انفرطت عقود فرحته بأطفاله الثلاثة في ابيار الشجن وتبعثرت خيوط البهجة في دروب مهد لها القدر والفراق وتيقن أن أطفاله وصمة عار في جبينه أبد الدهر بعد أن كانوا وشما في صدره وبيده التي احتضنتهم عشر سنوات قام بتسليمهم لإحدي دور الرعاية بعد أن جرحته أشواك الغدر والخيانة. طبعها أميرة في مملكة الجميلات وكانت له مثل نجمة في لون الفرح والاستكانة وأراد الموت والميلاد داخل معبدها، فهي ابنة الجيران التي ارتجفت لها أوصاله وهام في وادي عشقها طويلا، وكانت قصته التي تحدي بها الفشل في ثكنات الغرام حتي طرق بابها ودفع كل الغالي والثمين ليتزوجها، ورضخ لكل طلبات والدها حتي كاد أن يدفع كل سنوات عمره لها هدية وأصبح بالنسبة لها مثل نقطة استكانت في حضن النهر. كادت أن تزهق روحه بكثرة طلباتها وكان يعمل طوال ساعات النهار لتلبية حاجاتها للحصول علي رضاها إلا أنها كانت دائما متمردة وتهب عليه مثل رياح عاتية تعصف بكل آماله وأحلامه معها. ولأنه كان يذوب عشقا في هواها قرر أن يشد الرحال إلي أي بلد عربي ليمطرها بالأموال كي ينال رضاها، فقد كانت الأولي في عمر تجاربه والأخيرة في الكذب والخيانة وكانت الوحيدة التي ذلت مشاعره. سافر الزوج إلي البلد العربي وكلما جمع مبلغا أرسل به لزوجته واشترت بأمواله شقة فارهة وسيارة وخلال سنوات زواجها العشر أنجبت منه ثلاثة أبناء كانوا بالنسبة له النور الذي يضيئ دروب العتمة وبعد عودته ارتاب في تصرفات زوجته وباتت لا تطيق رؤيته وتكرر غيابها عن المنزل لفترات طويلة وساعات متأخرة من الليل وزاد الطين بلة عندما شاهد همزات وهمسات الجيران وبعض العبارات التي تتردد في أثناء سيره التي تسيئ إلي سمعة زوجته وأنها سقطت في بئر الرذيلة وراح يراقبها ويتعقبها حتي انكشف المستور وتبين أنها تربعت علي عرش الرذيلة وذاع صيتها بين الساقطات ولم يهدأ له بال إلا بعد أن حرر لها محضرا بارتكاب جريمة الزنا عندما اصطحب رجال المباحث وداهموا إحدي الشقق المفروشة بحلوان وتمكنوا من ضبطها وهي تمارس الرذيلة مع آخر، وقضت المحكمة بمعاقبتها بالحبس لمدة ثلاث سنوات. تسلل الشك إلي صدر الزوج من نسب أطفاله حتي كاد لا يطيق رؤيتهم فهم من نبت فاسد وأرض بور لم تكن ثمارها مشتهاة ولابد أنهم تلوثوا بدماء أمهم القذرة وقرر أن يضع حدا لثورة الشك المشتعلة بداخله واصطحبهم إلي مصلحة الطب الشرعي لإجراء تحاليل الحامض النووي للتأكد من أنهم من صلبه وأن الدماء التي تسري في عروقهم هي نفس دمائه، وكانت الطامة الكبري التي زلزلت كيانه عندما اكتشف أن الأطفال الثلاثة لا ينتمون إليه وأن تحاليل دمائهم لا تمت بصلة إلي دمائه وراح يحملق في الأطفال الثلاثة فهو الذي تجرع مرارة الغربة وآلام الفراق ليجمع المال من أجلهم.. كيف يكتشف في لمح البصر أنهم غرباء عنه وهو الذي كان يستدفئ بأنفاسهم الطاهرة ويسير في الدروب العتمة علي هدي نورهم وكانوا يجدون فيه المأوي والملاذ والقلب الحنون. اختلطت الأفكار وثارت التساؤلات داخل صدر الزوج فهو مازال يحتفظ بحبه للأبرياء الثلاثة ولكن تستحيل الحياة معهم وخشي عليهم من وحوش الشوارع ومستقبل مظلم وهداه تكفيره إلي تسليمهم إلي جدتهم لأمهم وإخوالهم كي يتولوا رعايتهم حتي تخرج أمهم من محبسها وتقرر مصيرهم المشئوم! رفضت أسرة الزوجة الخائنة تسلم أطفالها الثلاثة بزعم أنهم أولاد حرام ويستحيل استضافتهم في البيت الطاهر المقدس الذي ترتب فيه ابنتهم العفوف المصون وأن أقدامهم سوف تدنس ذلك المحراب واقترحوا علي الزوج المخدوع أن يسافر بهم إلي محافظة نائية ويتركهم هناك ويعود بمفرده وقد ترتجف لهم بعض القلوب الرحيمة وتتولي تربيتهم! ازدادت حيرة الزوج بالأطفال الثلاثة ولم يجد أمامه سبيلا سوي تسليمهم لإحدي دور الرعاية بحلوان وتوجه إلي شريف مختار رئيس نيابة حلوان وحرر محضرا يفيد تسليمه الأطفال الثلاثة لدار الرعاية وأنه غير مسئول عنهم، قام بتسليم كل ملابسهم ومتعلقاتهم للدار ومبلغ عشرة آلاف جنيه للانفاق عليهم وتعهد بزيارتهم كلما اشتاقت نفسه لرؤيتهم وخرج من النيابة يجر اذيال خيبته من خلفه.