صحيح «متنًا وسندًا» ..7 آلاف حديث في موسوعة جامعة الأزهر    عاجل: أسعار الأضاحي 2024 في جميع المحافظات "أحجز من دلوقتي"    خطوات إصدار تصريح دخول مكة للأسرة المقيمة في حج 1445    عقوبة التأخر في سداد أقساط شقق الإسكان    أعمارهم تزيد عن 40 عاما..الجيش الإسرائيلي ينشئ كتيبة احتياطية    شيخ الأزهر يعزي الدكتور أسامة الحديدي في وفاة والدته    مجلس الوزراء يكشف تفاصيل مباحثات مصطفى مدبولي ونظيره الأردني اليوم    وزيرا خارجية اليمن والبحرين يبحثان في عدن التطورات الإقليمية    نجم برشلونة يغيب 3 أشهر إضافية    استخدم سلاحين وسدد بهما طعنات تسببت في الوفاة.. الإعدام لقاتل صديقه في السويس    10 سيارات إطفاء تواصل إخماد حريق «الإسكندرية للأدوية»    موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وموعد وقفة عرفات في السعودية وجميع الدول العربية    فتحي عبد الوهاب وشريف منير ويوسف الشريف يشاركان في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع الحلقة الجديدة عبر قناة الفجر الجزائرية    خالد الجندي: البعض يتوهم أن الإسلام بُنى على خمس فقط    محظورات الإحرام لحجاج بيت الله الحرام في حج 2024    طريقة عمل بسكوت الزبدة الدائب بمكونات متوفرة بالمنزل    «تليجراف» البريطانية: أسترازينيكا تسحب لقاح كورونا وضحايا يروون مأساتهم    الأمم المتحدة: نزوح نحو 100 ألف شخص من رفح الفلسطينية    حماة وطن: الاعتداء الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يتطلب وحدة الصف المصري    مواعيد قطارات المصيف الإسباني والدرجة الثالثة.. رحلة بأقل تكلفة    شروط الحصول على تأشيرة شنجن.. تتيح فرصة السفر ل27 دولة أوروبية    «الباشا» أول أعمال صابر الرباعي في الإنتاج الموسيقي    رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات يستعرض الحساب الختامي للموازنة    أسماء جلال تنضم لفيلم "فيها إيه يعني"    ننشر مذكرة دفاع حسين الشحات في اتهامه بالتعدي على محمد الشيبي (خاص)    "بعد اقترابه من حسم اللقب".. كم عدد ألقاب الهلال في الدوري السعودي؟    بالفيديو.. خالد الجندي: أركان الإسلام ليست خمس فقط    أمين الفتوى: الزوجة مطالبة برعاية البيت والولد والمال والعرض    بسبب رائحة غريبة.. طائرة ركاب تعود إلى فرانكفورت بعد إقلاعها    الرئيس السيسي يحذر من العواقب الإنسانية للعمليات الإسرائيلية في رفح الفلسطينية    رئيس الوزراء يتابع جهود إقامة مركز جوستاف روسي لعلاج الأورام في مصر    بنك التعمير والإسكان يحصد 5 جوائز عالمية في مجال قروض الشركات والتمويلات المشتركة    أوقاف شمال سيناء تعقد برنامج البناء الثقافي للأئمة والواعظات    مصطفى غريب يتسبب في إغلاق ميدان الإسماعيلية بسبب فيلم المستريحة    لمواليد برج العقرب والسرطان والحوت.. توقعات الأسبوع الثاني من مايو لأصحاب الأبراج المائية    «الهجرة» تكشف عن «صندوق طوارئ» لخدمة المصريين بالخارج في المواقف الصعبة    متحور كورونا الجديد «FLiRT» يرفع شعار «الجميع في خطر».. وهذه الفئات الأكثر عرضة للإصابة    محافظ الشرقية: الحرف اليدوية