من غير المقبول أو المعقول أن تظل الصحافة القومية هائمة علي وجهها منذ أن تم تأميمها حتي الآن مثلها مثل الزوجة التعيسة البائسة التي تنتقل من زوج إلي آخر بدءا من الرئيس جمال عبدالناصر ومرورا بالسادات ومبارك وانتهاء بمرسي.. فكل رئيس يأتي يضعها هدفا للسيطرة عليها, ولا يألو جهدا لتحقيق هذا الغرض, وتجميل الصورة فلا مانع من الحديث عن الظروف والأحداث ومقتضيات الأوضاع, وغيرها من الإكليشيهات الثابتة والمحفوظة والمكررة لتحقيق هدف الاستحواذ والسيطرة. حدث هذا في كل العهود السابقة, وكان الأمل معقودا بعد ثورة52 يناير علي فك أسر الصحافة القومية وتركها لاصحابها إلا أن الإخوان حينما تولوا السلطة وقعوا في نفس الخطيئة وكرروا السيناريوهات السابقة في السيطرة والاستحواذ حتي وإن كان ذلك من خلال لجنة شكلية لتلقي الطلبات وإعلان الاسماء. عميد الصحافة المصرية وأبرز كتابها الساخرين علي الإطلاق الأستاذ أحمد رجب تنبه إلي تلك المأساة وكتب عدة تعليقات في زاويته الشهيرة1/2 كلمة مطالبا فيها الرئيس المؤقت عدلي منصور بفك أسر الصحافة القومية لتعود الصحافة القومية صحافة للشعب حرة مستقلة لان حرية الصحافة علي حد وصفه هي مرآة لحرية الناس. معركة حرية الصحافة تبدأ من التعديلات الدستورية التي تجري حاليا, وللأسف فقد تجاهلت لجنة العشرة معظم ما طالبت به الجماعة الصحفية سواء فيما يتعلق بالنص علي إلغاء الحبس في قضايا النشر, أو حظر إغلاق الصحف تحت أي مسمي, أو فك الاشتباك بين الصحافة القومية المملوكة للدولة ووسائل الإعلام الرسمية الأخري( الإذاعة والتليفزيون) من خلال إنشاء هيئة مستقلة لكل منهما, وغيرها من المطالب التي توحد خلفها كل أبناء المهنة غير أن التعديلات التي خرجت من لجنة العشرة تجاهلت معظم هذه المطالب, وكادت تسقط الصحافة من حساباتها متناسية أن حرية الصحافة هي المؤشر والترمومتر للديمقراطية في أية دولة, وان حرية الصحافة والإعلام لاتخص الصحفيين والإعلاميين وحدهم وإنما تخص كل المواطنين بلا استثناء. الغريب في الأمر انه لم يتم ترشيح الأستاذ فاروق جويدة ليكون ضمن لجنة الخمسين وهو الذي اتخذ موقفا صارما في اللجنة التأسيسية السابقة مفضلا الاستقالة منها عن الاستمرار فيها بعد أن استشعر عدم جدواها, وليس هذا فقط, بل إنه قدم استقالته كمستشار للرئيس السابق مرسي بعد أن تأكد من نهج الإخوان في الإقصاء والتكويش علي حساب الصالح العام. معركة التعديلات الدستورية هي المعركة الأهم بالنسبة للصحفيين الآن فهي التي سوف تحدد طبيعة القوانين التي سيتم إصدارها أو تعديلها بعد اجراء الانتخابات البرلمانية وعودة المؤسسات التشريعية لتعمل بشكل طبيعي, غير ان الدستور هو الأهم من كل المعارك الأخري, وليت الصحفيين جميعهم يركزون كل جهدهم علي تلك المعركة وفتح جسور الحوار مع لجنة الخمسين المقرر تشكيلها قريبا لتخرج النصوص كما يتمناها الصحفيون حتي لانقع تحت مقصلة ورحمة المجالس التشريعية المقبلة أيا كان انتماؤها الحزبي والسياسي. بعيدا عن معركة الدستور فقد كنت أتمني مضاعفة عدد أعضاء المجلس الأعلي للصحافة ليضم الأطياف الصحفية الأخري وعدم غلبة تيار واحد علي باقي التيارات ليكون هناك تمثيل نسبي عادل لكل الأطياف والآراء والصحف به, حتي لا نقع في خطيئة الإخوان الكبري بالسيطرة والاستحواذ لصالح تيار علي حساب باقي التيارات, ويتحول التغيير إلي لعبة كراسي موسيقية هدفها الاقصاء والتكويش والاستحواذ لصالح تيار بعينه ضد باقي التيارات. الصحافة هي مهنة الألوان والاطياف المتعددة, وفي تجربة الأستاذ هيكل في الأهرام النموذج والقدوة حينما أرسي ذلك المبدأ فكانت الأهرام تضم كل الاطياف بدءا بالإسلاميين( عبدالرحمن الشرقاوي, وبنت الشاطئ, وفهمي هويدي, ومصطفي محمود, ومرورا باليساريين لطفي الخولي, ومحمد سيد أحمد, ولويس عوض, وكذا ممن ينتمون إلي اليمين إحسان عبدالقدروس, وثروت إباظة, ونجيب محفوظ), وغيرهم من عمالقة الفكر والأدب والصحافة الذين تتباين انتماءاتهم الفكرية والسياسية, فهذه هي مهنة الصحافة لا تعرف اللون الواحد, ومن يحاول ان ينتهج تلك السياسة يكون الفشل مصيره, وحتي تلك الصحف التي تتبني أيدلوجية واحدة أو اتجاها واحدا تكون محدودة التأثير والتوزيع, ولايعرف النجاح لها طريقا وفي أغلب الاحيان تظهر ثم تختفي فجأة, وإن استمرت فاستمرارها والعدم سواء. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة