يقول المشتغلون بالقانون الدستوري إن الدولة الحديثة هي دولة تخضع لحكم القانون. القانون هو سيد الحاكمين والمحكومين جميعا. ويقولون أيضا إن الدولة الحديثة تقوم علي سلطات ثلاث مستقلة, ولكن بحكم كونها تعيش في دولة واحدة فلابد أن يكون بينها وبين بعضها نوع من التواصل والتعاون. ومن هنا نقول إن سلطات الدولة الثلاث تقوم علي نوع من الاستقلال المرن وليس الفصل الكامل بينها. حتي في النظام الرئاسي مثل الولايات المتحدةالأمريكية, حيث الفصل بين السلطات الثلاث هو الأصل إلا أن كل الفقهاء يقولون أنه حتي في النظام الرئاسي فإن الفصل بين السلطات هو فصل مرن وليس مطلقا. وإذا كانت مهمة السلطة التشريعية هي سن القوانين, ومهمة السلطة التنفيذية هي تنفيذ هذه القوانين, فإن السلطة القضائية مهمتها هي الفصل في المنازعات, هي القضاء في المنازعات أيا كان نوع هذه المنازعات. وهناك بلاد تأخذ بفكرة القضاء الموحد الذي يفصل في كل أنواع المنازعات. وهذا هو النظام الانجلوسكسوني. وهناك بلاد تأخذ بنظام القضاء الممزدوج أو المتعدد. وهذا ما تأخذ به بلاد النظم اللاتينية مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وأخذت به مصر أيضا. وهناك قضاء دستوري يفصل في المنازعات الدستورية. وهناك القضاء العادي يفصل في المنازعات المدنية والجنائية. وهناك القضاء الإداري يفصل في المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها, ويكون الطرف الآخر شخصا عاديا لا يتمتع بسلطة عامة. والقضاء الاداري علي هذا النحو هو السلطة التي يدخل في اختصاصها بين أمور كثيرة سلطة تأديب موظفي الدولة. هذه نظرة عامة للسلطة القضائية اعتقد انها كافية للمثقف العام بل وحتي المواطن العادي. وإذا كانت السلطة القضائية هي جهة الفصل في المنازعات فإن للقضاء أعوانا يساعدونه علي القيام بمهمته. ومن أهم هؤلاء الأعوان المحامون, ولذلك يطلق علي المحامين عبارة القضاء الواقف. المحامون يعرضون علي المحاكم وجهات النظر المختلفة لأطراف المنازعات ولكنهم لا يملكون الفصل في هذه المنازعات. والمحامون ليسوا نوعا واحدا ولا فئة واحدة. هناك المحامون أمام المحاكم الابتدائية. وهناك غيرهم من يترافع أمام المحاكم الاستئنافية. وهناك المحامون أمام محكمة النقض وأمام المحكمة الدستورية. وهؤلاء هم كبار المحامين. كذلك فإن من المحامين من يعمل حرا. وهذه هي غالبية المحامين. ومن المحامين من يعمل في أجهزة الدولة, في الغالب في وزارة العدل. ومن هؤلاء محامو قضايا الدولة. وهم الذين يتولون الدفاع عن الدولة في القضايا التي تثور بين الدولة والأفراد. وفي القضاء الجنائي يوجد فرع يسمي النيابة العامة. وهي سلطة اتهام وسلطة تحقيق ولكنها ليست سلطة فصل في المنازعات. وكذلك في جانب من جوانب القضاء الإداري توجد جهة تابعة لوزارة العدل أيضا اسمها هيئة النيابة الإدارية هذه الهيئة هي المنوط بها التحقيق مع الموظفين العامين عندما يرتكبون مخالفات إدارية. أما المخالفات الجنائية فتختص بها بالنسبة لسائر المواطنين النيابة العامة.وكما أن النيابة العامة جهة اتهام وتحقيق وليست جهة فصل في المنازعات التي تحققها, فكذلك النيابة الإدارية هي جهة تحقيق في المخالفات الإدارية وقد يعطي لها الحق في رفع الدعوي أمام القضاء التأديبي, الذي هو جزء من مجلس الدولة, ولكن النيابة الإدارية لا يمكن أن تكون أبدا جهة فصل في هذه المنازعات التأديبية الذي يختص بالفصل فيها مجلس الدولة وحده باعتباره القضاء المختص بالفصل في المنازعات. ولست أدري علي أي أساس يقول البعض إن النيابة الإدارية يمكن أن تكون جهة فصل في المنازعات التأديبية. هذا كلام في تقديري لا صلة له بصحيح القانون وإنما هو كلام مرسل لا أساس له من الناحية القانونية. القضاء سلطة فصل في المنازعات ويعاونه علي أداء مهمة أجهزة عديدة منها المحامون المقيدون في نقابة المحامين ومنهم محامو قضايا الدولة. كذلك فإن النيابة الإدارية هي من الأجهزة المعاونة للسلطة القضائية باعتبارها تقوم بالتحقيق في هذه القضايا ثم قد ترفع الدعوي أمام القضاء التأديبي. ولكنها لا يمكن أن تكون جهة فصل في المنازعات. أرجو أن يكون كلامي واضحا ومحايدا وعلميا, وليس لي من ورائه هدف إلا بيان حكم القانون. والله المستعان. لمزيد من مقالات د. يحيى الجمل