يعد الثأر من الموروثات الاساسية بالمجتمعات القبلية المغلقة, والذي يستمد قوته من منظور ديني, وهو القصاص العادل, ويدعم ذلك الاعراف والتقاليد التي تستبعد اي تدخل لاجهزة الامن. وعلي الرغم من ان الشريعة الإسلامية الغراء التي فرضت القصاص كانت قد حصرته في شخص الجاني الا ان التقاليد المتوارثة بصعيد مصر ابتعدت عن ذلك كثيرا ليصبح الثأر موجها نحو شخص المجني, عليه او اي شخص من عائلته او العائلة باكملها, الامر الذي اتخذ شكلا إجراميا متهورا وهو ما كان جليا في احداث بيت علام عام2002.. وعلي الرغم من ان محافظات الصعيد قد سادها هدوء نسبيا بعد تلك الاحداث, فكثرت المصالحات بين العائلات التي وجدت في قبول الدية وسيلة متحضرة يقبلها العقل والمنطق كقصاص عادل, ولكن وبعد مرور سنوات عديدة سادها التسامح والتصالح فوجئنا بان الكبرياء والغرور مازلا يسيطران علي بعض العقول التي لاتري للثأر بديلا, وهو ما اسفر عن المجزرة البشعة التي شهدتها قرية الحجيرات بقنا, مما يؤكد فشل الخطاب الإعلامي والديني في معالجة هذا المرض الخطير. يقول الكاتب ورجل القانون محمد صفاء عامر أبرز من كتب عن واقع الصعيدي بحكم انتمائه له: في فترة ما انخفض المؤشر البياني لعادة الثأر في الصعيد الآن هذا لم يعن انتهاء هذا السلوك, والدليل عودته مرة أخري للصعود, والمتأمل للأمر يجد أن ما وقع من أحداث مؤسفة في الوجه القبلي أخيرا هو فرع من أصل عام, فهناك تغيير نوعي في طباع الإنسان المصري عامة, فأصبح يميل إلي العنف وجميعنا لاحظ ذلك العام الماضي, والذي صدر فيه186 حكم إعدام, وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل في تاريخ مصر, الحقيقة أننا دوما ما نعالج مشاكلنا بمسكنات, ونبقي الجروح مفتوحة, ومشكلة المجتمع الصعيدي شعورهم بأنهم في مؤخرة اهتمام الدولة, ومواطنون من الدرجة الثانية, وأذكر هنا أنه عقب حادث التفجير السياحي الذي وقع في سيناء منذ سنوات, واكتشف أن مرتكبه من الصعيد كان من آثاره وضع قيود علي الصعايدة تصل إلي المنع أحيانا من دخول سيناء بزعم أن العنف يأتي منهم. كما أن استخدام النساء والكبار واحتجازهم كوسيلة للضغط أثناء إجراء التحقيقات في بعض القضايا جعل هناك نوعا من العداء بين الناس والآمن والحكومة. أيضا الاتجار بالسلاح, والذي يقوم به بعض المسئولين المحليين, وهذا ما أشرت اليه في مسلسل مسألة مبدأ فهذا الآمر من أحد العوامل التي ساعدت علي انتشار أسلحة في الصعيد من أحدث ما يمكن بين الناس. لذلك فالقضية تحتاج إلي علاج اجتماعي نفسي اقتصادي, والتوجه إلي أرض الواقع في مختلف محافظات الوجه القبلي, وليس علاجا أمنيا. فمجالس الصلح التي يحضرها أعضاء مجلس الشعب, مجرد مظاهر شكلية في ظل ما نراه من خلل في التعليم, والخطاب الإعلامي, ووعي رجال الدين, بل إن التدين أصبح ظاهريا أقرب إلي الفكر السلفي, فاتباع طريقة النصح والإرشاد لا يجدي, بل لابد من البحث في جذور المشكلة. فيما يؤكد اللواء عبد الرحيم القناوي مساعد اول وزير الداخلية للامن( سابقا) ان الفقر والبطالة سببان رئيسيان لاستمرار العمليات الثأرية وان الثقافة والمال ومستوي المعيشة المرتفعة تساعد علي انحسار الثأر, لان الشخص المتعلم يحاول ان يتحكم في نفسه هو واولاده من اجل الحفاظ عليهم ويبتعد عن مشاركة اقاربه في التفكير والتخطيط. واشار الي ان سبب انتشار الاسلحة في الصعيد بالذات هو ان السلاح يقوي من شخصية حامله. واكد خطورة الاوضاع الاقتصادية المتردية, فالغلاء وصعوبة المعيشة تنشط التفكير بالانتقام فيجب وضع