرى يحصل عليها وغار منه البريطانيون وتم رفض طلبه ليشغل موقع أستاذ علم الطبيعة هناك إلى أن قام أحمد لطفى السيد، مدير جامعة الملك فؤاد آنذاك «القاهرة حالياً»، بتعيينه أستاذاً مساعداً فى كلية العلوم فى حين كان يرى مشرفة نفسه أحق بشغل وظيفة أستاذ فلجأ إلى أحد أعضاء مجلس النواب من الوفديين، وكان سعد زغلول رئيساً للمجلس وأثير الموضوع وأصدر على ماهر باشا، وزير المعارف آنذاك، قراراً بتعيين مشرفة أستاذاً للرياضة التطبيقية فى الكلية ذاتها عام 1926 فكان أول مصرى يشغل هذا المنصب إلى أن اختير وكيلاً للكلية عام 1930م حتى عام 1936م حيث اختارته حكومة الوفد عميداً للكلية، فكان أول عميد مصرى لها. لم يكن مشرفة مجرد عالم وإنما كان «موسوعة» عليماً بفنون الأدب والترجمة ومحباً وعازفاً للموسيقى حيث كان يجيد العزف على آلتى الكمان والبيانو، وكان مشرفة قد أسهم فى الحركة الفكرية المصرية وقام بتأسيس عدد من الجمعيات المتخصصة فضلاً عن مشاركاته فى مجمع الثقافة العلمية ومراكز البحوث حتى الموسيقى فقد أسس من أجلها «الجمعية الموسيقية» بالاشتراك مع محمود الحفنى وأبوبكر خيرى ووديع فرج، وقد تولت هذه الجمعية ترجمة مجموعة من الأوبرات العالمية إلى العربية كما أنشأ قسماً للترجمة العلمية فى كلية العلوم لترجمة الكتب العلمية العالمية، كما وضع القاموس العلمى عام 1938م مع محمد عاطف البرقوقى، وفوق هذا اختاره مجمع اللغة العربية خبيراً للجنة المصطلحات العلمية. كان مشرفة ممن أحاطوا بسر تفتت الذرة، وكانت له أحاديث إذاعية بعنوان «أحاديث العلماء»، وكان من تلاميذه الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة التى ماتت فى حادث غامض فى بريطانيا ولمشرفة مؤلفات منها «الميكانيكا العلمية والنظرية» و«الهندسة الوصفية» و«الذرة والقنابل الذرية» و«العلوم والحياة» و«نحن والعلم» وغيرها وهو متدين عارف بالإسلام ينتمى للمدرسة العقلانية البعيدة عن البدع والخرافات، وحين توفى نعاه أينشتاين بقوله: «لا أصدق أن مشرفة مات إنه مازال حياً بأبحاثه».