قالت دراسة علمية حديثة إن جرائم الثأر في الصعيد تتجه لأن تكون جرائم إبادة جماعية. .واتهمت الدراسة -التي أعدها السيد عوض مدرس الاجتماع بجامعة جنوبالوادي واتخذت من جريمة بيت علام التي راح ضحيتها 22 فرداً نموذجاً - السلطات الأمنية بالتقصير لعدم تدخلها لمنع الجريمة قبل وقوعها بل تساهلها مع جرائم عديدة ارتكبها الجناة قبل عملية القتل التي أطلق عليها الباحث تعبيراً دقيقاً هو-الإبادة الجماعية- خاصة أن عائلة الجناة ( عائلة عبد الحليم ) ارتكبت العديد من الجرائم منها خطف رهائن وطلب فدية وسرقة منازل وتخريب حقول بل سرقوا في إحدي المرات شقة طبيب الوحدة الصحية فألقت الشرطة القبض علي العشرات من شباب القرية وليس بينهم شاب واحد من الجناة علي الرغم من أنهم معروفون بالاسم، وقد كان الجناة غالبية الجناة أميين يعملون بالزراعة ودخولهم الشهرية منخفضة، وتاريخ حياة عائلاتهم سجل حافل بالعديد من الجرائم التي لا يعاقبون عليها إلا نادراً. وكشفت الدراسة أن قرية بيت علام لم تكن تحظي بأي شكل من أشكال الرعاية الأمنية قبل الحادث إلا أنها بعد الحادث حظيت بوجود أمني مكثف، وعلي الرغم من هذا الوجود فإن هروب أحد الجناة من حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة جعله يتخذ من الجبال مأوي له، كما يقوم بين الحين والآخر بعدة عمليات سطو داخل القرية. وأوضح الباحث أنه تبين له من قراءة إحصاءات الأمن العام أن دافع الأخذ بالثأر في جرائم القتل العمد في أنحاء مصر قد انخفض من 14.5% من تلك الجرائم في عام 1961 إلي 10.5% في عام 1999، إلا أن اتجاه هذا الدافع عكس ذلك تماما في محافظة سوهاج، حيث ارتفع من 17.5% من جرائم القتل العمد في تلك المحافظة عام 1961إلي 23.1% في عام 1999، ما يؤكد أنه في الوقت الذي انخفضت فيه الظاهرة في أنحاء مصر نجدها آخذة في الارتفاع في محافظات الصعيد بسبب القلق الدائم علي المكانة والكرامة. ومن المعروف أن الأخذ بالثأر له أعراف وتقاليد منها عدم قتل الأطفال والشيوخ والضيوف من العائلات الأخري، إلا أن جريمة بيت علام البشعة لم ترع أي قواعد وتعدت كل الأعراف ولم تكن فقط جريمة ثأر بل كانت جريمة منظمة تم التخطيط لها بدقة. وأوضح الباحث أن الجناة كانوا يتسمون بالغرور والكبرياء وأن أي إهانة شخصية وإن كانت بسيطة، تبدو وكأنها تحقير مباشر يتطلب رداً عنيفاً، فأعضاء العائلة الواحدة حينما يندمجون في عصابة ينخرطون في العديد من الأعمال الإجرامية، البعض يتاجر في المخدرات والبعض الآخر يسرق، والبعض يتعامل مع الآخرين بقسوة ووحشية، والبعض يسلب ويغتصب، كما يقوم أعضاء العصابة بشراء الأسلحة والمخدرات من المناطق الأخري لتوزيعها، وتتسم ثقافة مثل هذه العصابات بثلاث خصائص هي الرغبة في الوصول إلي الشهرة، وتستطيع مثل هذه العصابات استخدام الأساليب الفنية الدقيقة والذكية مع هيئات تنفيذ القانون، إلا أن العصابة التي تكون اليوم بمثابة شاهدة ستكون غداً متهمة، وسوف تصبح في المستقبل القريب ضحية. وتؤكد الدراسة أن هذه الجريمة خلفت وراءها 80 طفلا يتيما سيعانون من فقدان سلطة الإشراف عليهم وتوجيههم وافتقاد المثل الأعلي الذي يمثل قدوة لهم، ومن المؤكد أن التنشئة الاجتماعية لهؤلاء الأطفال ستختلف اختلافا جذريا عن التنشئة الاجتماعية الطبيعية لغيرهم من الأطفال، فكل أم من أمهاتهم ستجعل هدفها الرئيسي هو إعداد أطفالها وتربيتهم وحقنهم بكل الحقد والكراهية للانتقام..في حين أدت هذه الجريمة إلي ترمل 13 زوجة لا يسمح لهن المجتمع بالعمل مما يجعلهن أكثر اعتمادا علي المساعدة من الأقارب أو من جهات أخري. ولقد خلفت هذه الجريمة آثاراً اقتصادية واجتماعية ونفسية مدمرة علي كل من عائلة الجناة وعائلات الضحايا بالإضافة إلي المجتمع المحلي- وفق الدراسة- ومع هذا أدت إلي إدراك المجتمع بجميع فئاته ومؤسساته مدي ما يجلبه الثأر من مآس وويلات مما أدي إلي تضافر المجتمع بجميع مؤسساته في سبيل مواجهة مثل هذه الجرائم. وخلص الباحث من دراسته لجريمة بيت علام إلي أن هناك تغيراً نمطيا في شكل جرائم الثأر وأساليبها، فبعد أن كانت لجرائم الثأر تقاليد وأعراف متوارثة انهارت هذه التقاليد والأعراف وحلت بدلا منها أساليب مستحدثة غير ملائمة كأسلوب الإبادة الجماعية دون تمييز؛ الأمر الذي أدي إلي تعدد وتشعب أولياء الدم، وقتل الأطفال والشيوخ، والإعداد والتخطيط للجريمة واشتراك عدد كبير في تنفيذها بعيدا عن منزل المخطط والممول الرئيسي للجريمة، حيث إن من الأعراف المتوارثة عند أهالي الصعيد في الأخذ بالثأر هو عدم القتل للثأر بالقرب من منازل أولياء الدم، هذا بالإضافة إلي استخدام الأسلحة الحديثة والهواتف المحمولة، والتخطيط للجريمة بشكل لا يؤدي إلي قتل أي رجل متزوج من نساء العائلة الجانية، لذا فإن الباحث يؤكد أن ما حدث هو جريمة منظمة. وقد طالبت الدراسة بسد الثغرات الموجودة في الإجراءات الشرطية والأحكام القضائية مع تكاتف جميع مؤسسات المجتمع في توضيح أن الثأر لم يشرعه الله، والفارق بين القصاص والانتقام وإقناعهم بالتعاون مع الشرطة من خلال اتهام القاتل، و توضيح أن هناك تكافؤا بين الناس جميعاً في الدماء فالإسلام لم يجعل لدم أحد فضلاً عن دم آخر..،وتشجيع أبناء صعيد مصر علي الانخراط في العمل وإقرار عقوبة القصاص في القتل العمد علي أن تكون عقوبة وحيدة لا محيص عنها مادامت الجريمة قد وقعت وثبتت مسئولية الجاني عنها.