انتفاضة قانونية وتشريعية تشهدها حاليا بعض الدول العربية ومن بينها سوريا والاردن ومصر ونتوقع أن تمتد لتشمل دولا عربية أخري، في مواجهة ظاهرة اجتماعية وثقافية وقانونية خطيرة هي "جرائم الشرف"، فلم يعد السكوت ممكنا علي هذه النوعية من جرائم القتل التي ترد المجتمع العربي إلي عصور الجاهلية الأولي حيث وأد البنات، وحيث الانتقام الغرائزي من النساء، ورغم وجود الرجل كطرف أساسي في كل جريمة أخلاقية إلا أن المرأة هي الضحية الاولي بسبب أفكار عفي عليها الزمن لكنها لاتزال تعشش في العقل العربي، وبسبب الاستبداد الشرقي الذي تجسده مثل هذه الجرائم التي تزهق فيها الارواح رغم أن حد الزنا هو الحد الذي لم يطبق في عهد الرسول «صلي الله عليه وسلم» سوي مرة واحدة وبناء علي طلب مرتكب الزنا. يروي عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر -أسيوط- د.عبدالرحمن أبوعميرة: أن الرسول الكريم حين توجه إليه أحد الأشخاص يخبره بأنه شاهد امرأة تزني فسأله: وهل شاهدها أربعة شهود: فقال له :لا، فرفض الرسول الكريم تطبيق الحد عليها. يضيف د.أبوعميرة إن القرآن وضع شروطا قاسية جدا لتوقيع هذه العقوبة مثل توفر أربعة شهود تمكنوا من رؤية الواقعة بوضوح.. وأن غالبية هذه الجرائم تعتمد علي الشك وليس اليقين.. ومن هنا يكون القتل للشبهة ذاتها، قتلا للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق وذكر المرجع الشيعي، السيد محمد حسين فضل الله في إحدي كلماته حول جرائم الشرف. "إن معظم جرائم الشرف ترتكب لأسباب لا علاقة لها بالشرف أو أي شيء مشرف علي الإطلاق." هذه الثقافة الايمانية لامكان لها في مجتمع قبلي كالمجتمع العربي، فباسم الشرف وغسل العار تُرتكب 29% من جرائم القتل في مصر، وتقتل 50 أردنية سنويا ونحو 30فلسطينية ومئات السوريات والعراقيات، وفي اليمن أطلق رجل النار داخل احد المساجد فقتل عشرة اشخاص بينما كان الهدف المقصود هو رجل واحد ارتبط بعلاقة خارج الزواج مع شقيقته. وفقاً لقاعدة البيانات المتوفرة لدائرة الأمن الجنائي التابعة لوزارة الداخلية، 67 جريمة في سوريا خلال عامي 2007 و 2008 مشكلة بذلك 8% من مجموع الجرائم المرتكبة في هذين العامين. إلا أن ناشطين في حقوق الانسان يشككون في دقة هذه الاحصائيات مؤكدين أن عدد هذه الجرائم يتجاوز المئتين سنوياً. لماذا نناقش الظاهرة؟ والمسألة هنا لاتتعلق بكم الضحايا وإنما في المفاهيم والقيم التي تزعم أنها مستمدة من الاسلام بينما هي أبعد ماتكون عنه، تقول د.منجية السوائحي أستاذة الدراسات القرآنية في جامعة الزيتونة: إن إثارة القضية ليست من باب الترف الفكري وإنما بغرض إعادة النظر في مخزوننا الثقافي الإسلامي و محاولة المحافظة علي مسايرة تفسير النص المقدس لتطورات الزمن، وليس من تطور الزمن أن ندعو اليوم إلي تنفيذ عقوبة الرجم، ونحن نري ونسمع ونقرأ أن العديد من النساء تعاني منها. والبحث في جرائم الشرف و ما ينتج عنها ليس من باب الاستفزاز أيضا، لأنه مبني علي أدلة منطقية، تهدف إلي توعية المتلقي و تنوير عقله، والرجوع به الي أصول الأحكام الإسلامية، والغايات السامية من سنّها، وإدراك حقيقتها، والوصول بالإنسان فكريا إلي الفصل بين المُتَصوّر في الخيال الشعبي حول المرأة وبين ما جاء في النصوص المقدسة ونصل به إلي امتلاك القدرة علي النقد والفصل، وإرجاع الأمور لنصابها شيئا فشيئا. فتاوي تحرض علي القتل وتؤكد لنا الدراسات الميدانية عن هذه الظاهرة السلبية البشعة في حياة شعوب المنطقة وجود عدة عوامل