إن إطلاق الأعيرة النارية في الصعيد أبسط وسيلة للتعبير عن الغضب. اليوم سألد أول أطفالي أول أحلامي يا صغيري سامحني فلن أهديك حلما فأحلامي من أجلك مبتورة إنه الميلاد وإنه الوداع وقبل أن يحملك صدري يحملك الثأر علي الأعناق وأعلم أنك راحل عن ثدي راحل، إلهي هبني قوة كي احتمل كل هذا الشقاء. ودعت قرية دير سمالوط بالمنيا خمسة أفراد بسبب الثأر عندما قام أحد أفراد عائلة بالسير أمام الأرض الزراعية الخاصة بأحد أفراد العائلة الأخري والخصومة بينهما تعدت الستة والثلاثين عاماً بسبب مقتل أحد أفراد إحدي العائلتين. الثأر أحد الموروثات المقيتة التي مازال الصعيد يعاني منها فهذا الأسلوب شائع ومشكلة أزلية لا تصلح فيها الحلول المسكنة كالجلسات العرفية التي يحضرها المحافظ ورجال الأمن ورجال الدين لأنه سرعان ما ينقض العهد المتخاصمون ويعودون إلي ما كانوا عليه فالجاني مازال حراً طليقاً يهرب بفعلته مما يوغر الصدور ويدفع للانتقام ولو بعد حين ويتحينون الفرصة لتصفيته. إن الجهل والفقر متلازمان فغابت معهما الثقافة والمدينة وحلت المعاناة والفجر.. فالصعيد يدفع للهجرة والفرار.. طارد لأبنائه والمعوقات الكثيرة تحجر علي الفكر فتنتشر ثقافة الاستبداد الأسري الذي يعكس الواقع المتخلف، الثأر عصا التهديد في كل نزاع والعناد والخروج من المعقول إلي العدوانية الأفكار السوداء تتسلط علي العقل فيندفع الإنسان إلي طريق الشر لتزهق الأرواح وتراق الدماء وتدمر الممتلكات وتضيع الأحلام. في الصعيد تعد الأمم طفلها منذ نعومة أظافره وتملأ روحه بالانتقام والحقد من أجل الأخذ بالثأر وإلا فلن يصبح رجلا يشار له بالبنان فتغتال براءته وتبدل مفاهيمه وتحول أفكاره إلي العنف والقتل وقد تجوع من أجل شراء السلاح وإن فقدت في سبيل ذلك هذا الولد ولن تستطيع أن تعوضه إنما الثأر يعلو فوق الأمومة كيف تقاوم التقاليد البالية والنفوس المغرضة؟ إن إطلاق الأعيرة النارية في الصعيد أبسط وسيلة للتعبير عن الغضب. لغة من لا عقل لهم ولا ضمير عالم الثأر عالم الظلمات إن هذه الصراعات تنشأ في المجتمعات التي لا تستطيع أن تعبر عن ذاتها حينما يتنكر لهم المجتمع ويمتنع عن الاستجابة به لاحتياجاته التنموية فلا تقدم لهم خدمات حقيقية ولا يتم التواصل معه بالقدر الكافي. في الصعيد تعاير الأسر التي لم تأخذ بالثأر فيسير أفرادها منكسي الرأس تطالهم الألسنة يلاحقهم العار إلي أن يتم الثأر فيرفعون هاماتهم في تحد سافر وفي سبيل ذلك يعدون العدة للانتقام ليس من القاتل فحسب بل ممن يرون أنه الأفضل قد يكون فرداً متعلما وذا مركز حتي إذا تم التخلص منه كان الألم موجعا وصدمة مروعة للعائلة الأخري، الثأر يتوارث أجيال تتعاقبها أجيال لا يؤمنون أصحاب الثأر بالحوار واحترام الرأي الآخر جدليات عقيمة وحوار الطرشان بين الذين لا يسمعون إلا أنفسهم وينفذون ما يقررونه تحت أي ظرف وبأي أسلوب. في الثأر لا تعرف رصاصات الغدر متي وأين تطلق علي أبرياء لا ذنب لهم رصاصات طائشة مهمتها حصد الأرواح وينتشر السلاح بشكل غير مسبوق في الصعيد كنوع من التفاخر والتباهي وسط محيط الأسرة والجيران والأقارب وكأن القوة تكمن في اقتناء السلاح وتطور من السلاح العادي إلي السلاح الآلي .كما حدث مع شهداء نجع حمادي. فمتي نتخلص من هذه الموروثات التي ترتكز أساسا علي الجهل والتخلف؟ التعليم من أهم الأمور التي يجب أن نضعها نصب أعيننا والتعريف بمخاطر الثأر وغرس قيم الفضيلة والتسامح والرحمة والتواصل منذ الصغر وأن القانون والعدل جعلا للدفاع عن المظلوم وأن الله ينهانا عن القتل وإزهاق أرواح الأبرياء. ائمة المساجد لو خصصوا جزءا من وعظة الجمعة لتوعية الشباب بخطورة الانسياق وراء العملية الثأرية وما ستخلفه من حصاد لأرواح بريئة أما الإعلام وما يقدمه من مسلسلات عن الصعيد كثيراً ما يصور القاتل علي أنه البطل المغوار ويظل ملازمنا طيلة الثلاثين حلقة نري جبروته وهيمنته وسطوته وكأنه وحش كاسر ونحن في القرن الحادي والعشرين. أيضاً إذا تم القصاص ليكون الجاني عبرة لغيره وذلك بسرعة إجراءات التقاضي ويكون قصاصا رادعاً لكل من تسول له نفسه إزهاق الأرواح وتشديد الرقابة علي عمليات شراء الأسلحة وأن تولي الحكومة اهتماما جديداً حثيثا من أجل إعادة اكتشاف الصعيد وإقامة نهضة حديثة وخدمات فعلية لعمل الشباب ومن ثم مشاركتهم في الحياة السياسية سيشعرون بقيمتهم وأهمية دورهم وانخراطهم في المجتمع بإيجابية ومن المؤكد سنقضي تدريجيا علي هذه الآفة اللعينة .الثأر..