لا يوجد من ينتمي انتماء حقيقيا للثورة ويقبل انتقاص أو تهديد مكتسباتها, وأولها الحرية, والكرامة الإنسانية, وإطلاق حقوق وحريات التعبير لكل مصري, ومشروع قانون التظاهر الذي قدمته الحكومة فجر خلافات بين قوي ثورية وأعضاء الحكومة وفي مجلس حقوق الإنسان, في وقت مصر أحوج ما تكون إلي التئام صفها, وأرجو أن نستطيع أن نختلف دون أن يتحول الخلاف إلي صراع ومعارك بين قوي المفروض أنهم جميعا ينتمون للنظام الجديد الذي قام في مصر بعد ثورة30 يونيو, وأن من أسقطتهم هذه الثورة يريدون مزيدا من صب الزيت علي النيران التي يحاولون إشعالها في كل مكان في مصر الآن. ليست هذه دعوة للسكوت علي أخطاء أو تجاوزات, فإن السكوت علي أمثالها من أهم أسباب ما وصلنا إليه حتي الآن. ما أعرفه من خلال المشروع الذي قرأته أنه يضم الكثير من مواد القانون الذي أعدته الجماعة لمصادرة حقوق التظاهر, لولا أن أجهزت ثورة30 يونيو علي القانون وعلي حكمهم كله. من المؤكد أننا لا نريد استنساخ الخطايا والأخطاء التي أدت إلي هذا السقوط, وأثق أن جميع صناع الثورة يريدون إيقاف مخططات التخريب والتدمير والفوضي والإرهاب التي تحولت إليها حقوق التظاهر والاعتصامات السلمية التي تعد من أهم مكتسبات الثورة, وأثق أننا بقدر رفضنا لأن يخرب الوطن بمخططات الفوضي الخلاقة التي تدار فيه الآن, نرفض أن يحزب بالعودة إلي كبت ومصادرة الحريات, والسؤال الذي أرجو أن يقدم فقهاء القانون إجابة له: التوازن الذي سبقتنا إليه الدول الديمقراطية التي تحترم شعوبها.. كيف نحقق هذا التوازن بين صيانة الحريات وسد منافذ وذرائع الفوضي والإرهاب, وتهديد الأمن القومي؟ أو كما قرأت في تعبير قانوني بليغ للفقيه الدستوري بهاء الدين أبو شقة: كيف نضبط الخيط الرفيع بين سلطة الدولة في تنظيم الحق الدستوري والمقرر دستوريا في جميع دساتير العالم, وهو حق التظاهر السلمي, وبين مصادرة أو إقامة العقبات في وجه هذا الحق. لا يمكن القياس فقط علي ما تفعله دول متقدمة لديها قوانين منظمة لحقوق التظاهر, ولديها أيضا أجهزة ومؤسسات شرطية وقانونية تعرف كيف تحفظ قيمة وحقوق المواطن وحرياته, وهي تطبق عليه القانون وتضمن ألا تتحول سلطات تنفيذ القانون إلي سلطات قمع وإرهاب, مع التقدير للتحولات الإيجابية التي حدثت لجهاز الشرطة, وأنها دفعت نصيبا لا يستهان به من الشهداء, ومع إطلاق الحريات بلا قيود كيف لا تسري وتشتعل نيران الإرهاب, وبؤر الاعتصامات المسلحة لتحرق الوطن بأكمله. أثق أن جميع شركاء الثورة وصناع الواقع الجديد الذي فرض إرادته بقوة عشرات الملايين من المصريين في30 يونيو, مع احترام والدفاع عن جميع مكتسبات الثورة, وأولها الحريات, والكرامة الإنسانية, وحقوق التعبير, وأيضا أن كل منتم للثورة وللنظام الجديد مع التصدي وإيقاف مخططات الإرهاب والترويع, ونشر الفوضي التي تمت وتتواصل, وحولت حقوق التظاهر إلي حقوق التصادم, وقطع الطرق, وتهديد وسائل المواصلات, وشل الحياة تماما, وتنفيذ قائمة توجيهات التنظيم الدولي للجماعة. كيف نقيم توازنا بين الاثنين الحفاظ علي الحريات والحفاظ علي الوطن وسلامة أمنه القومي في مواجهة جماعة الإخوان التي تقيم تناقضا بينهما؟!! كيف نوقف مخططات الثأر والدم والانتقام لحكم لم يستطع أصحابه الحفاظ عليه, ولم يتحمله المصريون