تشجع علي ممارستها، وأبرزها: طبيعة المجتمع الذكوري السائد الذي لا يري في المرأة سوي جانب الجنس، وينظر إليها علي أنها سلعة تباع وتشتري وناقصة العقل ويسكنها الشيطان دوماً، إضافة إلي ممارسة التمييز الصارخ ضد المرأة في مختلف المجالات وعلي مختلف المستويات. تفاقم دور ونشاط وممارسات قوي الإسلام السياسي السلفية والمتخلفة ونشر قيمها في دول لا يزال المجتمع المدني وقيمه الحضارية الجديدة - الحرية الفردية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومساواة المرأة بالرجل - فيها بعيدة المنال. التخلف الاجتماعي وتأخر الوعي والعقلانية في سلوك الفرد والمجتمع بشكل عام وتجلياته في ظاهرة جرائم الشرف وغياب عملية التنوير الديني والاجتماعي، إضافة إلي حصول ردة حضارية في العديد من المجتمعات في الدول العربية والمنطقة وعودة العشائرية وفرض معاييرها وقيمها علي الفرد والمجتمع والتحكم بسلوكه. غالبية المؤسسات الدينية وشيوخ الدين الذين يروجون لهذه الظاهرة بذريعة حماية المجتمع من التفسخ الخلقي فينصبون من أنفسهم حماة وقضاة في آن دون وجه حق، ووجود قوانين مدنية وفتاو دينية لمعظم شيوخ الدين التي تساند ذلك وتحث علي ارتكاب جرائم الشرف بذريعة غسل العار وحماية الأخلاق. الظاهرة خطيرة بالفعل وهي تتسع يوما علي صدر يوم بدون رادع قوي حتي تغيير التشريعات وتغليظ العقوبات لم يوقف الظاهرة بل ازدادت شراسة سواء من جهة عدد القتلي من النساء أو لأسلوب القتل الذي يتصاعد في بشاعته، أوضحت دراسة اعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة أن 52% من هذه الجرائم ارتكبت بواسطة السكين أو المطواة أو الساطور وأن 11% منها تمت عن طريق الالقاء من المرتفعات.. وحوالي 9% بالخنق سواء باليد أو الحبال أو الايشارب.. و8% بالسم و5% نتيجة اطلاق الرصاص و5% نتيجة التعذيب حتي الموت. وأوضحت الدراسة أن 70% من هذه الجرائم ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم بينما ارتكب الآباء 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم أما نسبة ال 3% الباقية من جرائم الشرف فقد ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم. شائعات قاتلة وربما كان مفيدا أن نتوقف هنا عند بعض الحقائق التي تكشف بدائية جرائم الشرف وتناقضها مع العلم والدين والقانون والحضارة، ومايهمنا هنا هو التركيز علي البعد الثقافي والحضاري للظاهرة وليس بعدها القانوني إلا فيما له ارتباط علي النحو التالي: اولا: "إن العديد من التهم التي تلصق بالمرأة في جرائم الشرف يتبين بعد التحقيق القانوني والطبي أنها ادعاءات كاذبة، وتشير الاحصاءات التابعة للامم المتحدة المتعلقة بشئون المرأة في منطقة الشرق الاوسط ان نسبة عالية من النساء اللواتي يلقين نحبهن يكونن عفيفات جسدياً ولم يقمن بما يجلب العار "واكدت الدراسات الاجتماعية أن 70% من جرائم الشرف تمت بناء علي وشاية وهمسات الجيران والأصدقاء، أو شائعات حول سلوك المجني عليها تمس شرف امرأة ما، ولم تقع الجريمة في حالة تلبس وانما اعتمد مرتكبها سواء كان الزوج أو الأب أو الأخ علي الشائعات، وأضافت الدراسة أن تحريات المباحث في 60% من هذه الجرائم أكدت سوء ظن الجاني بالضحية وأنها كانت فوق مستوي الشبهات..