لها أهمية كبيرة في التراث المصري    قوات الدفاع الشعبى تنظم ندوات ولقاءات توعية وزيارات ميدانية للمشروعات لطلبة المدارس والجامعات    فصائل عراقية: قصفنا هدفا حيويا في إيلات بواسطة طائرتين مسيرتين    على معلول يحسم مصير بلعيد وعطية الله في الأهلي (خاص)    وزير الرياضة يلتقي سفير بيلاروسيا لبحث مجالات التعاون المشترك    بعد ظهورها مع إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز تعلق على تصدرها للتريند في 6 دول عربية    "الخشت" يستعرض زيادة التعاون بين جامعتي القاهرة والشارقة في المجالات البحثية والتعليمية    وزير الصحة: دور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تقديم الخدمات الطبية    محافظ الغربية يوجه بتسريع وتيرة العمل في المشروعات الجارية ومراعاة معايير الجودة    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    البورصة تخسر 5 مليارات جنيه في مستهل أخر جلسات الأسبوع    عبدالملك: تكاتف ودعم الإدارة والجماهير وراء صعود غزل المحلة للممتاز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدول الغنية تخرج خاسرة من معركة كوبنهاجن
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 12 - 2009

ثمة حقائق مهمة ينبغي أن تكون جزءا من وعي كل المصريين‏,‏ عندما يتجدد الحديث عن التغيرات المناخية في العالم‏,‏ خاصة بعد فشل قمة كوبنهاجن الأخيرة في تكتيل جهود المجتمع الدولي لمواجهة الآثار المتوقعة للتغيرات المناخية التي تتسارع علي نحو ينذر بوقوع كوارث ضخمة في عديد من بلدان العالم بينها مصر بسبب تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة بلايين الأطنان من الغازات الكربونية التي تطلقها الدول الصناعية‏,‏ تلوث الغلاف الجوي وتظل معلقة في طبقاته العليا‏,‏ لا تموت ولا تتبدد‏,‏ وتتسبب في ارتفاع درجة حرارة الكون‏,‏ وتنذر بوقوع كوارث بيئية ضخمة في أصقاع عديدة من كوكبنا الأرضي إن لم يتمكن المجتمع الدولي من إلزام هذه الدول خفض انبعاثاتها الكربونية بما يضمن ألا يزيد معدل ارتفاع درجة حرارة الأرض علي‏2‏ درجة مئوية بحلول عام‏2020.‏
‏*‏ أول هذه الحقائق أن هذه التغيرات التي نشهد مقدماتها الآن في ذوبان جليد القطبين بمعدلات عالية‏,‏ وتفاقم ظاهرتي التصحر والجفاف في مناطق عديدة من العالم علي حين تشتد الأعاصير والفيضانات في مناطق أخري‏,‏ واختفاء العديد من أنواع الحياة النباتية والحيوانية من سطح كوكبنا الأرضي‏,‏ تجاوزت أن تكون مجرد احتمالات يمكن أن تقع أو لا تقع لتصبح الآن حقائق علمية ثابتة ومؤكدة لا سبيل لإنكارها أو التنصل من مسئوليات مواجهة آثارها‏,‏ بل لعل تسارع هذه الظاهرات واتساع مداها عاما وراء عام علي نحو غير متوقع يؤكد للمتشككين أن هذه التغيرات في صورتها الكارثية التي تتجسد في ارتفاع مستويات المياه في البحار والمحيطات نتيجة ذوبان ثلوج القطبين وغرق مناطق ساحلية عديدة واختفاء مدن وجزر بأكملها ربما تستغرق زمنا أقل كثيرا من فترة الخمسين عاما التي يتوقعها العلماء‏.‏
