هل تحولت جرائم العنف التي تكررت أخيرا من مجرد حوادث فردية إلي ظاهرة.. كلما وقعت حادثة عنيفة اهتز المجتمع وشعر بالقلق ومهما اختلفت أسباب الجريمة ودوافعها.. لكن مرتكبيها ليسوا من المحترفين.. انها جريمة اللحظة الشيطانية التي تحول الشخص المسالم إلي مجرم بالصدفة.. أما الجريمة الأخيرة التي ارتكبها سائق المقاولون العرب الذي فتح النيران علي زملائه فقتل 6 منهم وأصاب الكثيرين فهي أكثر الحوادث عنفا ودموية! كيف يشخص علماء الاجتماع والنفس والدين وخبراء الإعلام تكرار حوادث العنف؟ وماذا يقترحون لعلاجها؟ اللواء عبدالرحيم القناوي مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الأمن سابقا قال أن توافر الأسلحة بجميع أنواعها بمناطق الجنوب، خاصة الصعيد، أدي لمزيد من الكوارث ووقوع أحداث عنف كثيرة، ورغم أن وزارة الداخلية تواجه ذلك بمزيد من التطوير، فإنها قامت بإنشاء 3 إدارات حديثة إحداها لتأمين رحلات السفاري والمنشآت السياحية، أشار إلي إحصائيات تقريبية عن خريطة الجريمة بين عامي 8002 و9002، أهمها انتشار الأسلحة بجميع أنواعها إلي حد كبير خاصة بالصعيد، رغم الجهود في منعها فقضايا الأسلحة البيضاء المضبوطة خلال 9002 وصلت إلي معدل 49 ألفا تقريبا، أما الجرائم فقد انخفضت جرائم القتل العمدي، ففي 8002 كانت 996 تقريبا، أما في 9002 فوصلت إلي 736، أما الخطف فبلغ العام الماضي 79 حالة تقريبا، بانخفاض اجمالي وصل إلي 21٪ كما انخفضت جرائم الخطف والسرقة بالإكراه. ظاهرة مركبة المستشار الدكتور عمر الشريف مساعد وزير العدل للتشريع، أكد ان العنف ظاهرة مركبة متعددة التغييرات، ولا يمكن تفسيرها بمتغير أو عامل واحد فقط، فالمؤكد ان هناك مجموعة من العوامل تتفاعل أو تتداخل وتترابط ويؤثر بعضها علي بعض سلبا وايجابا، فيما بينها ليظهر العنف، وتتعدد العوامل التي تؤدي للعنف ما بين أسباب أسرية واجتماعية وقانونية واقتصادية وفكرية وشخصية ونفسية وسياسية وتعليمية وغيرها، وتمثل المواجهة التشريعية لظاهرة العنف، أحد أهم أدوات المواجهة. وأشار اللواء محمود الرشيدي مدير الإدارة العامة للمعلومات والتوثيق، إلي ان المظاهر المختلفة للعنف تمثل تهديدا للأمن والسلم الاجتماعي، فالسلوك العنيف هو بمثابة عدوي تنتقل من الأفراد والأماكن التي توجد بها، ويكون لها تأثيراتها السلبية علي مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والروابط الأسرية وغيرها، وقال ان أجهزة الأمن المصرية تمكنت من انجاز منظومة أمنية، أخذت بفاعليات وآليات متطورة، علي صعيد الإجراءات الأمنية والوقائية، علي نحو أتاح لها فرض سيطرتها علي مظاهر العنف، المحدود مقارنة بمجتمعات أخري، وإن ظهرت مؤشرات جديدة تتطلب التحليل والدراسة. عقوبات البلطجة وتحدث الخبراء عن روشتة علاج للقضاء علي ظاهرة العنف في الشارع المصري تمثلت في تنشيط دور منظمات المجتمع المدني لأداء دورها في مجال استيعاب المشاكل الأسرية والمجتمعية المحلية والحيلولة دون تفاقمها، والتوسع في إنشاء المراكز الشبابية والثقافية لاجتذاب الشباب وتجاوبهم مع أنشطتها الايجابية والفعالة وإبعادهم عن الممارسات التي تؤدي للعنف، والتأكيد علي دور المؤسسات الدينية والتربوية والتعليمية في إبراز المبادئ الدينية والأخلاقية التي تدعو إليها القيم الاجتماعية