كل عام وأنت بخير يا أمي.. جملة بسيطة لكنها تحمل الكثير من المعانى لكل أم.. جملة معبرة تنتظرها كل أم من أبنائها فى عيدها.. ولكن هذه الذكرى تمر على بعض الأمهات دون سماع هذه الجملة.. فمن كان يقولها ليس موجودا بيننا.. رحل الابن فداء لمصر.. وظلت الأم صامدة وقوية تعيش على ذكرى فلذة كبدها الذى قتل بيد الإرهاب الغادر.. لكنها ليست يائسة ولا حزينة فهى مستعدة لتقديم المزيد من أجل وطننا الغالي..
عام صعب مرت به مصر فقدت خلاله المئات من رجالها من أبناء الجيش والشرطة ومن شباب الثورة الذين ضحوا بأرواحهم من أجل هذا الوطن. مئات الضباط والجنود قتلوا غدرا فى تفجيرات وحوادث إرهابية بداية من حادثتى رفح الأولى والثانية مرورا بمذبحة كرداسة وتفجيرات مديريتى أمن الدقهلية والقاهرة وسقوط الطائرة العسكرية بسيناء وصولا لحادث مسطرد الغادر ومئات المواطنين استشهدوا منذ بداية الثورة وحتى الآن... رحلوا وتركوا خلفهم أمهات عظام يفتخرن بما قدموه من أجل وطنهم.. رحلوا وتركوا خلفهم أمهات تستحق الواحدة منهن أن تكون الأم المثالية عن جدارة.. أمهات يجدر ان يتم تكريمهن وأن ننحى لهن إجلالا واحتراما.. لم تكن منال عبد المنصف عمارة، والدة الشهيد مجند أحمد رمضان الأمين الذى قتل غدرا فى حادث مسطرد، تتوقع أن يعود ابنها إليها مكفنا أثناء تأديته الخدمة العسكرية، لكنها تلقت المصيبة بإيمان وصلابة، محتسبة ابنها شهيدا عند الله. كانت آخر مرة رأت فيها ابنها يوم الجمعة 14 مارس، وهو آخر يوم فى إجازته، هذه المرة كانت الاجازة على غير العادة، فابنها ظل فى بيته لمدة 6 أيام ولم يفارقها مثلما كان يفعل كل مرة ويخرج لمقابلة أصدقائه أو للعمل، هذه المرة شعرت الأم بتغير فى طريقة تعامل ابنها، الذى وعدها بأنه سيشترى لها هدية عيد الأم فى الاجازة القادمة، وأنه حزين لعدم استطاعته الوجود معها والاحتفال بها فى عيدها. تروى الأم الأيام الأخيرة فى حياة ابنها والدموع تنهمر من عينيها، قائلة، طوال حياته كان حريصا على أن يعطينى هدية فى عيد الأم وغالبا كان يعطينى أموالا لأشترى بها ما أريده، كان ابنا مثاليا ورجلا بمعنى الكلمة، لكن يد الغدر اغتالته. «سلام يا صاحبي» هذه الجملة رددها الشهيد كثيرا خلال أيامه الأخيرة وقالها لأكثر من صديق من أصدقائه المقربين، وكأنه يعرف أنه سيكون اللقاء الأخير. تواصل منال عبد المنصف حديثها عن ابنها، قائلة، إنه الابن الأكبر لإخوته محمد ومحمود وإسراء، وكان يساعد والده فى تحمل مسئولية ومصاريف الأسرة، حيث أن والده يعمل بالوحدة الزراعية بقرية ميجيريا بالمنوفية، ويتقاضى أجرا 35 جنيها شهريا، فهو عامل مؤقت منذ 15 عاما ولم يتم تعيينه حتى الآن. ولكننا فقدنا سندنا الذى كان يستغل إجازته من الجيش لكى يعمل فى أى شيء حتى يوفر نفقاته ومصاريفه ويساعد فى مصاريف البيت. وتضيف والدة الشهيد، أن وجيعتها كبيرة، وأن فقدان ابنها لا يعوضه ثمن، ولكنها صابرة وراضية بقضاء الله، فابنها مات رجلا، ولم يهرب ولم يقف فى وجه بلاده، بل مات مدافعا عن بلده، ويكفى أنه أعطانى شرفا وهو لقب «أم الشهيد» وهذه أغلى هدية أعطاها لي، رغم الفراق إلا أننى مستعدة لتقديم المزيد لمصر. وتحاول الأم التماسك بعض الشيء وتواصل كلامها قائلة: هديتى فى عيد الأم هى القصاص من