فشل الاجتماع الثلاثي الذي عقد بالخرطوم مؤخرا في وضع تصور توافقي لأزمة سد النهضة, وفتح الباب لتقديرات وتخمينات كثيرة.. في هذا المقال نقدم حلا عمليا للخروج من المأزق. تصر وزارة الري علي الانفراد بمباحثات سد النهضة. الأمر الذي جعل من شعبة القانون والعدالة بالمجالس القومية المتخصصة وبالاستعانة بعدد من خبراء المياه بشعبة الزراعة والري بوضع تصور فني قانوني سيتم رفعه لرئيس الجمهورية بشأن المشاركة في مفاوضات سد النهضة. وزارة الري المصرية وعلي لسان وزيرها في حديث عشية السفر إلي الخرطوم في يناير الحالي قال إنه عرض علي إثيوبيا استبدال سد النهضة بعدد من السدود الصغيرة والتي تعطيها كميات الكهرباء التي خططت للحصول عليها دون نقصان, وهو ما نعتبره حلا غير عملي لأنه ليس من المقبول أن نطلب من إثيوبيا أن تضحي بنحو مليار دولار أنفقتها حتي اليوم علي أساسات السد لتبحث عن أماكن أخري لبناء سدود صغيرة. الحل الأمثل والذي نراه صحيحا من الناحية العلمية ويتماشي مع طبيعة السد المزدوج والذي يتكون من قطعتين منفصلتين تماما, الأولي هي السد الرئيسي الذي يولد ستة آلاف ميجاوات من الكهرباء عن طريق16 توربينا فرنسي الصنع ولا تزيد سعة بحيرته علي14.5 مليار متر مكعب من المياه مهما بلغ ارتفاعه, وهذه الكمية من المياه تكفي لتوليد الكهرباء المشار إليها دون نقصان. الجزء الثاني من السد وهو السد الفرعيSaddleDam وهو مبني خرساني صخري منفصل تماما عن جسم السد ويبلغ ارتفاعه45 مترا وبطول4800 متر ويقوم بغلق ممر جانبي لمياه البحيرة إذا مازاد حجمها علي14.5 مليار متر مكعب عبر مسافة بين جبلين وبما يضيف60 مليار متر مكعب لسعة البحيرة دون أي داع ودون أن تضيف قدرات كهربية أو مياها للري لخلو المنطقة الصخرية للسد من الأراضي الزراعية ولا توفر مياه شرب لسكان الجبال في إثيوبيا لأنها تقع في أدني منسوب علي الحدود السودانية مباشرة ولا يمكن رفعها لمسافة700 كيلومتر مثلا حتي تصل إلي أديس أبابا العاصمة. وبالتالي فالحل العملي والسهل والقابل للتطبيق والذي نراه هو إقناع الإثيوبيين بالاستغناء عن هذا السد الفرعي معدوم الفائدة والعدواني في الغرض من إنشائه لأنه يعمل فقط علي قطع المياه عن مصر والسودان وجعل كل نقطة مياه تنصرف إليهما بأمر وتحكم كامل من إثيوبيا والتي ينص القانون الدولي علي عدم السماح لدول منابع الأنهار الدولية المشتركة بالتحكم في تصرفات النهر وتغيير طبيعة تدفق مياهه أو تغير مواعيد وصولها إلي بلدان المصب وهو ما يقوم به فعلا هذا التصميم غير المقبول من سد ضخم يمكن أن يكون صغيرا لتحقيق الغرض كاملا من إنشائه. أما الرد علي الإدعاءات الإثيوبية بأن مصر تستولي علي مياه النهر كاملا فيرد عليها تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والصادر في يناير2012 بالمقارنة بين الموارد المائية المصرية والإثيوبية والذي يشير إلي أن موارد إثيوبيا من مياه الأنهار المتجددة يبلغ122 مليار متر مكعب, سنة يخرج منها إلي نهر النيل عبر النيل الأزرق ونهري عطبرة والسوبات71 مليار متر مكعب وبالتالي يتبقي لإثيوبيا51 مليار متر مكعب صافية وهو ما يساوي بالتقريب الحصة المصرية ولكن يضاف إليها936 مليار متر مكعب من الأمطار سنويا تتمتع بها إثيوبيا وتقوم عليها زراعاتها النظيفة والعضوية بينما الأمطار غائبة تماما عن مصر لو كانت هذه الأمطار لدي مصر لتغير وجه الكون كاملا. أما الادعاء بأن مصر تستولي علي المياه الإثيوبية وحدها لتحقق التحضر وتحرم منه إثيوبيا فهو ليس بالصحيح حيث إن التحضر المصري ليس وليد الساعة بل هو أمر حضاري من سبعة آلاف سنة منذ أيام الفراعنة ودون وجود سدود ولا حدود, بالإضافة إلي أنه لو كان التحضر بالمياه المتاحة لكانت جمهورية الكونغو الديمقراطية بنهرها العظيم الذي يلقي1284 مليارا كل عام في المحيط الأطلنطي هي الأغني إفريقيا ولكانت كندا التي تستأثر بخمس مياه العالم هي الأقوي عالميا. أما أن مصر بلد صحراوي تهدر المياه في زراعات الأرز فهذا اعتراف بأن مصر بلد صحراوي ويعيش الشعب المصري علي5% فقط من مساحته وعلي نهر وحيد, بينما تعيش إثيوبيا علي80% من مساحتها بعشرات الأنهار والروافد والأمطار, بالإضافة إلي تساؤلنا وهل تزرع مصر الأرز في الصحراء؟ أم في أراضي الدلتا السمراء المجاورة للبحر المتوسط ومياهه المالحة التي تتسبب في تدهور أراضيها ولولا الأرز لبارت أراضي الدلتا كاملة بسبب غياب غسيل تراكمات الأملاح. الإيمان بعدالة قضيتنا في مياه النيل ورفض جميع دول العالم تمويل هذا السد هو سبيلنا للحفاظ علي شريان حياة المصريين. كلية الزراعة- جامعة القاهرة لمزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد