في حياة المسلمين أيام خالدة لا يزال التاريخ يقف أمامها مزهوا شامخا.. أيام غيرت وجه الحياة وحولت مسار البشرية إلي الحق والعدل والخير. القرآن الكريم تحدث عن العديد من تلك الأيام الخالدة, وأبرز أثرها في حياة المسلمين خاصة, وفضلها علي البشرية عامة. أيام إذا ذكرت حق لكل مسلم أن يرفع رأسه عاليا مستشعرا كرامته وعزته, ووجب عليه أن يستلهم منها العبرة والزاد, ليواصل انطلاقه في عمارة الأرض, ويستعيد لوطنه وأمته ريادتها لأمم الأرض تقدما وأمنا وسلاما. وقد اختص الله عز وجل شهر رمضان بالكثير من الأيام الخالدة, والأحداث العظيمة التي نقلت البشرية كلها من ظلام الشرك والأنانية والظلم والاستعباد إلي نور الإيمان والإيثار والعدل والمساواة والحرية. ففي شهر رمضان أنزل الله تعالي القرآن الكريم علي قلب رسوله صلي الله عليه وسلم لهداية الناس إلي الحق وعبادة الله تعالي وحده.. كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلي النور بإذن ربهم إلي صراط العزيز الحميد. وفي اليوم العاشر من رمضان السادس من أكتوبر من العام1973 قهر جيش مصر الذي وصف الرسول صلي الله عليه وسلم رجاله بأنهم خير أجناد الأرض جيش إسرائيل الذي زعموا كثيرا أنه لا يقهر, فإذا بجنوده يتساقطون في حرب رمضان أفواجا بين قتيل وأسير. وفي اليوم السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة النبوية الشريفة انتصر المسلمون في غزوة بدربقيادة رسول الله صلي الله عليه وسلم علي المشركين الذين عذبوهم في مكةالمكرمة, وآذوهم في أموالهم وأنفسهم وأهليهم, وأخرجوهم من ديارهم, واغتصبوا حقوقهم. وتحدث القرآن الكريم عن تلك الغزوة في آيات عديدة.. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله علي نصرهم لقدير.. ويسجل القرآن الكريم أن الملائكة كانوا يحاربون إلي جوار المؤمنين.. إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملآئكة مردفين. وفي يوم العشرين من رمضان علي الأرجح من العام الثامن للهجرة النبوية الشريفة فتح المسلمون بقيادة رسول الله صلي الله عليه وسلم مكةالمكرمة, بعد أن نقض القرشيون صلح الحديبية.. كان فتحا مهيبا دخل الناس معه في دين الله أفواجا, وتغير وجه الجزيرة العربية, وقويت شوكتها. هذه الأيام الخالدة ملك للمصريين جميعا, وللمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, بل هي ملك للبشرية التي استضاءت بها, ونعمت بآثارها, واهتدت بدروسها في تصحيح مساراتها, وبناء مستقبلها. وليس من حق أحد أن يحتكرها لنفسه, أو يزعم الانفراد بها دون غيره, أو يسعي لتشويهها, والإساءة إلي سمعتها بجعلها موعدا للفوضي, أو وسيلة للتخويف والإرعاب, أو بث روح الفرقة والانقسام في صفوف أبناء الوطن الواحد. من فضلكم أخرجوا الدين من خلافاتكم.. اتركوه في رفعته وسموه.. لا تشوهوا أيامه الخالدة واجعلوها رموزا لتجميع الناس لا تفريقهم.. احتفلوا مع الجميع بانتصارات المصريين والمسلمين في رمضان, ولا تلوثوا ذكراها بالعنف والتهديد والوعيد.