نحن في مرحلة خطيرة سياسيا واقتصاديا, وهذه المرحلة يمكن ان نطلق عليها' حرب بقاء', فنحن نحتاج إلي تعاف سريع حتي يقف الإقتصاد علي قدميه مرة أخري, وهذا لن يتم إلا بالخبرة العملية من خبراء يتحدثون بلغة السوق, وليس فقط بلغة النظريات الإقتصادية الجامدة.. ووائل زيادة أحد هؤلاء الخبراء, والسطور التالية تعبر عن رؤيته الإقتصادية للعمل المطلوب خلال الفترة المقبلة... يقول وائل زيادة:' مصر تواجه حاليا مشكلة من أكبر المشكلات تتمثل في الفراغ السياسي والاقتصادي, وأخيرا الفراغ المؤسسي, ولكي يمتلئ الفراغ السياسي, لابد أن نعمل ليس فقط علي إعادة إنشاء هذه المؤسسات, أو نسمي مؤسسات بعينها, ولكن يجب أن تمتلئ هذه المؤسسات بالكوادر القادرة علي إيجاد بدائل وحلول سياسية, وهذا يعتبر من أعظم وأصعب التحديات التي تواجهها مصر في الفترة القادمة, وذلك لأنه قد تم تهميش الدور المجتمعي ودخوله في السياسة بشكل كبير, وعلي هذا الأساس تم عمدا تخريب وإسقاط جميع المؤسسات السياسية. وكما تحدثنا عن أن المسار السياسي كما ذكرت سابقا, قد يسقط بسبب سوء إدارة المرحلة, إلا أن سقوطه كشف عن أهمية وجود بدائل فورية, فمثلا عند سقوط نظام سياسي في دولة ما, لديها بدائل سياسية لهذا النظام, تستطيع هذه الدولة ضمان حالة من الاستمرارية, تتجنب عن طريقها الدخول في مشكلات, أما في مصر حاليا فإن سقوط النظام السابق كشف عن عدم وجود بدائل, وإلي الآن لم نجد أحزابا لديها رؤية, ولا توجد مؤسسات مدنية بالمعني الحقيقي, والتي يقتصر دورها علي مساندة صانعي القرار بشكل كبير, بالإضافة إلي عدم وجود فكر سياسي خاص بإنارة معالم الطريق وليس صنع خارطة الطريق حتي تكتمل تلك الخارطة. وفيما يخص المستوي الاقتصادي, صحيح أنه قد مرت فترة بسيطة علي تشكيل الحكومة الحالية, ولكن توجد بعض المعالم التي تشير إلي أن أداء هذه الحكومة سيكون أبطأ من متطلبات هذه المرحلة, ومنها عدم اتخاذ أي قرارات والتي من شأنها تستطيع تحريك الاستثمارات داخليا, وقرارات خاصة بإعادة تنظيم قطاع الطاقة, ولا اقصد بذلك إيجاد حلول فورية, وإنما اتخاذ خطوات لحل هذه المشكلات, وهناك الكثير من التفصيلات في المحليات لم يتم اتخاذ أي قرار بشأنها, كما نحتاج إلي الفصل في بعض القوانين الموجودة حاليا لتسهيل العملية الانتقالية, وهناك بعض الاستثمارات المعطلة بسبب انتظار الموافقات, ولذلك لابد من وضع إستراتيجية واضحة المعالم. فلو تكلمنا اليوم عن المشكلة الاقتصادية التي يمكن حلها خلال عام, يتم ذلك من خلال القيام بعملية إحلال للاستيراد, ولكن ما نحتاج إلي التركيز عليه خلال الفترة القادمة, هو إيجاد بدائل للاستثمار, عن طريق حل مشكلات الصناعات الصغيرة والمتوسطة, والبدء في إصدار تصريحات لحل كل المشكلات المعلقة, وسرعة اتخاذ القرارات لحلها, ووضع أساس للقاعدة الصناعية, نستطيع العمل من خلالها, مثل صناعة البتروكيماويات, وأيضا بدائل الطاقة, والي الآن لم يحدث أيا من هذه الأشياء, وكنت اعتقد انه في وجود حكومة اقتصادية كالحكومة الحالية, سيكون لديهم القدرة علي رؤية هذه الحلول, ولكن لم يحدث ذلك, وأتمني أن يكون وراء هذا البطء انجاز, فنحن لسنا بحاجة لخطة, بقدر ما نحتاج إلي حل هذه المشكلات في الفترة الحالية, ويكفي ذلك الآن, إلي أن يتم تشكيل الحكومة من حزب الأغلبية, إن وجد هذا المسمي من داخل البرلمان, أو تتشكل من قبل الرئاسة, وإلي أن يتم ذلك, فالحكومة الحالية مطالبة بالسرعة في حل جميع المشكلات, بما في ذلك تقليص عجز الموازنة, وفتح باب الاستثمار علي مصراعيه للمستثمرين, ولقد بدأنا نري تحرك البنك المركزي المصري في محاولته تخفيض أسعار الفائدة, وذلك للتقليل من حجم عجز الموازنة, ولتنشيط الاستثمار, ولكن إلي الآن لا توجد أي خطوة ايجابية من قبل هذه الحكومة الاقتصادية. وكل ذلك نتيجة للفراغ الذي نتج عن عدم وجود مؤسسات حقيقية, وعدم وجود كوادر خلف هذه المؤسسات, وما يزيد الوضع سوءا هو وجود مشروعات وقوانين مكبلة للنهوض بالاقتصاد, مثل قوانين الطاقة, واستيراد بدائل الطاقة مثل