معني ذلك ان الجاني قتل إنسانة بريئة وبغير حق وهو هنا كمن قتل الناس جميعا، ولو اتبع القاتل المبدأ الاسلامي القائل بضرورة التأكد من النبأ الذي يحمله فاسق حتي لايصيب الناس بالأذي ماوقعت الجريمة أصلا، لكن الجاني في جرائم الشرف لايفقه شيئا في صحيح الدين الاسلامي. ثانيا:ان جرائم الشرف ترتبط بالمناطق الفقيرة والمهمشة والمعزولة التي يعاني قاطنوها من التخلف الثقافي والحضاري، وتعلو عندهم النوازع العشائرية والروح القبلية، و قد بينت دراسة لإحدي مراكز حقوق المرأة في مصر عن جرائم الشرف في مصر ان معظمها يكون في صعيد مصر بمحافظات الوجه القبلي . جرائم شرف في المهجر ثالثا:إن جرائم الشرف هي جرائم عائلية بامتياز وهي تكشف عن التفكك الاسري، وجريمة الشرف في المفهوم الاجتماعي أشبه بقربان لفداء العائلة من غضب المجتمع. فعندما ترتكب المرأة عملاً مرفوضاً اجتماعياً كالزنا أو الزواج من دين أو طائفة أخري، تُنبذ العائلة بأكملها، لذلك تقوم العائلة تحت ضغط المجتمع بتقديم المرأة قرباناً لغسل شرفها و استعادة مكانتها السابقة وبحسب دراسة حول جرائم قتل النساء أعدتها مديرية الأمن العام بالأردن بالتعاون مع دائرة الطب الشرعي فإن 97 في المائة ممن يرتكبون هذه الجرائم تربطهم صلة قرابة بالضحية ونصفهم أشقاء و26 في المائة من دوافع تلك الجرائم هي "شكوك أخلاقية"واللافت هو مشاركة النساء في جرائم ضد نساء سواء بالتحريض علي القتل أو تنفيذ الجريمة، لماذا؟ تقول الكاتبة السورية كلاديس مطر في كتابها «تأخير الغروب: التقديس والتأثيم» ان الذاكرة الشعبية «سلة أيديولوجية متكاملة» تكرّس «العنف المشروع» ضد المرأة، وتشير الي ان «ازدواجية بنية العقل النسوي العربي» كمحصلة لركام ثقافة ذكورية متوارثة، وقوانين قسرية لم تتسق مع تاريخية العلاقة الملتبسة بين الذكر والأنثي، وانسياق الأنثي وراء منظومات جاهزة بما فيها المساواة بين الجنسين. .وعلي هذا الأساس، باءت محاولات إعادة تأهيل عقل المرأة من منظور حداثي بالفشل، لغياب التفكير الحرّ والثقافة المدنية التي تمثّل وعاءً لاستيعاب تاريخ طويل من الخوف، و«العنف المشروع» تجاه المرأة، ذلك أنّ مفاهيم إنسانية مثل العدالة والحرية والديموقراطية ظلّت بمنأي عن مساهمة المرأة فيها، ما دام العقل الذكوري هو من يسنّ هذه القوانين لتُختزل مطالب النساء بالمساواة «في مملكة كل قوانينها علي قياس الرجل وحده». وقد نقلت جماعات متخلفة من العرب والمسلمين هذه الظاهرة السلبية إلي دول المهجر حيث يقطنون ليمارسوا ذات التقاليد البالية في هذا المجال ويقتلوا المزيد من البنات بذات الذرائع الواهية والسيئة والممقوتة. التمييز في العقوبة رابعا :هناك تمييز في العقوبة الصادرة علي الجاني في نفس الجريمة بين ان ينفذها رجل أو امرأة، هذه الحال وغيرها تعتبر نتيجة طبيعية لمنظومة متكاملة من القوانين التي تترجم واقعا من الفكر الذكوري المهيمن علي المستويين الاجتماعي والثقافي، إذ إن هناك ما يسمي ب " قانون الشرف» الذي يأخذ بالعُذر المخفف للعقوبة في قضايا «الشرف» وعادة ما تنتهي الجريمة ببساطة من جناية قتل إلي جُنحة دفاع عن الشرف، وهناك تمييز بين الرجل و المرأة في احكام القانون فيما يتعلق بجرائم الشرف في مصر و الذي يعاقب الرجل في حالة قتله لأنثي بدافع الشرف بالحبس فقط و لكن من جهة أخري يعاقب المرأة اذا وضعت في نفس الموقع بتهمة القتل العمد، لذلك وبسبب هذا التمييز غير الحضاري ولا إنساني والذي يتعارض مع الدين ومواثيق حقوق الانسان، أعلنت منظمات حقوقية ونسائية سورية يوم التاسع والعشرين من شهر اكتوبر من كل عام، يوما عالميا للتضامن مع ضحايا "جرائم الشرف"، وتم اختيار هذا اليوم تحديدا لأن إحدي المحاكم العربية اعتبرت قاتل شقيقته في جريمة شرف بطلا، وخففت