‏*‏ وثاني هذه الحقائق أن مصر تدخل ضمن سبع وثمانين دولة هي الأكثر تضررا من تغيرات المناخ رغم أن انبعاثاتها الكربونية لا تتجاوز نصف في المائة من انبعاثات الدول الصناعية بسبب احتمالات ارتفاع مستوي مياه البحر المتوسط الذي يمكن أن يتسبب في غرق مساحات كبيرة من الساحل الشمالي غرب الاسكندرية وشرق بورسعيد وفي المناطق الأكثر انخفاضا من هذه السواحل‏,‏ ويؤدي إلي هلاك الزراعة في مساحة تتجاوز ثلث مساحة الدلتا نتيجة ملوحة الأراضي‏,‏ فضلا عن احتمال انخفاض إيراد نهر النيل بسبب ضعف الفيضانات نتيجة قلة سقوط الأمطار علي هضبة الحبشة‏,‏ الأمر الذي يلزم مصر ضرورة مضاعفة جهودها مع الدول النامية المتضررة من آثار التغيرات المناخية لإلزام الدول الصناعية خفض انبعاثاتها الكربونية وفق النسب الواردة في اتفاقية كيوتو التي صدقت عليها خمس وخمسون دولة تتجاوز انبعاثاتها أكثر من‏55%‏ من حجم انبعاثات الدول الصناعية باستثناء الولايات المتحدة التي ترفض توقيع هذه الاتفاقية‏,‏ وتحميل هذه الدول المسئولة عن التلوث تكاليف ما أحدثته من تلوث‏,‏ وإلزامها توفير التمويل اللازم لتنفيذ المشروعات التي تخفف من أعباء هذه الكوارث‏,‏ ونقل أساليب التكنولوجيا الحديثة التي تمكن الدول النامية من الحصول علي طاقة نظيفة‏,‏ وتعاونها علي التعامل مع الآثار الضارة لظاهرة تغير المناخ‏.‏
‏*‏ وثالث هذه الحقائق أن مصر تواجه بسبب هذه التغيرات تحديا هائلا يصل إلي حد أن يكون تحديا وجوديا يكاد يكون الأخطر علي طول تاريخها‏,‏ لا سبيل إلي ارجائه أو اهماله انتظارا للغد أو أملا في عون الآخرين‏,‏ يتطلب حشد كل طاقاتها في مشروع وطني ضخم ينبغي أن يحظي بأولوية مسبقة تسبق كل الأولويات الوطنية والقومية بما في ذلك أزمة الشرق الأوسط‏,‏ ويتجاوز اجراءات تشكيل لجان الدراسة والبحث إلي تنفيذ خطة انقاذ وطني لتخفيف الآثار الكارثية المتوقعة إن لم يكن من الممكن تفاديها وتطوير القدرات الوطنية بما يمكنها من مواجهة هذه الآثار الكارثية بعمل علمي منظم علي كل المستويات‏,‏ يستهدف تأهيل القدرة المصرية لتحسين كفاءة الطاقة النظيفة والمتجددة وزيادتها علي نحو منتظم‏,‏ لتتجاوز‏20%‏ من حجم الطاقة المستخدمة في مصر بحلول عام‏2020,‏ وترشيد استخدام المياه والكهرباء وتقليل مصادر التلوث‏,‏ وتطوير محاصيل زراعية جديدة بدلا من المحاصيل الراهنة‏,‏ قادرة علي تحمل ظروف المناخ القاسية التي يفرضها نقص المياه وملوحة التربة وازدياد درجة الحرارة وكلها أخطار متوقعة‏.‏
يواكب ذلك التزام مصري صارم بالحفاظ علي بروتوكول كيوتو الذي يحدد حجم الخفض المطلوب في الانبعاثات الكربونية للدول الصناعية ورفض محاولات تغييره أو تجميده أو تفريغه من مضمونه من جانب الدول الصناعية‏,‏ والاصطفاف كتفا إلي كتف مع الدول النامية لإلزام الدول المتقدمة خفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري بنسب لا تقل عن‏40%‏ بحلول عام‏2020‏ ترتفع إلي‏80%‏ بحلول عام‏2050‏ كما أقرت اتفاقية كيوتو من أجل تحقيق قدر من استقرار الغلاف الجوي‏,‏ لا يسمح بألا تزيد معدل ارتفاع درجة حرارة الأرض علي‏2‏ درجة مئوية‏.‏
