عام2011 هو عام الثورات والانتفاضات في البلدان العربية, وهي ثورات رفعت خليطا من شعارات اليسار والليبراليين: تغيير.. عيش..حرية... عدالة اجتماعية. ثم أتت الانتخابات التي جاءت بعدها بقوي دينية محافظة, بما يعني أن هناك فجوة كبيرة بين من فجروا الثورات وفتحوا باب التغيير والحرية, وبين أصوات الناخبين التي ذهبت لمن لديهم القدرة علي تنظيم وتمويل حملاتهم الانتخابية, أيا كان مصدر هذا التمويل ومدي مشروعيته التي لم تنظر فيها السلطة في مصر ولم نسمع عن أي إجراء ضد الجمعيات الدينية التي تلقت جبالا من الأموال وخالفت القوانين بشأن استخدام الرموز والشعارات الدينية ودور العبادة في الدعاية الانتخابية, حيث ركزت السلطة فقط علي استهداف بعض الجمعيات الحقوقية التي ساهمت في إشاعة ثقافة حقوق الإنسان وكانت درعا للمجتمع في القضايا الكبري التي تم فيها انتهاك حقوق الإنسان. وهناك فارق بين حالة التقدم والتوازن بين القوي السياسية في تونس, وبين ما جري في مصر, والسبب الرئيسي أن السلطة هناك كانت في أيدي مدنيين أكثر كفاءة وعدلا من الناحية السياسية في إدارة المرحلة الانتقالية, بالمقارنة بالمجلس العسكري في مصر الذي أصر علي عدم نقل السلطة للمدنيين بصورة فورية, ولم ينجح في تحقيق أهداف الثورة بل أبقي النظام الاقتصادي-الاجتماعي القديم الظالم كما هو, وأدخل مصر في حالة ملتبسة بشأن أولويات بناء النظام الجديد وبشأن محاكمة الفاسدين وقتلة الثوار بصورة بطيئة ومن خلال أدلة وتحريات يقوم بها الجهاز الأمني القديم وقرارات اتهام تقدمها النيابة, كما أن السلطة بعد الثورة أبقت مصر أسيرة لعلاقات غير متكافئة مع الولاياتالمتحدة, التي يستمر النظام الجديد في قبول معونات عسكرية كبيرة منها بلا أي مبرر, خاصة وأن المنطق يشير إلي أن أي مساعدات عسكرية أمريكية لمصر لن يكون هدفها سوي محاولة اختراق الأمن القومي المصري, وإبقاء تسليح الجيش المصري أدني من تسليح الكيان الصهيوني. وتبلغ قيمة المساعدات الاقتصادية الأمريكية نحو115 مليون دولار, بينما تبلغ قيمة المساعدات العسكرية نحو1.2 مليار دولار, وهي مساعدات لا قيمة لها بالمقارنة مع حجم الناتج المحلي الإجمالي المصري. ومن الأكرم لقوة قائدة في إقليمها مثل مصر أن تستغني عن تلك المساعدات كلية, لتنهي شبكة المصالح المرتبطة بها والتي تتناقض مع الالتزامات الوطنية والقومية لمصر. وفي عام2011, ألهمت الثورة السلمية المصرية من أجل الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية, العالم ليثور ضد الاستغلال الرأسمالي والأنشطة الطفيلية, فانفجرت حركة احتلال وول ستريت, وحدثت موجات عارمة من الاحتجاجات في أوروبا والولاياتالمتحدة, وعادت الحيوية للقوي المناهضة للاستغلال الرأسمالي من خلال توفر دعم شعبي جديد وواسع النطاق لها, بينما في مصر هناك إصرار علي النموذج الرأسمالي الحر المنفلت من الرقابة والذي ادي لفساد مروع وكوارث مالية سواء في مصر أو في الخارج. وفي عام2011 انخفض النمو الاقتصادي العالمي إلي4%, بعد أن كان قد بلغ5.1% عام2010, وجاء الانخفاض أساسا من الدول المتقدمة التي تراجع النمو فيها من3.1% عام2010, إلي1.6% عام2011, وانخفض النمو في الولاياتالمتحدة من3% عام2010, إلي1.5% عام.2011 وشهدت اليابان زلزالا مدمرا نتج عنه موجات مد بحري هائلة ومدمرة تسونامي أدت لكارثة محطة فوكوشيما النووية, وأدخلت الاقتصاد الياباني في ركود عميق لينخفض معدل نموه من4% عام2010, إلي-(0.5%). وفي عام2011 تفاقمت الأزمات المالية الأوروبية ودخلت إيطاليا إلي نفق الأزمة, وتبدو منطقة اليورو مهددة باضطراب كبير إذا لم تظهر تضامنا حقيقيا لمعالجة أزمات بعض بلدانها, وتصحيح مسار اقتصاداتها عموما وموازينها الداخلية والخارجية. وتعتبر خطة البنك المركزي الأوروبي لإقراض483 مليار يورو للمؤسسات المالية والاقتصادية الخاصة في منطقة اليورو خطوة في هذا الاتجاه, وإن كانت خطط الإنقاذ المالي في تلك البلدان تتسم بالتحيز للطبقة الرأسمالية وتحميل الأعباء للطبقة الوسطي والفقراء بالأساس. وفي الدول العربية ارتفعت الإيرادات النفطية للدول العربية المصدرة للنفط بمقدار الثلث تقريبا أو بما يقترب من15 مليار دولار, بينما تشير الجامعة العربية إلي أن البلدان العربية التي شهدت ثورات أو انتفاضات قد خسرت نحو75 مليار دولار, وهي خسائر ناجمة عن الثورات المضادة والتدخلات الخارجية المدمرة كما في حالة ليبيا, وليس بسبب الثورات السلمية نفسها. وفي مصر انخفض النمو من5.1% عام2010, وفقا للتقديرات غير الدقيقة والمبالغ فيها للنظام الساقط, إلي1.2% عام.2011 وهذا الانخفاض حدث بسبب كوارث الثورة المضادة التي تشنها قيادات الحزب الوطني المنحل وأمن النظام السابق, وحالة من الانفلات الأمني المرتبطة بها. وبرغم تراجع النمو الاقتصادي العالمي, ارتفع معدل التضخم في الدول المتقدمة من1% عام2010, إلي1.9% عام2011, وفي الدول النامية من6.1% عام2010, إلي7.5% عام2011, بسبب ارتفاع أسعار النفط. وفي مصر تشير البيانات الرسمية إلي انخفاض معدل التضخم من11.7% عام2010, إلي11.1% عام2011, وإن كانت بيانات الموازنة العامة للدولة تتوقع ارتفاع معدل التضخم إلي أكثر من13% عام2011/.2012 وفي عام2011, تراجع عجز ميزان الحساب الجاري في مصر إلي1.9% من الناتج المحلي الإجمالي, مقارنة بعجز بلغ نحو2% من الناتج عام.2010 في عام2011, استنزفت مصر أكثر من16 مليار دولار من احتياطياتها من العملات الحرة بسبب سوء إدارة البنك المركزي للاحتياطي وعدم التعامل مع حالة الأزمة الاقتصادية التي أورثها لنا الديكتاتور الساقط مبارك وزادها سوءا الثورة المضادة لأعوانه. وعلي الصعيد الإقليمي شهد عام2011, انقسام السودان, وبدء دولة الجنوب في اللعب الخطير علي حبال التناقض بين العرب والكيان الصهيوني, حيث تحصل علي مساعدات مهمة من مصر, وتقيم علاقات استراتيجية مريبة مع تل أبيب. ومن الضروري الإشارة إلي أن تدفق مياه النيل من جنوب السودان إلي شماله وإلي مصر, هو قدر جغرافي لا فكاك منه للجنوب نتيجة لانحدار الأرض الذي يؤمن جريان النهر نحو الشمال, وأيضا نتيجة لطول موسم الأمطار في الجنوب وعدم حاجته للمياه التي تتدفق شمالا. وتكمن أهمية جنوب السودان في أنه الموقع الذي يمكن أن تقام فيه أهم مشروعات زيادة الإيرادات المائية لنهر النيل, وإن كانت مصر يمكن أن تستغني عن أي مشروعات خارجية جديدة لو تبنت مشروعا قوميا لتطوير التركيب المحصولي والتركيز علي المحاصيل الأقل شراهة للمياه, وأيضا لتطوير أساليب الري للتحول إلي الري بالرش والتنقيط في الزراعات التي يمكن تطبيق تلك الأساليب الموفرة للمياه فيها. وتجدر الإشارة إلي أن مصر تحصل علي قرابة85% من مياهها من إثيوبيا من خلال أنهار النيل الأزرق والعطبرة والسوباط, بينما يأتي نحو15% من هضبة البحيرات الاستوائية, ويمر نحو29 مليار متر مكعب من إيراد النيل من جنوب السودان وضمنها نهر السوباط الذي ينبع من جنوب الهضبة الإثيوبية, ويصل من تلك الكمية نحو24 مليار متر مكعب إلي أسوان بعد خصم فواقد البخر والتسرب, في حين يصل إيراد النيل المجمع لكل من مصر والسودان عند أسوان إلي نحو84 مليار متر مكعب سنويا في المتوسط. المزيد من مقالات أحمد السيد النجار