الحكم عليه. وتفاعلا مع موجات الغضب الشعبي من تزايد وتيرة جرائم الشرف، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، مرسوما تشريعيا بإلغاء مادة في قانون العقوبات السوري تتعلق بجرائم الشرف واستبدالها بأخري تجرم مرتكبي تلك الجرائم لكنها تمنحهم عذرا مخففا، والمادة الملغاة، وفقا للمرسوم، تحمل رقم 548 من قانون العقوبات وتعفي مرتكب جريمة القتل بدافع الشرف أو الإيذاء من كل عقوبة ويحلله من أي مسئولية أو عقاب علي فعله. وحسب أحمد يونس وزير العدل السوري فإنه كثرت مؤخرا جرائم القتل أو الإيذاء بحق الزوجات وغيرهن من القريبات بداعي مفاجأتهن بجرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء أو في حالات مريبة مع آخر، وكان لابد من التدخل لمنع هذه الجريمة التي تهدد الاسرة" لقد قامت تركيا منذ تأسيس الدولة الحديثة فيها بإلغاء أية أعذار قانونية للقتلة بهذه الذريعة. كما قامت باكستان بذلك، وتونس أيضا. بينما لا يزال القتلة يستفيدون من دعم القانون لهم في بلدان كثيرة مثل أفغانستان، إيران، السعودية، دول الخليج، اليمن، الصومال، السودان، مصر، الأردن، سوريا، لبنان.. وغيرها، وتعتبر دولة الإمارات فقط من بين الدول العربية التي أعطت العذر المخفف للمرأة، كما للرجل، إذا فاجأت زوجها وقتلته. (المادة 334 من مادة العقوبات الإماراتي)، أمافي تونس فقد عاقبت القاتل بالإعدام حسب القانون الصادر في 22/7/1993 فعدَّت هذه الجريمة جريمة كاملة يستحق مرتكبها الإعدام. وفي هذا كل العدل. حملة شعبية في الأردن وفي الاردن، اكدت الملكة نور ارملة العاهل الاردني الراحل الملك حسين بن طلال ان "مؤسسة الملك الحسين" التي تترأسها تعمل جاهدة للحد من الجرائم التي ترتكب في المملكة ضد النساء بداعي الدفاع عن "شرف العائلة". وقالت الملكة نور في مقابلة خاصة مع وكالة فرانس برس ان "احد اهداف مؤسسة الحسين هو الحد مما يسمي بجرائم الشرف والعنف ضد المرأة والعنف الاسري"، واضافت ان "هناك العديد من الضحايا واستخدام العائلة لتكتيكات من اجل اقناع شقيق الفتاة بواجبه في أن يقتل شقيقته لهي ببساطة مسألة تثير الصدمة "..." وحكم القضاء بأن الشقيق لا ينبغي أن يعاقب بقسوة هو امر يثير الدهشة".واشارت الي ان هذه "الجرائم ليست جرائم شرف بل جرائم عار". ورفض مجلس النواب الأردني مرتين تعديل المادة 340 من "قانون العقوبات" التي تفرض عقوبة مخففة علي مرتكبي جرائم الشرف رغم ضغوط تمارسها منظمات تعني بحقوق الانسان لتشديدها، وطالبت منظمة هيومن رايتس وتش الأردن بإصلاح قانون العقوبات وبتشديد أحكامه لوضع حد للتساهل مع مرتكبي "جرائم الشرف" في المملكة، وحقوقيون يرون أن إنشاء محاكم خاصة لمتابعة مثل هذه القضايا لا يمثل حلا كافيا. وعبر «مركز الميزان» الحقوقي في فلسطينالمحتلة عن «استنكاره الشديد لاستمرار ارتكاب جرائم الشرف ضد النساء، واستمرار الغموض الذي يلف هذا النوع من الجرائم، وعدم فتح تحقيقات جدية تفضي الي التعرف علي المتورطين فيها واحالتهم إلي القضاء»، وفي ظل مجتمع تقليدي محافظ مثل المجتمع الفلسطيني في القطاع تلعب فيه العادات والتقاليد دوراً كبيرا، يلقي مرتكب جريمة الشرف تعاطفاً من المجتمع ومؤسسة القضاء بأعمدتها الثلاثة القضاة والنيابة العامة والمحامين. لذا عمد المشرع الفلسطيني الي تخفيف عقوبة القتل في جريمة الشرف الي سنوات قليلة من السجن. وعادة ما يفاخر القاتل بجريمته ولا ينكرها، وغالباً ما يتوجه القاتل بنفسه ليسلم نفسه الي الشرطة، متباهيا بجريمته.