في أوقات عصيبة قرروا التخلص من حياتهم في صمت, تاركين وراءهم تساؤلات عديدة وقلوبا حائرة لا تعرف كيف تواجه الحياة بعدهم, إنهم أشخاص فشلوا في إيجاد حلول إيجابية لمشكلاتهم الاقتصادية أو الاجتماعية, وأنهوا حياتهم إما شنقا أو بتناول السم أو بإطلاق الرصاص والنتيجة قاسية علي أسرهم تحقيقات الأهرام رصدت منذ بداية شهر رمضان حتي الآن20 حالة انتحار لأسباب مختلفة..الخبراء يؤكدون ان الرغبة في التخلص من الحياة غير مرتبطة بوقت معين وانها يمكن ان تحدث حتي في رمضان الدكتورة سامية الساعاتي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمستقول إن الانتحار مرتبط دائما بعدم قدرة الشخص علي تحمل ما يقابله من صعوبات مالية أو أزمات عاطفية, خاصة أن طبقات المجتمع الآن أصبحت تعاني من مشكلات مادية في الوقت الذي أصبحت فية الطبقة الدنيا تواجه أزمات متلاحقة بسبب الجانب المادي. وتضيف أن قماشة الشخصية تتفاوت من شخص لآخر حيث إن كل فرد يتميز بقدرته علي تقبل أزمات الحياة, وآخر لا يعرف مواجهة أعبائها, لذلك فإن الرضا من دعائم التوازن للشخصية, كما أن الشخصية الضعيفة تنحني أمام أي مشكلة ولو بسيطة لعدم قدرتها علي حل المشكلات. وتؤكد أستاذ علم الاجتماع أن الانتحار يأتي بعد تراكمات ومشكلات عديدة وقديمة تختزن داخل الفرد ثم تظهر في لحظة معينة, فتقضي علي شخصية الإنسان, وتجعله يضيق بالحياة وتقوده إلي الانتحار. وتشير الدكتورة سامية إلي أن دور الوالدين مهم جدا في التنشئة الاجتماعية, ويجب أن يحتوي الوالدان أبناءهما باستمرار, حتي لا يشعروا أنهم في عزله واغتراب عن الواقع. وتري الساعاتي أن الشخص المنتحر يكشف عن حقيقة شخصيته الجبانة التي تخشي مواجهة الواقع, ولم يهتم بكيفية حل مشكلاته, وأنهي حياته بطريقة محرمة وغير إنسانية. الدكتور محمد وهدان أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهريقول إن الانتحار جريمة بشعة حذر منها الإسلام, وطالبنا الرسول بالصبر وأن نتجمل بالحلم, وأن ندعو الله ولا نيأس من الحياة مهما زادت مشكلاتنا وضغوط الحياة. وأوضح أن المؤمن عندما يواجه ظروفا صعبة عليه أن يصبر, حتي إنه لا يفك الكرب إلا الدعاء لقول الله في كتابه العزيز ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك علي الله يسير, لكيلا تأسوا علي ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم, والله لا يحب كل مختال فخور. وأكد أستاذ الدراسات الإسلامية أن الابتلاء ليس غضبا من الله علي الإنسان, وذلك لحديث الرسول عليه السلام إذا أحب الله عبدا صب غليه البلاء صبا وسحه عليه سحا, فإذا دعا العبد بإخلاص, قال جبريل يا رب إن عبدك فلانا يدعوك, وأنت أعلم به منا فيقول أرحم الراحمين دعني يا جبريل فإني أحب أن أسمع صوت عبدي وهو يدعوني, ويقول المولي عز وجل يا عبدي إنك ما دعوتني دعوة إلا استجبتها لك في الدنيا, أو ادخرتها لك في الآخرة, أو دفعت عنك بها بلاء لا تعلمه. ويظل السؤال المطروح, ما حكم الشريعة الإسلامية في هؤلاء الأشخاص ؟