والدينية من تسامح واعتدال ونبذ كل أشكال العنف واستثمار اهتمام قطاعات الرأي العام بنشاط المنظمات غير الحكومية، في تعبئة المشاعر لمواجهة العنف ورفضه باعتباره سلوكا يتناقض مع القيم المصرية الأصيلة. العدالة البطيئة تقول الدكتورة فادية أبوشهبة أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إن جرائم القتل و السرقة والاغتصاب في المجتمع المصري كلها سلوكيات تعزز ثقافة العنف في المجتمع، وهي ليست ظاهرة منفصلة عن ظاهرة عامة وهي اتساع السلوك الإجرامي ككل، وقد أصاب معدل التكرار المجتمع بالفزع والدهشة. وتشير إلي أن أهم أسباب انتشار العنف هو حالة الازدحام والاختناق المروري والتكدس الكبير الذي تعاني منه الشوارع الذي يؤدي بدوره إلي وجود حالة من الاحتقان بين المواطنين، مما أدي إلي أن أصبح العنف هو السمة المميزة للشخصية المصرية، وكذلك بسبب ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش الذي أصاب كل شئ، كما ان بطء الاجراءات القضائية أدي إلي تفاقم العنف وانتشاره في المجتمع. وتؤكد أن الحل للقضاء علي هذه الظاهرة هو »وقفة« قوية من جانب الدولة والمؤسسات والمجتمع المدني للتصدي لهذه الظاهرة وبحث أسبابها ووضع حلول لها، لأن العنف سيولد لنا أشخاصا لهم رغبة في الانتقام بمختلف صوره، كما أن البطء في حل النزاعات القضائية، والتي تستمر أحيانا كثيرة سنوات عديدة أهم الأسباب التي تدفع الاشخاص ليرفعوا شعار »حقي بدراعي« بدلا من انتظار سنوات للحكم القضائي. غياب الوازع الديني وعن رأي الدين في ظاهرة العنف التي ازدادت في الفترة الأخيرة تري الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة وعضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية أن ابتعاد المواطنين عن الأخلاق والدين هو السبب الرئيسي في انتشار العنف والجريمة في المجتمع، وما يحدث حاليا من عنف وسلوكيات خارجة عن تقاليدنا لم نكن نسمع عنها قبل ذلك، ترجع لغياب الوازع الديني وانعدام السلوك الحضاري في التعاملات اليومية وراء انعدام القيم وتدهور الأخلاق وغياب المعايير وأن التدين أصبح شكليا فقط لاينعكس علي السلوك إطلاقا، فهذه الظواهر انتشرت لاننا تغافلنا عنها وأهملناها وتصورنا انها لا تدعو للقلق والانزعاج عندما كانت فيه هذه الأحداث جرائم فردية وحالات »شاذة« فأغمضنا أعيننا عنها فاستفحلت وتحولت إلي أمراض اجتماعية تسربت وانتشرت وتوغلت داخل المجتمع وتفاقمت إلي درجة الاستهانة بالأرواح البشرية، موضحة أن التركيبة الأخلاقية استقرت في المجتمع حتي وصلت إلي إراقة الدماء بهذه الصورة التي نراها ونشاهدها هذه الأيام في ظل غياب المراكز البحثية التي تهتم برصد هذه الظواهر ودراستها ومحاولة علاجها والقضاء عليها فقيمة الإنسان عالية في كل الشرائع والأديان السماوية والدليل علي ذلك ما ورد في القرآن بأن »من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا«. التوعية القانونية اتفق خبراء الاجتماع علي أن وسائل الاعلام تتحمل جانبا كبيرا من المسئولية عن العنف المجتمعي الذي تجسد في حادثة المقاولين العرب، ومن قبلها حوادث الانتحار، وإذا كانت د. عزة العشماوي الخبيرة الاجتماعية بوزارة الأسرة والسكان قد تناولت مسئولية وسائل الاعلام من حيث طريقة عرضها للجرائم، فإن د. عزة كريم الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية تري أن الاعلام وخاصة القنوات الخاصة قد لعبت دورا خطيرا دون قصد، حيث أوجد اهتمامها بالسلبيات وعرضها حالة من الإحباط لدي المواطن تسبب في سلوكه العنيف. وعن معاناة أبطال حوادث العنف من ضغوط نفسية فردية، قد تكون هي المسئولة عن العنف، اتفقت الخبيرتان علي أن تكرار الحوادث يخرجها عن نطاق الفردية إلي الظواهر المجتمعية، لكنهما اختلفتا في وسائل العلاج. ففي حين اعتبرت د. عزة العشماوي تعامل وسائل الاعلام مع حوادث العنف الخطوة الرئيسية في طريق العلاج، وطالبت بأن يكون عرض تلك الحوادث مقرونا بإظهار العقاب الذي تعرض له مرتكبوها، كشكل من أشكال التوعية القانونية للمجتمع، كانت رؤية د. عزة كريم للعلاج تمتد إلي القضاء علي السلبيات التي تعرضها وسائل الاعلام الخاصة. قانون »حقي بدراعي« يؤكد الدكتور هشام بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر أن تفشي ظاهرة العنف داخل المجتمع المصري له أسباب عديدة ومتنوعة، فلم يعد أي إنسان بمنأي عن التعرض لها فمن الممكن ان يطوله في أي لحظة ودون ترتيب مسبق.. فقد يتعرض للسرقة أو القتل في أي لحظة فالعنف موجود بين الآباء والأبناء والتلاميذ والمعلمين في المدارس والجامعات بسبب القدوة السيئة من خلال التليفزيون ووسائل الاعلام التي تعظم دور العنف وتجعله الوسيلة الأفضل للحصول علي الحقوق المسلوبة أي تنمي قانون الغابة والحصول علي »حقي بدراعي« وتخلق شعورا لدي المواطن أن العنف قد يكون مقبولا اجتماعيا، موضحا أن تفسير نظرية الغضب يوضح أن الضغوط الحياتية قد تولد إحدي صور الغضب التي تبدأ بالغضب بالكلام وتنتهي بالقتل ولأنه لا يوجد أي تنفيس لهذا الغضب مثل الرياضة أو ممارسة هواية مفضلة تخرجه من أعبائه، فإن الشخص يتجه إلي الجريمة كمتنفس عن غضبه، والكبت والضغوط النفسية في العمل أو داخل الأسرة يسببان الاكتئاب الذي عادة ما ينتهي بالجريمة.. وسائل الإعلام متهمة ويري د. صفوت العالم أستاذ الاعلام بجامعة القاهرة أن وسائل الاعلام لها دور في انتشار ظاهرة العنف في المجتمع المصري ولكنه مكمل لأدوار أخري مثل أدوار الظروف الاجتماعية أو التربوية أو موقفية التي تدفع للجريمة حسب طبيعة موقف العنف، فالحادث الأخير الذي قام به سائق أتوبيس شركة المقاولون العرب ونتج عنه قتل 6 أفراد من زملائه بالشركة يندرج تحت أدوار موقفية، فنتيجة لسخرية وتهكم زملائه منه أطلق عليهم النار وأرداهم قتلي، ومن ثم لم يكن هناك دور لوسائل الاعلام في هذا الحادث البشع الذي راح ضحيته 6 من الأبرياء. الجريمة والعقاب ويعترف د. صفوت بأن وسائل الاعلام في الفترة الأخيرة هي أحد العوامل الأساسية التي ساهمت في انتشار ظاهرة العنف بجانب الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فوسائل الاعلام تسعي إلي الاثارة من خلال بث مشاهد العنف المختلفة سواء المتضمنة حوادث ضرب أو قتل أو اغتصاب، والغريب في البث أن مادة العنف داخل فيلم سينمائي علي سبيل المثال قد تستغرق ساعة وربع الساعة في حين نجد ان العقاب والردع يكون في دقيقة أو دقيقتين في نهاية الفيلم، ومن هنا نجد أن وسائل الاعلام صنعت من العنف بطلا طوال أحداث الفيلم، الأمر الذي قد ينتج عنه محاكاة بعض المواطنين لمشاهد العنف في المجتمع فتزداد معدلات العنف والجريمة.