أكد المستشار شريف الشاذلي، نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس المكتب الفني للجمعيةالعمومية لقسمي الفتوى والتشريع، أنه لا توجد سابقة في العالم كله تفصل بين الاختصاص بالفصل بين المنازعات الإدارية والتأديبية. أوضح المستشار الشاذلى، ل"بوابة الأهرام"أن فكرة إنشاء جهة قضائية جديدة تختص بالتأديب وسلب هذا الاختصاص من مجلس الدولة وإسناده إلى هيئة النيابة الإدارية يخالف النظم العالمية التي لا تعرف سوى القضاء الموحد أو القضاء المزدوج ولا تعرف شيئًا آخر يسند له ولاية القضاء التأديبي فصلا عن القضاء الإداري. وأعرب عن تحديه أن يجد أحدا لذلك مثالا في أي دولة من دول العالم، ثم يخالف من ناحية أخرى ضوابط الاختصاص المقررة في كل دساتير العالم التي تفصل بين الجهة التي تتولي التحقيق والجهة القضائية التي تتولى الفصل في الدعاوى. وأوضح، أن هيئة النيابة الإدارية تختص بالتحقيق في المخالفات المالية والإدارية التي يرتكبها الموظف العام بحيث يتم مواجهة الموظف بما هو مأخوذ عليه وتمكينه من الدفاع عن نفسه، وإذا ارتأت هيئة النيابة الإدارية وجها لإقامة الدعوى التأديبية تقيمها أمام المحكمة التأديبية المختصة بمجلس الدولة، وتباشرها أمام هذه المحكمة، فإذا صدر حكم لم ترتضه هيئة النيابة الإدارية أو الموظف يتم الطعن على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا التى أرست مبادئ في مجال التأديب. وأضاف المستشار الشاذلي، أنه نظرا لأن اختصاص هيئة النيابة الإدارية بالتحقيق لا يخل بحق الجهة الإدارية التي ينتمى إليها الموظف العام في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق وإصدار قرارات الجزاء فقد أنيط بالمحاكم التأديبية بمجلس الدولة الفصل أيضا في طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية للسلطات التأديبية. وأكد أن مجلس الدولة يختص بالفصل في الدعاوى التأديبية التى تقيمها النيابة الإدارية، كما يختص بالفصل في الطعون التأديبية التي يقيمها الموظفون العموميون طعنا على القرارات المشار إليها. وشدد، أن أهم المبادئ الحاكمة في مجال المحاكمات التأديبية، حيدة الهيئة التى تتولى هذه المحاكمة بحيث يمتنع على من أبدى رأيا في الاتهام أو ساهم أو شارك في إجراءات التحقيق أن يشترك في هيئة المحاكمة، قائلا:"من يجلس مجلس القضاء لابد وأن يكون ذهنه خاليا عن موضوع الدعوى". وأضاف، أنه أسند الاختصاص بالفصل في الدعاوى التأديبية لمجلس الدولة، بما يعني أن مجرد التفكير في سلب هذا الاختصاص من المجلس يهدر العدالة التى تحققت للموظف العام في مصر بحجة بطء التقاضي أمام المحاكم التأديبية. وتساءل المستشار الشاذلى، قائلا: لنا أن نتخيل أن من المبررات التى يسوقها بعض المنادين بمثل هذا المقترح من السادة أعضاء النيابة الإدارية أمام لجنة نظام الحكم بلجنة الخمسين أن مجلس الدولة يحكم في الدعاوى التأديبية بمنطق المشروعية، فهل يمكن أن يكون هناك منطق آخر؟. واعتبر أن حجة القول بإن هذا قياس على حالة النيابة العامة في مصر فهذه حجة فاسدة، موضحا أنه لم