والحق أن الوفد المصري في مؤتمر المناخ برئاسة الوزير ماجد جورج‏,‏ رغم هنات صغيرة أدي مهمته في متابعة ما يجري داخل المؤتمر علي نحو جاد ومتميز‏,‏ وواصل تنسيق مواقفه مع الدول الافريقية والدول النامية بكفاءة عالية رافضا أي تعديل أو تجميد لاتفاق كيوتو رغم اغراءات عديدة من بعض الدول الصناعية كانت تود لو أن مصر أصبحت المدخل إلي تغيير مواقف بعض الدول الافريقية‏,‏ وبرغم أن الوفد المشكل من‏40‏ عضوا من كل الوزارات والمؤسسات المعنية لم تتهيأ له فرصة تنسيق عمله اليومي في كوبنهاجن لإفتقار الوفد إلي مقر لاجتماعاته داخل المؤتمر المزدحم بوفود حكومية وشعبية عديدة إلا أن الوفد المصري كان علي مستوي المسئولية في رفض كل صور الاغراء‏,‏ والتزامه بعدم قبول أي اتفاق ضعيف أو شكلي يحفظ ماء وجه الدول الغنية ويورط الدول النامية في مواقف يصعب التحلل منها حتي لو أدي الأمر إلي فشل قمة كوبنهاجن‏,‏ لأن فشل كوبنهاجن ربما يكون أفضل كثيرا من التوصل إلي اتفاق مجحف وغير عادل يلزم الدول النامية بما لا تستطيع النهوض به خاصة أن كل المؤشرات تؤكد التزام الدول النامية ابتداء من افتتاح المؤتمر إلي نهاية أعماله موقفا واحدا يصر أولا علي مواصلة العمل باتفاق كيوتو مع اضافة بعض البنود والملاحق تحدد التزامات الدول الغنية بدلا من محاولة انجاز اتفاق دولي جديد ربما يصعب الوصول إليه قبل انعقاد مؤتمر المكسيك في يناير القادم‏,‏ ويؤكد ثانيا ضرورة دعم قدرات الدول النامية علي التكيف مع تداعيات تغيرات المناخ من خلال جهد عالمي ملموس يقرن الأقوال بالأفعال‏,‏ ويخصص الموارد الكافية واللازمة لمواجهة هذه الآثار مع الاقرار بأولوية التهديدات الأكثر إلحاحا خاصة في الدول الافريقية‏,‏ ويلتزم ثالثا بضرورة انشاء آليات فعالة لتوفير موارد تمويل دولية اضافية وجديدة تساعد علي نقل التكنولوجيا إلي الدول النامية وبناء قدراتها بما يمكنها من مواجهة التحديات الصعبة‏,‏ وتوفير الآلية اللازمة لمراجعة وتقييم ما تقرر من تدابير للتأكد من مدي وفاء كل الأطراف بتعهداتها والتزاماتها‏.‏
صحيح أن الوفد المصري كان يفضل لو أن جسور الحوار لم تنقطع في مؤتمر كوبنهاجن بين الدول الغنية والدول النامية وتمكن الجميع من الوصول إلي توافق دولي في مواجهة هذه المخاطر‏,‏ لكن ما باليد حيلة‏,‏ خاصة بعد أن بات واضحا للجميع أن الدول الصناعية تريد التحلل من اتفاقية كيوتو التي تحدد بدقة التزاماتها في المديين المتوسط والقريب لصالح اتفاقية جديدة طويلة الأمد يصعب ضبط التزامات الأطراف المعنية ببنودها‏.‏
والمدهش في مؤتمر كوبنهاجن أنه لم يكد يجتمع حتي وقع الانقسام العريض بين كتلتي الدول النامية والدول الغنية ابتداء من اليوم الثاني لانعقاد المؤتمر‏,‏ رغم الاجتماعات التمهيدية التي سبقت مؤتمر كوبنهاجن‏,‏ وتجسد هذا الانقسام في فريقين‏,‏ أولهما فريق العمل الخاص ببروتوكول كيوتو الذي يرفض تجميد هذا الاتفاق الذي يلزم الدول الصناعية بإعلان نسب خفض محددة في انبعاثاتها الكربونية ويطالبها بتقديم العون المادي للدول النامية‏,‏ ويتشكل أساسا من مجموعة الدول السبع والسبعين بينها الصين إضافة إلي الدول الافريقية‏,‏ وفريق الدول الصناعية المتقدمة الذي يمارس ضغوطه علي باقي أعضاء المؤتمر من