القتلة والمأجورين الذين غدروا بابنى وقتلوه وزملاءه، وحرمونى من كلمة «كل سنة وانتى طيبة يا أمي» صورة ابنها لم تفارقها طوال حديثنا معها وأنهت حديثها معنا بنظرة لصورة ابنها وهو تقول له «وحشتنى يا غالي». وتتذكر خضرة قطب، والدة الشهيد مجند عمر عبد الهادى ضحية حادث مسطرد الإرهابي، آخر هدية أحضرها لها ابنها فى عيد الأم الماضي، وكانت عبارة عن «عباية»، لكن قالت بصوت يملؤه الحزن، فقدت ابنى البكرى، فهو لم يكن ابنى فقط بل هو صديقى وسندى فى هذه الدنيا. وتساءلت خضرة عن سبب قتل الجماعات الإرهابية ابنها، هل يعتقدون أنه كافر؟ وأقسمت أن ابنها كان مداوما على الصلاة، ودائما يتصل بها ليسألها عن أدائها الفرائض فى أوقاتها، وتعود الأم الحزينة بذاكرتها للخلف لتحكى كيف كان ابنها يعود إليها فى بعض الأيام وملابسه عليها بعض الأتربة، وكانت تعرف أنه من وقت لآخر كان يقوم بتنظيف مسجد القرية، ليس هذا فقط، بل كان أيضا يقوم بتنظيف دورات مياه المسجد. وتواصل الأم تساؤلها هل هذا شاب كافر، حتى تقتلوه؟، ولكنها تعاود الحديث عن ابنها وتذكر كلماته التى كان يقولها عن خدمته فى الجيش بأنه يخدم بلده ويرضى ربه، وأن الفترة التى يقضيها فى الجيش هى دين فى رقبته لابد أن يوفيه، وعلى أخيه الأصغر أيضا أن يوفيه تجاه بلده ودينه. «كل سنة وأنتى طيبة يا أمي» هى الجملة التى كانت تسمعها دائما من ابنها الشهيد، ولم تكن تنتظر منه أكثر من ذلك، فهى تعرف أنه يتمنى أن يأتى بكنوز الدنيا ويضعها تحت قدميها، ولكن حياته البسيطة منعته، فهو كان يعمل باليومية فى فترات إجازته ليحمل العبء عن والده، صاحب الخمسين عاما. وقالت خضرة قطب: إن ابنها كان رجلا قويا، وإن من قتله جبان، لأنه لو واجهه رجلا لرجل ما كان يستطيع أن ينتصر عليه، لكنه تلقى 8 رصاصات غادرة أودت بحياته. «القصاص من القتلة والانتقام منهم هذه هديتى فى عيد الأم» جملة أنهت بها والدة الشهيد كلامها. فاطمة فتحى محمد، والدة الشهيد محمد فاروق، معاون مباحث قسم كرداسة والذى راح ضحية المذبحة المفزعة، كانت كل أمنيتها فى هذا اليوم أن ترتاح لأنها دائما تشعر بالتعب رغم مرور شهور على استشهاد ابنها، وراحتها هى القصاص من قتلة ابنها ليس الذين نفذوا العملية فقط، ولكن القصاص من كل القيادات الإرهابية التى حرضت على القتل. 27 عاما هى عمر الرائد محمد فاروق الذى توجه على الفور لقسم كرداسة لنجدة زملائه المحاصرين هناك، وتتذكر الأم هذا اليوم، واصفة ابنها بأنه رجل وأنه هب لنجدة زملائه ولم يتأخر عنهم، ولذلك فهى لا يكفيها 27 عاما للتحدث عن ابنها وعن رجولته وشهامته. ورغم مرور أول عيد أم وهى بدون ابنها، فهى تتذكر هديته العام الماضي، حيث أحضر لها شنطة وحذاء، وأنه كان دائما يسألها ما تريده قبل أن يشترى لها الهدية. والدة الشهيد محمد فاروق تحدثت بثقة وإيمان، لأنها تعرف أن ابنها بإذن الله فى منزلة افضل واحتسبته شهيدا عند الله، ولكنها ترى أن هدية ابنها لها هذا العام، هى أن يأتى لها فى المنام، وأن تراه وتتحدث معه فى منامها، ولكن مشكلتها أن عينيها لا تعرف النوم من كثرة حزنها على ابنها. «كان ابن موت» جملة قالتها أم الشهيد، مؤكدة أن كل من عرفوا محمد قالوا هذه الجملة، فهو كان بطلا بمعنى الكلمة تجده بجوارك وقت الشدة.