يجرؤ أشد الناس حماقة-على حد تعبيره- على اقتراح ضم القضاء الجنائي للنيابة العامة لتحقق وتتهم وتحيل المتهم وتباشر الدعوى وتفصل فيها وتطعن في الحكم الصادر منها. وأشار، إلى أن النيابة العامة في مصر لها وضع خاص من حيث إنها استثناء على مبدأ مباشرة التحقيق بواسطة قاضي التحقيق ومباشرة الاتهام بواسطة النيابة العامة، مؤكدا أن هذا المقترح يهدم العدالة التأديبية بحجة تطويرها، لا سيما وأن السبب الأساسي المدعى به سبب منتحل، على حد وصفه. كما أشار إلى أن الأرقام المعلنة رسميا- والتى لم تنكرها هيئة النيابة الإدارية بصفتها ممثلة الادعاء في الدعاوى والطعون التأديبية ولديها مثل هذه البيانات تثبت أن إجمالي الدعاوى والطعون التأديبية المتداولة أمام المحاكم التأديبية بمجلس الدولة خلال العام القضائي 2012 /2013 بلغت (14746)، أُنجز منها - بواسطة عدد يقل عن مائة قاض- (9248) قضية وتبقى للعام القضائي الحالي (5498) دعوى وطعن تأديبى. وفسر ذلك، أن الدعاوى التأديبية التي تطالب هيئة النيابة الإدارية بإنشاء جهة قضاء تأديبي ليس لها سوى ثلث العدد المتبقي، وأن الخوض في أسباب تأخر الفصل في هذا العدد المتبقي سيكشف بيقين أن العامل الأساسي يرجع إلى الجهة التي تتولى الادعاء أمام المحاكم التأديبية وتطالب بسلبها حاليا. ولاحظ، أن المشرع في القوانين المتعلقة بذلك عبر عما يصدر من مجالس التأديب بكلمة (القرار) ولم يقل إنها أحكاما، ومن ثم فإن مجلس الدولة كان وما زال مختصا بالنظر في الطعون التي يقيمها الموظفون على القرارات النهائية الصادرة من السلطات التأديبية ويندرج من بينها قرارات مجالس التأديب المشار إليها آنفا. وأضاف، أنه حينما أدرك المشرع أهمية جعل تشكيل المحاكم التأديبية قضائيا خالصا نص على ذلك صراحة في قانون مجلس الدولة المعمول به حاليا رقم 47 لسنة 1972 وذلك التزاما منه بالمفاهيم التى يقوم عليها نظام القضاء المزدوج، باعتبار أن مجلس الدولة هو قاضي القانون العام للمنازعات الإدارية. قال المستشار الشاذلى، إنه طالما تطبق الدولة النظام القضائي المزدوج، فلا مجال لإسناد المنازعات التأديبية لغير مجلس الدولة، مؤكدا أنه لم يكن هناك اتحاد في يوم من الأيام بين الجهة التي تتولى سلطات التحقيق والاتهام ومباشرة الادعاء، وبين الجهة التى تتولى المحاكمة التأديبية، ملفتا أن النظام القانوني المصري يأخذ بنظام القضاء المزدوج، وطالما وجد بالدولة مثل هذا النظام ووجدت المحاكم التأديبية فلا يمكن منهجا إسنادها لغير مجلس الدولة. ولفت الانتباه أن الدول التى تأخذ بنظام القضاء المزدوج ولا يوجد لديها محاكم تأديبية، فيوجد لديها البديل وهو مجالس التأديب، ويكون المختص بالنظر في الطعون التى تقام ضد قرارات هذه المجالس مجلس الدولة أيضا، وهو ما كان عليه الحال في مصر قبل إنشاء المحاكم التأديبية، وهو ما عليه الحال حاليا بفرنسا. وشدد المستشار شريف الشاذلى، على أن الفصل في هذه المسألة يجب أن يكون للمتخصصين من فقهاء القانون الدستوري والقانون العام، دون النظر لادعاءات أصحاب المصالح ودفاع من لديه الحق.