وإجمالا، شعب بلا أرض، وأرض يسكنها غرباء، وبلا هوية ثقافية ولا أيدلوجية، ولا مرجعية فكرية، ولا تاريخ موحد؟ كيف يتجمع لتكوين وجدان واحد؟ يفرز فنا ذا طابع متفرد، شأنه شأن الأمم الأخرى، التى حين ترى أو تسمع فنونها، يسهل تمييزه من بين عدة فنون لشعوب أخرى، وعلى الفور نعرف أنها، إما موسيقى روسية أو مجرية أو تركية أو مصرية. وهنا يتبادر سؤال، ماهى الموسيقى التى يمكن أن ينتجها مجتمع مختلف فى كل شىء؟ متدين وغير متدين، غنى وفقير، شرقى وغربى، مثقف وبدائى، حضرى وبدوى، وافد ومولود، بلا زى موحد، مختلف حتى فى طعامه وشرابه وعاداته. وحتى الآن لا نستطيع القول بكل اطمئنان أن هذه الموسيقى أو ذاك الغناء، يهودى الأصل والطابع؛ إذ أين هو التراث الموسيقى الشعبى اليهودى؟ وأين الموسيقى التقليدية اليهودية؟ وأين موسيقاهم القومية فى أعمالهم الموسيقية المتطورة التى ألفها موسيقيون يهود، أمثال: "صونس"، وغيره؟ وما هو الأثر اليهودى الموسيقى من ألحان ميلودية ومقامات وأبعاد موسيقية أو إيقاعات؛ تلك العناصر التى تتميز بها أى موسيقى قومية، والتى يبنى عليها العمل الفنى؟ تماما كما فعل بارتوك وسلطان كوداى المجريان، وشوبان البولندى، والتشيكيان دفورجاك وسميتانا، والروسيان إيفانوف وايجور استرافنسكى، ودى فايا الأسبانى، وخاتشادوريان الأرمنى، والهندى رافى شنكار, و المصريان على إسماعيل وعطية شرارة، ، وغيرهم. وعليه ومن كل ما سبق؛ فإننا يمكن من خلال دراسة التاريخ الموسيقى لليهود، أن نتبيّن بعض النقاط التالية: 1- المنظومة السلمية: لم يكن لليهود سلم أو مقام موسيقى خاص، يُنسب لهم، كما للشعوب الأخرىلكنهم اقتبسوه مع أساليب الغناء والرقص من الشعوب المجاورة، مصر والآشوريين واليونانيين، وغيرهم. 2- الضروب والموازين الموسيقية: من الواضح أن ألحانهم ومزاميرهم ليس لها ضربٌ أو ميزان واضح، لأن لغتهم، ليس لها عَروض أو تفعيلات شعرية، تُحدد ضغوطاً قويةً أو ضعيفة، يمكن الاعتماد عليها لتكوين فكرة إيقاعية مميزة؛ وحين دوّن علماء الحملة الفرنسية ألحان اليهود بمصر، لم يلحظوا أن هناك ضغوطاً فى أدائهم، تدل على إيقاع داخل اللحنلكنهم اقتبسوه مع أساليب الغناء والرقص من الشعوب المجاورة، مصر والآشوريين واليونانيين، وغيرهم. 3- الآلات الموسيقية: لا يوجد لليهود آلات موسيقية مستقلة بكم وكيف يضاهى آلات الشعوب الأخرى، رغم أنهم حاولوا أن ينسبوا لأنفسهم آلة موسيقية، تحت اسم الهارب اليهودى، ولم تكن سوى انتحال لكلمة «هارب الفك»، بتغيير حرف لغوى، منJaw's Harp ، والتى تعنى هارب الفك إلىJew's Harp والتى تعنى الهارب اليهودى ولم تكن الآلات الموسيقية التي يستخدمونها سوى آلات شعوب أخرى، وذكر علماء الحملة الفرنسية أنهم لم يسمعوا أو يروا آلة موسيقية يهودية فى معابد اليهود، ليس فقط ليهود مصر، ولكن، أيضاً، ليهود البلدان الأخرى ؛ ولم تخرج آلاتهم الموسيقية عن تلك التي جلبوها معهم من مصر ويمكن حصر الآلات الموسيقية التى يستعملها اليهود، لنرى إن كان فيها أى ابتكار أو إبداع، على النحو التالى: أ - العود: وإن كانوا ينسبونه لأنفسهم قصة غريبة، توضح مدى التلفيق والادعاء والاستهانة بعقول الآخرين؛ بأنه صنعه أحدهم، وهو "لامك بن يوبال" بشد أوتار على الهيكل العظمى لابنه المتوفى؛ وقد وردت هذه القصة مفصلة فى التوراة (تكوين 4 - 21)، مشيرةً إلى أن هذا الشخص هو أول صانع للعود فى التاريخ. ب - الأبواق: وكان أشهرها ما يسمى بوق الهاتف وهو إما مصنوع من محار ذوات الأصداف، أو من النحاس، وكان يُستخدم فى الحرب، أو أثناء تقديم القرابين. ج - الحيثة: وهى آلة وترية، تُشبه القانون إلى حدٍ كبير، وورد ذكرها فى مزمور (81، 84)، وقد جاء بها النبي داوود (عليه السلام) من بلاد الحيثيين، ومن هنا كان اسمها. د - يدوثون: آلة وترية، يُعزى نسبتها إلى مخترعها "يدوثون"، أحد رؤساء المغنين فى بلاط النبى داوود (عليه السلام). 4- القوالب الموسيقية وأساليب الممارسة: لم يكن لليهود قوالب أو صيغ موسيقية بالمعنى المفهوم، ولكن أسلوب الممارسة الموسيقية كان يحتم عليهم اتخاذ أشكال غنائية أو آلية، مرتبطة بمناسبات تاريخية بعينها، يمكن أن نشير لبعضها، على النحو التالى أ - المراثى: وكان يؤديها الغلمان، على أبواب المدينة، بالعزف على الآلات الوترية. ب - أغانى الجلوس والتنصيب: وبدأ هذا التقليد من عهد النبى سليمان (عليه السلام)، وأشهرها تلك الألحان التى تبدأ بترديد المقطع: "ليحيا الملك سليمان". ج - أغانى النصر: وأكثرها شهرة ما قُدم أثناء عودة "يفتاح الزعيم" إلى بيته، بعد أن انتصر على الفلسطينيون؛ وكذلك الأغنيات التى واكبت لقاء "شاؤول الملك"، فقد خرجت النساء للقائه بالغناء والرقص، ممسكات بدفوف ومثلثات. د - أعياد الحصاد: تماما كما تؤدى فى موسيقى الحضارات الأخرى، وكان الغناء فيه مصحوباً بالرقص. ه - مزامير داوود: نظم النبي داوود القسم الأكبر من المزامير التي هى آية البراعة، وعنوان البيان، وإن كانت تخدم السحر أكثر منه طقسا دينيا. و – أغانى العودة: وقد ظهرت إبان سبى اليهود إلى بابل (عام 597 ق.م.)، وبدءا من هذا التاريخ أصبحت أغانى العودة تتردد فى صلواتهم وأناشيدهم وقد حاول كثير من المستشرقين استنباط أساليب غنائية آو آلية، يمكن أن ينسب ابتكارها إلى اليهود، كما مر؛ بل وصل الأمر إلى أن أستاذاً كبيراً فى العلم الموسيقى، كورت زاكس (يهودى الأصل)، حينما أراد أن يخص اليهود بشىء من التمييز، فقد أشاع عنهم، نقلاً من التوراة، أنهم حطموا أسوار أريحا بالعزف على سبعة أبواق من قرون الكباش ولعلها - تلك القصة - مقتبسة من التوراة.