ذلك بالاعتبار وتوفير فرص العمل حتي ينشغل اولئك المواطنون بالتفكير في مستقبل افضل بعيدا عن فكرة الثأر المتوارثة. ويقول المستشار خالد الشباسي رئيس المحكمة: أذكر خلال فترات عملي في الصعيد أنني باشرت التحقيق في قضية ثأر كان بطلها شاب24 عاما قتل عمه, وهو طفل عمره8 سنوات, وتمت معاقبة مرتكبي الجريمة بالسجن لمدة15 سنة, ومرت الأيام, وقضي المتهمون العقوبة, وكبر الطفل وأصبح شابا, وظل يترقبهما عقب خروجهما من السجن, وأثناء أدائهما صلاة المغرب بالجامع دخل عليهما, وقتلهما, وأقر بالذنب, وأصاب4 آخرين, فالثأر عادة متأصلة خصوصا في صعيد مصر, ومرتبطة بالكرامة والشرف لديهم, ومن المؤسف أن هذا الفكر نجده منتشرا, هناك حتي بين من يتمتعون بأعلي مستويات التعليم مما يدل علي عدم ارتباط فكرة الثأر بالتعليم, بل إن الآمر الذي ينذر بخطورة كبيرة الآن, ولا أحد يلتفت إليه أن عدوي الثأر بدأت تخرج من الصعيد إلي مختلف المناطق الآخري في مصر, بل وبين الصغار. ويؤكد المستشار الدكتور أحمد عاصم عجيله أن بطء, وطول إجراءات التقاضي في بعض الأحيان يعزز من الاندفاع نحو الثأر. أيضا لا نستطيع أن نغفل أن للمرأة دورا لايستهان به في تأصيل هذه العادة, حيث تشكل أداة ضغط فعالة, ويصل بها الأمر أحيانا إلي أن تنعزل عن ابنائها, وزوجها لحين الآخذ بالثأر. بينما يقول المحامي عاطف سلطان عضو لجنة مصالحات بسوهاج: هناك قصور شديد في الخطاب الإعلامي والديني تجاه تناول قضية الثأر بالصعيد, وما شهدناه أخيرا من جرائم عنف هو تعبير عن انهيار كبير في المنظمومة الأخلافية, وهذا نتيجة الفراغ الذي يعاني منه الكثير من المواطنين بالصعيد, وقلة العمل, فلا يوجد لديهم ما يخافون عليه, وبالتالي يصبحون أكثر عرضة للاستجابة لارتكاب الجرائم, فأكثر من30% من قري الصعيد لا تلقي عناية من جانب الدولة لذلك, فنحن نحتاج إلي مشروعات اقتصادية. ويضيف الدكتور حسن سعد سند استاذ القانون الجنائي والدولي ان شريعة الله جاءت لتقر مبدأ المساواة في الانفس فتنفيذ العقوبة علي القاتل وبأسرع وقت ممكن يساعد علي عدم النظر الي العملية الانتقامية من القاتل وخاصة لوتم تنفيذ حكم الاعدام فيه, ولكن اذا حصل علي البراءة لاي سبب من الاسباب فان ذلك لايرضي اسرة القتيل والتي تسعي فورا للانتقام والثأر ولذلك فان عادات الثأر في الصعيد لايمكن ان تنتهي بسهولة الا اذا تم القصاص من القاتل. ويختلف معه فتحي صديق عضو لجنة المصالحات العرفية بمحافظات الوجه القبلي مؤكدا ان القصاص العادل يحتم القصاص من الجاني الاصلي وحده دون امتداد ذلك لابنائه او اي فرد من عائله, الا ان ما يحدث عكس ذلك, فالواقع يؤكد ان الثأر يمتد لاي شخص من عائلة الجاني, وحتي لو تم الحكم علي الجاني الاصلي بالسجن او بالاعدام فان ذلك لايمنع عائلة المجني عليه من توجيه ضربتها الانتقامية لافراد اسرته. ويوضح الدكتور محمد طارق زكي استشاري الطب النفسي ان عملية الثأر تحكمها العصبية وبعض العادات والتقاليد التي يصعب تغييرها في المجتمع بالصعيد,, ولذلك فان معدل جرائم الثأر بلغ نحو32% من اجمالي حوادث القتل سنويا في جميع المحافظات الي جانب انشغال الشرطة بالامن السياسي بنسبة تصل الي70% مقابل30% للامن الجنائي, وايضا تلعب الظروف الاقتصادية الصعبة دورا في ارتكاب حوادث القتل بمعدل60 الي70% من مسبباتها لعدم وجود فرص العمل وإنشاء المشروعات التي تقتل وقت الفراغ لدي الافراد وتوجد نوعا من تبادل المصالح ونبذ الخلافات حيث ان الدراسات اثبتت أن85% من القتلة يعانون الفقر والبطالة.