أكثر من عام؟! وهل جميع الجماعات المصرية صاحبة الأزمات المزمنة والموروثة من أكثر من ثلاثين عاما من الإهدار لقيمة المواطن ولحقوقه, وبعد ثورته العبقرية في25 يناير2011 ومدها العظيم في30 يونيو, أن يدفع ثمن أخطاء وخطايا الجماعة بقانون يصادر حرياته في التعبير عن مشكلاته وأزماته, وبعد أن أصبحت الحلول لا تتحقق عبر قنواتها الطبيعية والشرعية, ولابد للمواطن أن يستنزف ما تبقي من أنفاس في صدره في التظاهر ليحصل علي القليل والمتواضع من حقوقه؟ وهل تحتمل مصر أن تترك لمزيد من مخططات الاتجار بالدم, وتنفيذ بقية مخططات الإرهاب الخافية والمعلنة, ومنها ما عاد يتردد عن تهديد السفن العابرة لقناة السويس لتجديد استدعاء قوي دولية لحماية القناة, ولتوجيه ضربات قاضية للاقتصاد المصري, ودعوات لاستخدام مخزون السلاح الذي يملأ مصر؟ ماذا يعني ما كانوا يديرونه في سرية شديدة لجمع توقيعات أكثر من مليون مصري والذهاب بها إلي الأممالمتحدة للمطالبة بإنشاء الجيش المصري الحر لاستنساخ المأساة السورية في مصر, لم أصدق أن تصل الخيانة وبيع الأوطان إلي هذا الدرك الأسفل, وللأسف تأكدت من صحة الواقعة!! من أطراف مختلفة ومتنوعة في المشارب والاتجاهات, استمعت إلي كثير من الآراء حول قانون التظاهر, بعضها معارض بشدة لصدوره, وبعضها يؤيده بشدة علي الأقل في مرحلة انتقالية وحتي استتباب الأمن والاستقرار, وعلي أمل وضع نهاية للمخطط المرسوم لتصاعد الفوضي والاضطرابات, وسيطرة البؤر الساخنة, والاعتصامات المسلحة, وإلي أن يسقط النظام الذي صححت به ثورة30 يونيو الانحرافات والتشوهات التي حدثت لمسار ثورة25 يناير, أو إلي أن تسقط مصر كلها, فإما أن يحكموها أو يدمروها, ما هو الخلاص؟ وكيف يقام التوازن بين الحفاظ علي الحريات, والحفاظ علي الأمن القومي وعلي سلامة وأمن واستقرار واستقلال مصر كلها؟! من حق المجتمع أن يقول كلمته في هذه اللحظات المصيرية, وأن يتم تناول القانون في ضوء مقتضيات العدالة الانتقالية, وألا تستعاد العلاقات الشائكة بين المواطن والداخلية بتحميلها مسئولية ملف التظاهر. المسئولية الأولي في هذا الملف يجب أن تكون للمجلس القومي لحقوق الإنسان, ولا يقل ضرورة وأهمية تغيير منظومة التعامل مع المواطنين في جميع مؤسسات الدولة, وأن تحترم آدميتهم, وتحل مشكلاتهم دون ضرورة لجوئهم إلي التظاهر والاعتصامات ليستمع المسئولون إلي نداءاتهم وصرخاتهم وإنقاذهم من جبروت إهمال أغلب العاملين في الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة, فيبدو أن الأغلبية منهم لم يسمعوا أن ثورة قامت, ودماء سالت, وأرواحا أزهقت ليشتري المواطن كرامته وحقوقه في بلده!! في ظلال قيم وفروض الثورة, وحقوق المواطن يجب ألا يصدر القانون إلا بعد توافر جميع شروط الرضاء والاطمئنان المجتمعي والمواءمة بين المقرر في دساتير العالم, وهو حق التظاهر السلمي, وحقوق حفظ الأمن القومي من مخططات الفوضي والتدمير والتخريب, وألا يتحول الأمر من بحث عن حلول قانونية عادلة وحافظة لمكتسبات الثورة إلي صراع مطلوب إزكاء نيرانه بين القوي الوطنية والدولة, ونرجو ألا يكون بعيدا اليوم الذي ينتهي فيه المصريون من دفع المزيد من الألم والصراع والدم ثمنا لعام حكمته الجماعة. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد