ظل الثأر لسنوات طويلة مشكلة في الصعيد لاعتبارات متعلقة بالفقر والجهل والتهميش والعصبية القبلية.. لكنه تحول الي ظاهرة ملفتة في الوجه البحري حتي أن معدلاته هناك أصبحت الأعلي ليصبح مرتبطا بعد25 يناير بالسياسة وفرض السطوة والانتقام. خريطة الثأر في بلادنا تغيرت كما يؤكد الخبراء فبعد أن كان الثأر محصورا في المثلث الدموي بالصعيد والذي يشمل محافظات أسيوط وسوهاج وقنا اصبح الآن ظاهرة في الشرقية والمنوفية والإسكندريةوالغربيةوالدقهلية. البعد الاخطر في ظل الفوضي والانفلات الامني ان كل شخص يريد الآن أن يأخذ حقه بيده بدلا من اللجوء الي القانون بل إن الثار في الوجه البحري وكما تقول الدكتورة سامية الساعاتي أستاذ علم الاجتماع ارتبط بالحراك السياسي ولم يعد ناتجا عن العصبيات العائلية او القبلية..كما هو الحال في الصعيد..نتيجة الأعراف والعادات والتقاليد التي لا يمكن التنازل عنها. الدكتورة سامية الساعاتي تري ان العادات في الدلتا تغيرت منذ عام2000 حيث اتسعت دائرة جرائم الانتقام والأخذ بالثأر واهتمت العائلات في الريف بتكوين أجنحة عسكرية مسجلة ومدربة لمواجهة العائلات الاخري ولإضفاء مزيد من الهيبة علي العائلة وبالتالي تأصلت عادة الثأر في الريف ليزداد معدل نزيف الدماء بنسبة150% عما كان عليه الوضع قبل عام2000 الارقام الرسمية تقول انه في عام2000 حتي2009 وقعت20 الف جريمة ثأر في الوجه البحري والقبلي تقريبا بواقع300 جريمة عام2001 منها260 جريمة في الوجه القبلي و40جريمة في الوجه البحري, و400 جريمة عام2002 بواقع330 جريمة في الوجه البحري وفي عام2004 وقعت700 جريمة بواقع300 في الوجه القبلي و400 في الوجه البحري وفي عام2008 وقعت خمسة ألاف جريمة ثأر ومشاجرات بين العائلات بواقع ثلاثة ألاف في الوجه القبلي وخمسة آلاف في الوجه البحري وفي النصف الأول من عام2009 وقعت خمسة آلاف جريمة بواقع ألف في الوجه القبلي وأربعة في الوجه البحري. وتشير التقارير الأمنية إلي أن هناك عائلات في الشرقية وكفر الشيخ والغربية ودمياط يملكون سلاح الار بي جي وهو سلاح مخصص لصيد الدبابات وأسهم سعره الرخيص في انتشاره حيث وصل سعره إلي خمسة الاف جنيه فقط وبعد هذا الانتشار المبالغ فيه للسلاح أصبح من المستحيل القضاء علي هذه الظاهرة أو جمع السلاح من يد الشعب إلا بتغليظ عقوبة حيازة السلاح بدون ترخيص لتكون رادعة. حوادث بحري التقارير حذرت من اتساع دائرة جرائم الثأر في الدلتا بعد وقوع سلسلة من الحوادث المروعة خلال الآونة الأخيرة ففي السنبلاوين بمحافظة الدقهلية حصد الثأر أرواح ثلاثة أشخاص علي يد أبناء عمهم بعد خروجهم من النيابة في قضية قتل كانوا متهمين فيها وكان القصاص في نفس اليوم الذي خرجوا فيه من سرايا النيابة. وفي الغربية وقع حادث آخر حيث قتل شقيقان أحمد علي حسن شلبي18 سنة فلاح ومقيم في سيجر أول طنطا انتقاما لمقتل شقيقهما وقام الجانيان بالتخلص من المجني عليه بإطلاق الأعيرة النارية ثم أحضرا فأسا وقطعا رأس المجني عليه نار الانتقام تجعل المنتقم لا يفكر في مدي خطورة الأمر الذي يقدم عليه هذا ما حدث عندما قام نجار بإطلاق الرصاص علي أحد المتهمين بقتل شقيقه أثناء نزوله من سيارة الترحيلات أمام محكمة جنايات الإسكندرية ليلقي مصرعه علي الفور. فرض السيطرة ويؤكد اللواء أحمد عبد الباسط مساعد وزير الداخلية الأسبق ان الثأر في الصعيد له عاداته وطقوسه الخاصة أما في الوجه البحري فهو مرتبط بالتركيبة الإجرامية والأسرية المرتبطة بالمادة والسيطرة والغلبة مثل الأشخاص الذين يسيطرون علي الأسواق المتنقلة أو علي الكارتة في مواقف السيارات وهم عناصر إجرامية خطرة بطبيعتها مما يؤدي إلي انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير في الوجه البحري بالإضافة إلي أنه عندما يكون الغطاء الأمني والردع العام منسحبا تقوي وقدرة الخارجين عن القانون علي الافلات من العقاب. من جهة اخري أسهم توافر السلاح في الدلتا في ارتفاع معدلات الثأر ومع ان الصعيد يتعامل مع السلاح وفق قواعد وقوانين متوارثة لكن الوجه البحري يتعامل معه بشكل ارتجالي وغشيم خاصة مع انتشار السلاح في ايدي البلطجية والخارجين عن القانون كما أن المواطن الصعيدي لا يوجه السلاح نحو الشرطة أما في بحري فالثأر لا تحكمه أي تقاليد. وقال اللواء عبد الباسط أن الحد من ظاهرة الثأر في الصعيد ممكن عن طريق الارتقاء بعقلية وثقافة المواطنين أما في بحري فلابد من شن حملات أمنية مكثفة لجمع السلاح غير المرخص من العناصر الإجرامية الخطرة علي المجتمع. القصاص والشريعة ويري محمد زارع المحامي ورئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي ان الثأر انتشر نتيجة الانفلات الأمني الذي تعيشه مصر منذ25 يناير كما ان الناس تمارس الثار باعتباره مرادفا للقصاص وانه جزء من الشريعة وهذا منظور خاطئ جدا لابد من محاربته لان انتشار هذا الفكر يهدد دولة القانون وفي كل الاحوال لابد من رادع قانوني قوي وتوقيع العقاب السريع والعادل في جرائم القتل حتي يشعر أهل المجني عليه أن الجاني أخذ العقاب المناسب ولايضطرون لأخذ الثار بأنفسهم هذا بالإضافة إلي الحد من انتشار السلاح وفرض السيطرة الأمنية علي الأشخاص الخارجين عن القانون وعمل حملات مكثفة علي البؤر الإجرامية المعروفة لدي الجهات الأمنية.