أجل تخفيف التزاماته الواردة في بروتوكول كيوتو واستبدالها إذا استطاع باتفاقية طويلة الأجل تؤكد أهمية مشاركة الجميع بما في ذلك الدول النامية في خفض نسب الانبعاثات الكربونية‏,‏ ويرفض الاعتراف بالمسئولية التاريخية للدول الصناعية عن حجم التلوث الضخم الذي حدث في الغلاف الجوي منذ بداية الثورة الصناعية‏,‏ ويصر علي ربط معوناته للدول النامية لتخفيف آثار التغيرات المناخية بما يؤكد التزامها بتنفيذ نسب الخفض المطلوبة منها حتي إن كان خفضا طوعيا‏.‏
كان المفروض أن تتولي وزيرة البيئة الدنماركية كوني هيرجرد رئيسة المؤتمر التنسيق بين الفريقين ومحاولة التوفيق بينهما والخروج بورقة عمل جديدة تصلح أساسا قانونيا لاتفاقية جديدة تلزم كل الأطراف‏,‏ لكن الشكوك المتبادلة بين الفريقين أوصلت المؤتمر منذ يومه الثاني إلي حائط مسدود عندما اتهمت الدول الافريقية رئيسة المؤتمر بأنها ضالعة في مخطط يستهدف تقويض اتفاقية كيوتو بتجاهلها الكامل لمشروع متكامل قدمته مجموعة السبع والسبعين التي تتشكل أساسا من الدول النامية بالإضافة إلي الصين بعد ليلة عمل طويلة واصل فيها ممثلو المجموعة السهر‏.‏
حتي السابعة صباحا‏,‏ وإعلانها عن مشروع مفاجيء يختلف تماما عن مشروع الدول النامية لايعرف أحد علي وجه التحديد من الذي قدمه الأمر الذي أدي الي انسحاب المجموعة الافريقية من المؤتمر وتوقف أعماله لعدة ساعات‏.‏
وبرغم نجاح جهود دول عديدة بينها مصر في إقناع الدول الافريقية بالعودة للمؤتمر إلا أن تباعد الخلاف بين مجموعتي العمل اللتين تمثلان الدول النامية والدول الغنية أدي الي شلل أعمال المؤتمر وتوقف اجتماعاته باستثناء إلقاء رؤساء الدول لكلماتهم في الاجتماعات العلنية‏,‏ علي حين نشطت في كواليس المؤتمر ألاعيب سياسية عديدة استهدفت تقويض وحدة الموقف الافريقي عندما نجح الرئيس الفرنسي ساركوزي في إقناع الرئيس الاثيوبي ميليس زيناوي الذي كان يتحدث باسم الدول الافريقية بالتوقيع علي بيان إثيوبي فرنسي مشترك يمثل حلا وسطا‏,‏ اعتبره الافارقة خرقا لوحدة الموقف الافريقي‏,‏ والزموا الرئيس الاثيوبي بالعودة عن اتفاقه‏,‏ كما شملت الألاعيب السياسية محاولة التفرقة بين الصين الدولة الناهضة التي ينمو اقتصادها بمعدلات هي الأسرع والأعلي بين دول العالم ويقف اقتصادها في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة ويتزايد استخدامها للطاقة بمعدل يكاد يصل الي‏15%‏ سنويا‏,‏ وتكاد تتساوي مع الولايات المتحدة في مسئولية تلويث الغلاف الجوي بنسب تزيد علي‏20%‏ تتزايد عاما وراء عام‏,‏ وبين مجموعة الدول السبع والسبعين التي تنتمي جميعها الي العالم الثالث ولاتكاد نسبة إسهامها في تلوث الغلاف الجوي تتجاوز‏13%‏ ويتحمل معظمها مخاطر الآثار المدمرة للتغيرات المناخية خاصة في افريقيا التي تعاني التصحر والجفاف‏.‏
لكن محاولات الفصل بين موقف الصين والدول النامية باءت جميعها بالفشل الذريع لشدة الارتباط بين الموقفين‏,‏ الصين تجد في انتمائها الي مجموعة السبع والسبعين مظلة تمكنها من الانتفاع بمزايا اتفاق كيوتو الذي لايلزم الدول النامية بأي خفض اجباري في انبعاثات الغازات الكربونية لشدة حاجتها الي التنمية إلا أن يكون الخفض طوعيا‏,‏ والقوة التفاوضية لمجموعة الدول السبع والسبعين في غيبة الصين تضعف الي حد لايمكنها من الحصول علي حقوقها المشروعة‏,‏ خاصة مع تمسك الدول الصناعية بضرورة التزام الدول النامية بخفض مؤثر في انبعاثاتها الكربونية الأمر الذي يؤثر سلبيا علي مشروعاتها التنموية‏,‏ الربط بين الالتزام بهذا الخفض والمعونات لمساعدة الدول النامية علي التكيف مع الآثار السلبية للتغيرات المناخية‏.‏
وعلي الناحية الأخري تمثلت تكتيكات الدول النامية والصين في تأكيد ثبات جوهر الموقف الأمريكي من مصالح الدول النامية والصغيرة الذي لم يتغير في جوهره مع مجيء باراك أوباما للبيت الأبيض‏,‏ وأنه لا فارق بالمرة بين إدارة بوش وإدارة أوباما في معالجة أزمة تغير المناخ كما كان يتوقع سوي كلمات أوباما ووعوده البراقة التي سرعان ماتتبخر دخانا في الهواء‏,‏ لأن أمريكا أوباما شأنها شأن أمريكا بوش لاتزال ترفض التوقيع علي اتفاقية كيوتو وتسعي الي التحلل من التزاماتها وتفعل كل ماتستطيع من أجل خفض التزاماتها في أي اتفاقية جديدة الي الحد الأدني‏.‏
وكما شهدت كواليس مؤتمر كوبنهاجن ألاعيب سياسية كبيرة تمثلت في محاولة شق وحدة الصف الأفريقي أو التفرقة بين الصين ومجموعة السبع والسبعين شهدت كواليس المؤتمر أيضا ألا عيب سياسية صغيرة‏,‏ يتعلق معظمها بشكوي العديد من البعثات من غياب الديمقراطية والشفافية في أعمال المؤتمر من جانب رئاسته وسكرتاريته التي لم تحرص علي توحيد الإجراءات بين جميع البعثات‏,‏ وكثيرا ما كانت تفاجيء الجميع بنصوص مقترحة يتم عرضها علي المؤتمر لم تتقدم بها لجان العمل المعنية دون أن يعرف أحد من الذي قدمها‏,‏ إضافة الي تغيب نصوص أخري سهرت اللجان في إعدادها حتي الصباح لكنها لم تعرض علي المؤتمر‏,‏ فضلا عن فوضي حضور اللجان بحجة شدة الزحام وصعوبة إجراءات الأمن نظرا لارتفاع عدد المشاركين الي عشرين ألفا‏..‏ الي حد أن وزير البيئة الصيني منع من الدخول الي قاعة الاجتماع ثلاث مرات وتم سحب بطاقته في إحداها‏..‏ كما منع رئيس الوفد البرازيلي وكذلك اشتكت الهند من فوضي الدخول الي قاعات اللجان‏,‏ ولأن معظم الشكاوي جاءت من معسكر الدول النامية فقد تم تفسير الأمر علي أنه عمل مخطط مقصود يستهدف وضع العقبات أمام بعض البعثات‏.‏
وبرغم الانقسام العريض الذي أحال المؤتمر الي كتلتين متقابلتين تعذر وصولهما الي اتفاق مشترك إلا أن أحدا لايستطيع أن يغفل عن أن اللاعبين الأساسيين في حلبة الصراع هما‏:‏ الصين والولايات المتحدة‏,‏ ومنذ أخفقت مباحثات الرئيسين الأمريكي أوباما والصيني جياباو في بكين خلال الشهر الماضي في الوصول الي موقف مشترك من قضية تغيرات المناخ‏,‏ اعتقد كثيرون أن فرص نجاح مؤتمر كوبنهاجن سوف تكون ضئيلة للغاية بما في ذلك الدانمارك التي سارعت الي عقد مؤتمر مصغر ضم ثماني وأربعين دولة مختارة بعناية تمثل عينة متكاملة للأمم المتحدة اجتمعت في كوبنهاجن قبل انعقاد مؤتمر المناخ بأسبوعين‏,‏ وانتهت في توصياتها الي أن مؤتمر كوبنهاجن لن يسفر عن اتفاقية جديدة يلتزم بها جميع الأعضاء تحل محل بروتوكول