الفحم, فإذا كنا نريد المضي قدما نحو إعادة تشكيل الدعم, فنحن نحتاج إلي إعطاء بدائل لمصانع الاسمنت مثلا, وهذا البديل سيكون الفحم مثل كل دول العالم, وحاليا لا تستطيع الدولة استيراد المازوت الباهظ الثمن مقارنة بالفحم, وعلي مستوي هيئة الرقابة المالية, هناك بعض القوانين التي تكبل الشركات مثل زيادة رؤوس أموالها, فحاليا نريد زيادة رؤوس الأموال لكي نستطيع الاستثمار, وعلي المستوي الصناعي, فإن سرعة إصدار التراخيص أصبحت طويلة جدا, وقد تستمر لسنوات, للحصول علي الرخصة, وكان في اعتقادي انه سيتم تشكيل لجنة من قبل هذه الحكومة, لمعالجة جميع التشوهات البيروقراطية الموجودة حاليا والتي نتجت خلال العامين ونصف الماضيين, فالبيروقراطية مكونة من شيئين, الشريحة البشرية أو العاملين, ومجموعة من القوانين والهيئات, وهذه القوانين والهيئات ينتج عنها العاملين, واخطر شئ حدث خلال هذه الفترة, هو توقف البيروقراطية عن العمل أي موت الأداة التنفيذية للذراع الحكومية, وذلك خوفا من الملاحقات وتضارب القوانين, وعدم وجود دفع حقيقي من الجهاز التنفيذي في الحكومة لهذه البيروقراطية, والتي هي المدخل الحقيقي والرئيسي لإصلاح المحليات, كما أن المحليات هي المدخل لإصلاح البيروقراطية, والاثنين انعكاس لبعضهما البعض, وأنا كنت اعتقد أن ذلك سيكون أول مجال للعمل في هذه الحكومة, فكان يجب عليها عمل مراجعة شاملة لجميع القوانين الموجودة حاليا, وإعطاء موافقات استثنائية, وتسهيل إصدار التراخيص لإعادة سير العمل, ولكن إلي الآن لم يحدث ذلك, ومازلنا نتحدث في نفس المشكلات, سواء علي المستوي التنظيمي أو المستوي التنفيذي, وفي ذلك خطورة كبيرة علي اكتمال هذا المسار الاقتصادي بنجاح, والتي من إحدي أشكال اكتماله هو تنفيذ خارطة الطريق. يجب أن تتعلم هذه الحكومة والحكومات القادمة, التعامل مع ظروف سياسية غاية في الصعوبة, ووضع متأجج قد ينفجر في أي لحظة, وكما قال احد الخبراء الاقتصاديين' لو لم تعترف اليابان بأنها منطقة زلازل, لما بنت بيت واحد' ولذلك يجب علينا الاعتراف بوجود احتقانات لهذه المشكلات في الفترة القادمة, لكي نستطيع التحرك للنهوض بالاقتصاد. ويمكن أن نلمس حاليا تحسنا في بعض المؤشرات الاقتصادية, ناتج عن قرارات سريعة مثل قرار البنك المركزي تخفيض سعر الفائدة, أو زيادة الموارد من النقد الأجنبي الناتجة عن الدعم الخليجي كما ذكرت سابقا, ولكننا لم نلمس أي نوع من أنواع التحسن في الاقتصاد الحقيقي حتي الآن, ولن يحدث ذلك إلا بدخول استثمارات. لابد من إعادة هيكلة ما يمكن هيكلته في الدعم, وذلك بمنتهي السرعة, ولابد من العمل كحكومة انجاز وليست حكومة إنقاذ, والوقوف علي جميع مشكلات المستثمرين, وإيجاد حلول سريعة ونافذة لحل هذه المشكلات, في إطار مراجعة شاملة لجهاز الأداء الحكومي وهو البيروقراطية, والاتجاه سريعا إلي تشجيع صناعات بدائل الاستيراد, ونريد رؤية خطة حكومية بمنتهي السرعة, تشجع علي وجود صناعات بدائل الاستيراد, وهو ما يضمن تأسيس قاعدة صناعية في مصر, تقوم عليها صناعات أخري, أما الاتجاه إلي إعلان توجيه الأموال الحكومية إلي الاستثمارات, فلا يزال ذلك يلقي عبء إيجاد الحل المالي علي الحكومة, لأن دور الحكومة هو إيجاد الحلول للاستثمارات, وليس دورها إيجاد الحل المالي, ولذلك لابد علي الحكومة أن تجد الحل للمستثمرين كي يستثمروا, فنحن لا نحتاج أموالا تستثمرها الحكومة, بقدر احتياجنا لمناخ اقتصادي, يساعد علي الاستثمار, وأخيرا العمل علي إعادة وتحفيز القطاع الخاص للاستثمار والتوظيف, مثل حل مشكلة المصانع المتوقفة والعملاء المتعثرين. المستثمر الأجنبي في سوق الأسهم والسندات, مازال متخوفا بشكل كبير من المسار السياسي, ليس لتأييده اتجاها سياسيا محددا, ولكنه مازال يري أن مصر في حالة عدم استقرار, ولن تتغير وجهة نظره حتي يري استقرارا تاما في أداء مؤسسات الدولة, وهذا الاستقرار لن يأتي إلا بوجود نتائج علي المدي القصير, ولتحقيق ذلك نعود إلي نفس النقطة والمتعلقة باحتياجنا لحلول سريعة جدا لمشكلات المستثمرين المحليين.