للشاعر « نزار قباني قصيدة عنوانها «عَوْدة التنّورة المزركَشة»، ربما كتبها عن حبيبة ترتدي «تنورة مزركشة « أي « جيبة ملونة»، لكن مطلع القصيدة جعلها تبدو كأنما كتبت عن « تنورة الرقص الشعبي»، فلم أستطع إلا أن استخدمها مفتتحا للكلام عن « فن التنورة» .. يقول الشاعر في قصيدته: ضِيقي .. مع التَيَّار واتَّسِعِي وتَفَرَّقي ما شئتِ واجْتَمِعي طيري .. حقيبةَ أنْجُمٍ ورؤىً يا .. يا مُغَامَرَةً مُصَوَّرةً لَتَلُمُّكِ الأحداقُ .. إنْ تَقَعِي و»التنورة» رقصة مصرية أصولها صوفية. تتداخل فيها روعة الأداء، مع سهولة الحركة وقوتها، وتنوع الأزياء المبهجة ودقتها، ويُحلّق فيه «اللفِّيف» علي نغم الإنشاد الديني، الذي ينطلق هادئا، ويتصَّاعد تدريجيا، في دورات نورانية تبدو لا نهائية. وتصل الرقصة الصوفية ذروتها عند النقطة ذاتها التي بدأت منها، ففلسفتها أن الكون دائرة، والشمس مركزها، ويمثلها « اللفِّيف»، و»الحناتية» أي أن الراقصين المساعدين يمثلون الكواكب في دورانهم حول الشمس، من الشمال إلي اليمين مثل الطواف حول الكعبة، ويتبادلون الأماكن مثل فصول السنة الأربعة، في محاكاة للتجاذب بين الكواكب والشمس، كما الحال بين الولي والمريدين، وبانتظام الدوران يتخفف « اللفَّيف» من الأخطاء والذنوب ليطير نحو الحقيقة العليا، الله تعالي خالق الكون، ليصل نظيف الروح والجسد، فيصل إلي مرحلة التوحد. كما يقول الفيلسوف الإسلامي « جلال الدين الرومي» عن مراحل الصوفية « التخلِّي والتحلِّي والتجلِّي»، أي التخلي عن مباهج الحياة، والتحلي بالإيمان، والتجلي أي الوصول إلي أقصي وضوح للرؤية كما عند الدراويش. ورقصة التنورة مصرية شعبية صوفية خالصة، بدأت في الموالد الشعبية، تحت رايات الطرق الصوفية، والتي يبدو أن التنورة اكتسبت ألوانها من تلك « البيارق»، كما يري « محمود عيسي» المشرف علي فرقة التنورة التراثية ، ولا لبس بين التنورة والمولوية التركية ولا تداخل بينهما، وإن اشتركتا في فكرة الصوفية بتجلياتها الفلسفية. وهي رقصة إيقاعية جماعية، تنبع من الحس الصوفي، وتشير دراسات إلى أن «جلال الدين الرومي» أول من قدم رقصة الدراويش أو المولوية. لكن التنورة المصرية أخذت بُعداً احتفاليا مختلفا، فأحيانا يرافقها الإنشاد الديني، أو المديح، واستحدثت للتنورة الألوان المزركشة، والإيقاعات السريعة، وصاحبتها رقصة الدفوف، والفانوس، لتأخذ منحي استعراضيا سياحيا مغايرا. و»التنورة» أي الرداء الذي يستخدمه « اللفِّيف» في الدوران، تكون من قماش قوي، متعدد الألوان، ويحتاج لقوة بدنية من الراقص ومرونة هائلة للتحكم فيه أثناء الرقصة، وضبط سرعتها، وتغيير مكان التنورة لأعلي وأسفل وفق تصميم الرقصة، وبسرعة وتوافق مع الإيقاع لا يلحظه المشاهد. وفرقة التنورة التراثية المصرية حققت أعلي معدل عروض في العالم، حيث تعرض منذ 1988 ثلاثة أيام في الأسبوع بانتظام في قصر الغوري، وتشارك في برنامج التبادل الثقافي الخارجي، وصنفتها المنظمة الدولية للفن الشعبي واحدة من أفضل عشرة عروض في العالم، وحصلت علي المركز الأول لفنون العالم القديم.