البيوت وترمل النساء وتيتم الأطفال، بينما تقع محاولات الصلح بين العائلات دائما في فخ الفشل .سنوات تمر ولا ينسي الصعيدي ثأره ليفاجأ الجميع في كل مرة بأن الثأر هدف يعيش من أجله ويموت أيضا نتيجته! أما مواجهة الثأر فهي تتطلب تكاتف لمختلف الهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتنظيم حملة كبيرة تبدأ ولا تنتهي من أجل الحد من تلك الظاهرة التي تشكل الخطر الأكبر الذي يهدد الصعيد المصري الممتد من الجيزة وحتي أسوان. شهدت الفترة الماضية عدة جرائم ثأر تركزت جميعها في محافظات الصعيد خاصة محافظتي المنيا وقنا اللتين شهدتا اكثر تلك الجرائم بشاعة بجريمتي ابو قرقاص التي راح ضحيتها 3 اشخاص واصيب 3 آخرون في نزاع بين عائلتي عبد القادر رشوان وعائلة الجارحي علي قطعة ارض استصلاح زراعي مساحتها 240 فدانا وكان من بين الضحايا طفلن في السادسة والثامنة وهي القضية التي مازالت قيد تحقيقات النيابة بعدما امر المستشار عبد المجيد محمود النائب العام برفع الحصانة عن المستشار محمد مسعود الجارحي لسؤاله امام النيابة في الاتهام الموجه اليه بقتل خصمه احمد عبد الرءوف. اما الجريمة الثانية والابشع فكانت في سرادق عزاء بقرية الحجيرات بقنا بعدما تحول الي مقبرة جماعية اخذا بالثأر لمقتل طفل منذ عشر سنوات رغم ان الجاني تم سجنه لمدة 25 عاما الا ان اسرته ابت ان تنسي ثأرها فقام ثلاثة من عائلة العمارنة بفتح نيران اسلحتهم الآلية علي جموع المعزين داخل السرادق بشكل عشوائي علي افراد عائلة عبد المطلب لتسفر عن مجزرة راح ضحيتها 7 قتلي واصيب 7 آخرون في حادث مروع حول القرية الصغيرة الي قرية منكوبة غلفها الحزن واحاطتها الحشود الامنية منعا لتجدد النزاع بين العائلات التي من المنتظر ان تثأر لذويها وستظل الحال علي ما هي عليه. حوادث اخري عديدة وجميعها حلقات في مسلسل ممتد لا ينتهي، اسمه "جرائم الثأ"ر التي باتت عادة متأصلة في جنوب مصر بشكل اكبر من شمالها كما يقول د. محمد هلال استاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة عين شمس والذي اكد ان مشكلة الثأر في مصر لها جذور تاريخية شأنها شأن كثير من قبائل الجزيرة العربية قبل الاسلام وقد قضي الاسلام علي هذه العادة الجاهلية في كثير من المجتمعات الا انها في مصر هدأت قليلا ثم عادت لتستمر حتي وقتنا الحالي وان كان التوقف هدنة مؤقتة في اوقات الازمات والحروب التي خاضتها مصر. وفي رأي د. ألفت الحريري استاذ علم الاجتماع ان عادة الاخذ بالثأر من اسوأ العادات التي يمكن ان توجد في مجتمع ما لانها صورة فوضوية من صور معاقبة المجرمين وتعتبر نموذجا واضحا لشريعة الغاب وهي عادة ظالمة لانها كثيرا ما توقع العقاب بشخص آخر غير المعتدي ويكفي ان يكون من افراد اسرته وعندئذ توقع عقوبة ظالمة علي شخص بريء ودون اي تحقيق في الواقعة. وتضيف ان هذه النوعية من البشر تعتبر الثأر من مقومات حياتهم ويعتبرون التسامح عارا لذلك فالثأر يقع مهما طال الزمن كما يتوارثه الابناء وتختفي قيم كثيرة من هذه المجتمعات مثل التسامح والمحبة والصداقة فلا يوجد اعتبار لاي من هذه القيم في تلك المجتمعات الهمجية ولا فارق في ذلك بين الجهلاء منهم والمتعلمين حتي من يصلون في تعليمهم الي ارقي المناصب العلمية لانه تربي علي هذه الموروثات التي تشكلت بداخله وصنعت منه انسانا ينظر للثأر علي انه جزء اساسي من كيانه اي مطلوب منه ان يثأر لاحد القتلي من افراد عائلته وتلك المشكلة لم تجد لها حلا في يوم من الايام ربما لان الشريعة الاسلامية يكون فيها الحل الوافي الا انها لن تؤتي ثمارها بهذه السهولة فمن الصعب تغيير نمط حياة بين ليلة وضحاها. وعن ذلك يقول د. نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية السابق ان ما يحدث في مجتمعنا ومجتمعات اسلامية اخري من عادة جاهلية تمثل عودة مرة اخري الي نظام القصاص في الجاهلية عندما كانت المسئولية تقع علي عاتق القبيلة باكملها فتعتبر القبيلة مسئولة عن الجناية التي يقترفها فرد من افرادها الا اذا خلعته واعلنت ذلك ولهذا كان ولي الدم يطالب بالقصاص من الجاني او غيره من قبيلته وقد تزداد هذه المطالبة الي حد اشعال نار الحرب بين القبيلتين وقد تزداد هذه المطالبة بالدم والتوسع في الاخذ بالثأر اذا كان القتيل شريفا او سيدا في قومه علي ان بعض القبائل كثيرا ما كانت تهمل هذه المطالبة وتبسيط حمايتها علي القاتل ولا تعير اولياء القتيل اهتماما فكانت تنشز الحروب التي تودي بانفس كثيرة. ويضيف انه للاسف الشديد عادت مرة اخري في كثير من الدول الاسلامية ومن بينها مصر اذا يقضي الرجال حياتهم واموالهم في سبيل الانتقام والثأر وان كنا نبحث عن حل لتلك المشكلة فان اصحاب المشكلة هم مرضي يحتاجون لعلاج لا الي مسكنات فلن تفيد تغليظ العقوبات في القوانين ما دامت هناك اجراءات وروتين يبطأن من تنفيذ العدالة فالامر يحتاج الي وقفة فمطلوب حملة توعية من رجال الازهر لاعلام هؤلاء المرضي ان ما يفعلونه ليس من الاسلام في شيء وان اعتقادهم بان ذلك هو القصاص المنصوص عليه في الشرع هو اعتقاد خاطئ وهذا دور الازهر الشريف ان يزهق روحا ويقول هذا قصاص فتكون العقوبة كما نص عليها الشرع وليس السجن فنقطع بذلك الشك باليقين . ويختتم بان الاسلام بناء متكامل له اساس واعمدة وجدران يحتمي بها كل مسلم وحدود لهذا البناء لا يتجاوزها المسلم والمسلم الحق من اقام علي نفسه وعكف علي صيانة هذا البناء من الانهيار اما ان يأخذ منه ما يعجبه ويترك مالا يعجبه فهذا لا يجوز فهل يمكن ان تعتبر من صام العام كله عدا شهر رمضان انه ادي فريضة الصيام.