وسط كل تلك المظاهرات التى تملأ شوارع الوطن. لو تفحصت وجوه شباب مصر الثائرين لاكتشفت من النظرة الأولى ان متوسط السن فى مجموعهم يبلغ الخامسة والعشرين، وقبل نحو ثلاثة عشرة عاما كان متوسط السن لنفس المجموعة يبلغ اثنى عشر عاما. يعنى كانوا فى نهايات مرحلة الطفولة. وفى ذروة اختلافات فريقى الشباب بين مؤيد للتغيير ومناضل من أجل الاستقرار. يظهر صوت العقل الذى يدعو الجميع مؤيدين ومعارضين إلى الحفاظ على مصر الوطن الكبير. مؤسسات ومواطنى شعب. حماية الممتلكات العامة. وحماية أمن المواطنين. وإن لقيت تلك الدعوة قبول بعض الشباب، إلا أن الأغلبية اصرت على موقفها.. ونسيت الدعوة العاقلة لحماية مصر .. التمس لهم كل العذر. فهم لم يعرفوا مصر الا من خلال الكتب المدرسية. عرفوها من خلال مناهج الجغرافيا والتاريخ وحفظوا التضاريس واسماء المدن والتاريخ الفرعونى والفتح الاسلامى والاحتلال الاجنبي. إلى آخر المعلومات المدرسية التى يجب عليهم حفظها حفظا أصم استعدادا لكتابتها فى ورقة الامتحان فترة الاختبارات الشهرية أو فى امتحان نهاية السنة الدراسية . مصر بالنسبة لكل هؤلاء الاطفال لم تكن أكثر من منهج مدرسى يلتزم كل تلميذ بحفظه (عن ظهر قلب) ليكتبه كما حفظه فى ورقة الامتحان، ولايستطيع ان يغير ما يحفظه من الكتاب المدرسى المقرر وإلا تعرض للرسوب، أو على الاقل الحصول على درجة ضعيف.وتلك هى المشكلة الحقيقية. فنحن لم «نزرع» مصر فى نفوس أطفالنا. كبروا وهم لا يعرفونها الا من خلال المنهج الدراسى العقيم الذى ينبذ روح البحث والاجتهاد. كبر اطفالنا وهم لايعرفون شخصيات مصرية وطنية دافعت عن الوطن. كبروا وهم لا يحفظون من تاريخ وطنهم الا ما يحفظونه من كتاب المقرر. كبروا وهم لايعرفون معنى كل مساحة لونية فى علم بلادهم وإلى ماذا ترمز اليه. كبروا وهم لايرون أمامهم زعماء الحركة الوطنية المصرية ولايعرفون تاريخ كل منهم. كبرواوهم لايعرفون معنى كلمات أبيات النشيد الوطنى ولايحسون معانيه وانما يكررونه تكرارا أصم كما حفظوه حفظا أصم. اهملناهم وتركناهم لكل فكر مستورد غريب يشكل رأيهم ويغير محتوى فكرهم بما يتناسب مع اغراضه المحددة سلفاً من قبل. وكانت النتيجة الماثلة امامنا من شباب يمسك بالحجر يقذفه نحو ممتلكات عامة أو افراد شباب فى مثل سنه لمجرد الاختلاف فى الرأى والتوجهات. نسوا مصر لانهم لم يعرفوها المعرفة الواجبة. وتلك كانت مسئوليتنا التى لم نتنبه اليها مبكرا. نحن لم نقف لنسأل انفسنا. هل توجد نماذج صحفية من المجلات و الجرائد تقدم لاطفالنا الصغار ما يجب ان يعرفوه عن وطنهم . هل توجد برامج تليفزيونية تخاطب الملايين من اطفالنا المخاطبة التربوية الوطنية الترفيهية المناسبة لتنشئة جيل مصرى وطنى قادر على تحمل مسئولية وطن بعد سنوات قليلة.هل يسرنا كتب المعرفة التى تخاطب عقولهم وتنمى مهاراتهم وتكتشف قدراتهم الابتكارية وقدمناها لهم بصورة مشوقة مثيرة للاهتمام. أين مؤسسة الثقافة المتخصصة التى تهتم بتنشئة هذا الجيل الجديد؟ أين شخصية الاطفال المصرية التى يحب الاطفال ان يقرأوا قصصها ويتابعوا اخبارها ويتأثروا بها لنتمكن نحن الكبار من خلال تلك الشخصية تقديم كل ما يدعم بناء شخصية المواطن المصرى الصغير صاحب المستقبل القادم . لقد اهملنا لعقود طويلة كل الوسائط الاعلامية التى كان يجب أن نقدمها للمواطنين المصريين الصغار، بل قد بلغت درجة الجهل والاهمال إلى حد محاربة مسئولين تبوأوا مقعد مسئولية الادارة الصحفية فى غفلة من الزمن مجلة الاطفال بدعوى تكلفة انتاجها الزائدة، وحقيقة الامر أن مطبوعة الصغار لم تكن تحقق الزهو الاعلامى والتلميع الورنيشى الذى كانت تشرئب أعناقهم له. لقد هجرنا أولئك الشباب الثائرين عندما كانوا اطفالا ولم نحجز لوطنهم المكان اللائق به داخل نفوسهم الصغيرة. فكبروا واصبحوا شباباً ونسوا مصر. فإلتقطوا حجراً من الأرض ورفعوه فى وجه الوطن وقذفوه به. هل يمكن تدارك الأمر بعد ذلك الدرس القاسى الذى دفع الوطن ثمنا فادحا له و ندرك أن أطفالنا كمثل الورود التى تحتاج الرعاية فهل نقدم لتلك الأزهار العناية اللازمة قبل أن تتفتح .. ذلك هو السؤال الذى يجب أن نجد له جواباً . لمزيد من مقالات مؤنس الزهيرى