كيوتو لتباعد المسافات بين الدول النامية والدول الغنية وأن غاية مايمكن الوصول إليه في أفضل الأحوال وسط استمرار الخلاف الصيني الأمريكي هو إعلان مباديء يصدر عن مؤتمر كوبنهاجن ينطوي علي عدد من الخطوط العريضة التي تصلح أساسا لاتفاقية قانونية يجري التفاوض بشأنها لستة أشهر بعد انتهاء المؤتمر بحيث يتم إقرار الاتفاقية في مؤتمر جديد يعقد في المكسيك خلال ديسمبر القادم‏,‏ شريطة حدوث مصالحة صينية أمريكية تقرب مواقف الطرفين‏.‏
ومع احترامي الكامل لكل اللاعبين علي حلبة الصراع سوف تظل مشكلة التغيرات المناخية رهنا باتفاق صيني أمريكي لايبدو أن الطرفين جاهزان لإقراره الآن لاختلاف واسع بين الدولتين في المصالح والرؤي يباعد بين موقفيهما رغم أن الدولتين مسئولتان وبشكل متساو عن الكمية الكبري من الانبعاثات الكربونية التي تلوث الغلاف الجوي‏20%‏ لكل منهما يليهما الاتحاد الأوروبي‏13%‏ والدول النامية‏10%‏ والهند‏5%.‏
‏*‏ فالولايات المتحدة تنظر الي الصين باعتبارها أكبر طرف دولي مسئول عن تلويث الغلاف الجوي بانبعاثات كربونية سوف يزداد حجمها في المستقبل القريب‏,‏ وأن إعفاء الصين من الالتزام بحصص خفض مقننة شأنها شأن الدول الصناعية باعتبارها جزءا من الدول النامية هو مغالطة كبيرة‏,‏ لأن الصين يتزايد استهلاكها من الطاقة بمعدل سنوي يربو علي‏15%‏ ويتوقع الخبراء أن تزيد حجم انبعاثاتها الكربونية علي حجم الانبعاثات الأمريكية بنسبة تصل الي‏60%‏ قبل عام‏2020,‏ كما أن التزام الصين الطوعي بالخفض الذي أعلنه الرئيس الصيني في مؤتمر كوبنهاجن رغم أنه أكبر كثيرا من حجم الخفض الذي أعلنه الرئيس الأمريكي أوباما إلا أن الخفض الصيني الطوعي يظل في حاجة الي آلية واضحة شفافة تتثبت من صحة هذا الخفض ووقوعه‏,‏ كما أن أية اتفاقية للمناخ لاتدخل فيها الصين طرفا مسئولا تصبح في عرف الأمريكيين اتفاقية ناقصة‏,‏ ولهذا السبب تري واشنطن ضرورة استبدال بروتوكول كيوتو باتفاقية طويلة الأجل يلتزم فيها الجميع بخفض انبعاثاتهم الكربونية علي قدم المساواة‏.‏
والصينيون يرون أن الصين رغم معدلات النمو المتزايدة التي حققتها خلال العقود الثلاثة الأخيرة لاتزال دولة نامية حيث لايتعدي دخل الفرد الصيني ثلاثة آلاف دولار‏,‏ كما أن في الصين أكثر من مائة وخمسين مليون مواطن لايزالون تحت خط الفقر‏.‏
ومن الظلم الفادح مساواة مسئولية الصين عن الانبعاثات الكربونية التي لم تتحسن معدلات تنميتها إلا في الأعوام الثلاثين الأخيرة بمسئولية الولايات المتحدة والدول الصناعية المسئولة عن‏80%‏ من حجم الانبعاثات الكربونية علي امتداد مائتي عام منذ بداية الثورة الصناعية وحتي الآن‏,‏ كما أن من الإجحاف الشديد أن تطلب الدول الغنية من الدول النامية خفض انبعاثاتها الكربونية علي قدم المساواة بما يعيق خطط التنمية في هذه الدول ويمنعها من العمل علي تحسين أحوال مواطنيها خاصة أن العالم النامي لايزال يعج ب‏4.2‏ بليون نسمة يعتمدون علي الفحم في توليد الطاقة الكهربائية كما أن هناك أكثر من‏6.1‏ بليون نسمة لم تصلهم الكهرباء‏,‏ ومن واجب الدول المتقدمة أن تساعد هؤلاء علي استخدام أساليب