ويقول الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوي الأسبقإنه لا يجوز تحت أي ظرف أن يقدم أي فرد علي الانتحار عن طريق أي وسيلةسواء كانت الخنق أو الحرق أو القتل, لأن الانتحار هو قنوط من رحمة الله, ولا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون. وأوضح الأطرش أنه لا يجوز تسمية المنتحر سواء كان الانتحار نتيجة ضيق مالي أو تذمر من الأحوال الاقتصادية والسياسية أو خلافات أسرية ب الشهيد, فهو في النهاية كافر. ورفض الأطرش فكرة اللجوء إلي الانتحار حتي لو تفشي الفساد في البلاد, أو الضيق من الحكام, فقد قال عبد الله بن عمر إذا كان الإمام عادلا فله الأجر وعليك الشكر, وإذا كان الإمام جائرا فله الوزر وعليك الصبر ولقول النبي صلي الله عليه وسلم:من قتل نفسه بحديدة فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن شرب سما فقتل نفسه, فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن تردي من جبل فقتل نفسه, فهو يتردي في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.رواه البخاري ومسلم. وأكد الأطرش أن هذا يدل علي أن قتل المرء نفسهكبيرة من أعظم الكبائر وجريمة من أشر الجرائم, وأنه سبب للخلود في نار جهنم, وأن من يبادر إلي الانتحار وإزهاق روحه وإتلاف نفسه فقد ارتكب كبيرة من الكبائر, خاصة إذا كان في شهر رمضانالذي يتقرب المسلمون من الله فيه بالحسنات ويبتعدون عن السيئات. ويقول الدكتور رشاد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية ونائب رئيس جامعة حلوان, عندما تزداد المشكلات, ويعجز عن مواجهتها, وتضعف الجوانب الدينية لدي الفرد تكون الرغبة ملحة للانتحار. ويضيف أن الأسرة التي تربي أبناءها علي التنشئة الاجتماعية السليمة وتدعم أفرادها من مخاطر الوحدة توفر لهم الأمان دائما, خاصة مع تزايد مظاهر الأنانية والتمركز حول الذات كل هذه العوامل يتزايد فيها الميل الي الانتحار للرغبة في إنهاء المشكلات بطريقة سلبية. ويحدد الدكتور رشاد عدة طرق لمواجهة المنتحرين وهي التوعية بدور العبادة من خلال متخصص اجتماعي يستطيع الاستماع إلي أفراد المجتمع بمعني إن الناس تحتاج إلي فضفضة عن طريق الجمعيات الأهلية ودور المجتمع المدني, أو الوزارات الداعمة لاحتياجات المجتمع. ويكشف عن أن المنتحر هو شخص سلبت إرادته فلم يجد للحياة معني, لكنه وجد المعني في الموت, لأنه امتداد لحياة الآخرين, كما أن المنتحر ليس جبانا لكنه وصل إلي درجة لم يجد فيها الأمان, وأن حياته عبء عليه وبالتالي لم يجد من يمد له يد العون. ويوضح د. رشاد أن المنتحر ليس إنسانا كسولا, ولكنه بذل جهدا وبدلا من أن يثاب عليه وجد احتقارا من المجتمع ولم يستطع أن يواجهه, لأن المجتمع أقوي منه وبالتالي فضل الانسحاب من هذا المجتمع, لذلك يمكن أن نطلق علي المنتحر أن شخصيته سلبية أو غير متوافقة مع المجتمع, وإرادته ضعيفة لم تؤمن بإرادة الله وأن الله قادر علي التغيير. ويشير إلي أن الناس يحتاجون إلي من يربت علي كتفهم ويلتقطهم من مشكلاتهم ويأخذ بأيديهم وهذه أسس للإقلال من الانتحار. وتريالدكتورة آمنة نصير, أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة الأزهرأن غياب العدل الاجتماعي من أهم الأسباب التي تدفع الشباب الي الانتحار, وذلك لأن الشباب دائما متطلع للبناء والمستقبل, وله احتياجاته التي تلح عليه أن ينفذها, منها الأموال التي تساعده علي الزواج, فلا يستطيع توفيرها لأنه لا توجد فرصة العمل المناسبة التي توفر له ذلك. ويريالدكتور أحمد عبدالله, أستاذ الطب النفسيأن المنتحر يصل الي نقطة يكون خلالها متأكدا أنه ليس هناك أمل في الحياة والمستقبل, ويصبح كل شيء أمامه أسود, مع شعوره أنه ليس هناك أحد بجانبه يساعده علي حل المشكلات التي يعاني منها, والتي تدفعه للتخلص من حياته.