التكنولوجيا الحديثة التي تمكنهم من توليد طاقة نظيفة وتعاونهم علي مواجهة الآثار الصعبة لتغيرات المناخ‏,‏ وجوهر المشكلة الحقيقي كما تراه الصين أن الدول الصناعية لم تلتزم بخفض الانبعاثات الكربونية التي حددها بروتوكول كيوتو حتي عام‏2012‏ ولهذا السبب يتزايد حجم انبعاثاتها الكربونية بدلا من أن تقل‏,‏ وما لم تكن هناك آلية شفافة تستند الي وضع مؤسسي معترف به تتأكد من صحة أرقام الخفض فسوف يظل كوكبنا الأرضي في خطر بالغ‏.‏
وفي إطار هذا الصراع وضع مؤتمر كوبنهاجن الرئيس الأمريكي أوباما في وضع بالغ الحرج لأن خطابه القصير الي المؤتمر الذي ألقاه فور ظهوره المفاجيء علي منصة المؤتمر التي دخلها من باب جانبي دون أن يشارك الرؤساء المائة والعشرين جلوسهم في قاعة المؤتمر‏,‏ كشف هذا الخطاب حجم الفارق الضخم بين رغبة أوباما في معالجة معظم القضايا العالمية وحقائق السياسة الأمريكية في واقعها اليومي‏,‏ كما إن الوعد الذي قدمه الرئيس أوباما الي المؤتمر بتخفيض الانبعاثات الكربونية بنسبة‏17%‏ حتي عام‏2020‏ استنادا الي عام‏2005‏ كسنة أساس كان عرضا متواضعا للغاية قياسا علي العرض الذي قدمه الاتحاد الأوروبي بخفض انبعاثاته الكربونية بنسبة‏20%‏ يمكن أن ترتفع الي‏30%‏ تحت مستويات عام‏1999‏ وليس عام‏2005‏ كما اقترح العرض الأمريكي‏,‏ قياسا علي العرض الصيني الذي بدا أكثر سخاء بكثير من عرض الرئيس الأمريكي أوباما‏.‏
وبسبب هذه التداعيات فشل أوباما في إغلاق الفجوة بين الدول الصناعية والدول النامية كما كان يأمل كثيرون لأنه جاء الي كوبنهاجن مقيد القرار بسبب سلطات الكونجرس التي تتحكم في السياسات الاقتصادية الأمريكية بأكثر من البيت الأبيض وبسبب حدة الأزمة الاقتصادية العالمية التي لاتزال تعتصر الاقتصاد الأمريكي وبسبب حاجته الي ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين والجمهوريين لإقرار أية اتفاقيات جديدة تلتزم بها الولايات المتحدة‏,‏ بينما الجمهوريون يقفون له بالمرصاد‏.‏
وبالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها الرئيس الأمريكي أوباما في آخر أيام المؤتمر يعاونه الرئيس الفرنسي ساركوزي وعدد من رؤساء الدول لإصدار إعلان سياسي عن مؤتمر كوبنهاجن يلتزم بعض خطوط الأساس التي يمكن أن توافق عليها بعض الدول النامية ينقذ ماء وجه الجميع‏,‏ جاءت اعتراضات عدد من دول أمريكا اللاتينية علي الإعلان المقترح في آخر لحظة لتنسف كل جهود الرئيس الأمريكي الذي غادر كوبنهاجن بعد منتصف الليل تلاحقه سخريات الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز الذي وصف دخول أوباما قاعة المؤتمر بأنه جاء من تحت عقب الباب ليقول كلاما لايثمن ولايغني من جوع‏,‏ غادر أوباما كوبنهاجن تلاحقه خيبة أمل كبيرة‏,‏ بينما الغموض يحاصر جهود الأمم المتحدة لمواجهة آثار تغيرات المناخ التي تتسارع وتهدد عالمنا بمخاطر كارثية تبدو واضحة لكل العيان في ذوبان ثلوج القطبين بمعدلات أكبر كثيرا وتزايد موجات العواصف والجفاف والفيضانات والتصحر في بقاع عديدة من عالمنا علي نحو غير مسبوق‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.