بعد صدور قرار الأكاديمية الأمريكية للآداب والعلوم بمنح جامعة شيكاغو مليونين ونصف مليون دولار في عام1988 لدراسة الأصوليات أيا كانت سمتها الدينية وبعد الندوة الدولية عن الأصولية والعلمانية في الشرق الأوسط والتي أشرفت علي تنظيمها أثناء انعقاد المؤتمر الفلسفي العالمي الثامن عشر بمدينة بريتون بانجلترا في نفس ذلك العام كان من اللازم إثارة السؤال الآتي: ما مدي تأثير الأصولية الاسلامية علي العلاقة بين العالم الاسلامي والغربي؟ وأظن أن الدافع وراء هذا السؤال مردود إلي الثورة الأصولية الايرانية التي اشتعلت في عام1979 وإلي اغتيال الرئيس السادات من قبل الأصولية الاسلامية. وحيث إن التنوير علي علاقة تناقض حاد مع الأصوليات بسبب رفضها لإعمال العقل في النص الديني فقد ترتب علي ذلك رفض الأصوليات للحداثة لأن الحداثة هي ثمرة التنوير. وحيث إن الحداثة معادلة للثورة العلمية والتكنولوجية التي هي ضمير القرن العشرين فان الأصوليات, في هذه الحالة, يمكن اعتبارها نتوءا في مسار الحضارة الانسانية. ومن هذه الزاوية يمكن الكشف عن الطبقة الاجتماعية المسايرة لهذا النتوء الثقافي. وهذه الطبقة لا يمكن أن تكون طبقة رأسمالية مستنيرة. فهي اذن طبقة رأسمالية غير مستنيرة, وأنا أطلق عليها مصطلح رأسمالية طفيلية لأنها تتصاعد ثراء بطريقة صاروخية بسبب تعاملها مع كل ما هو طفيلي مثل تجارة المخدرات والسوق السوداء وشركات توظيف الأموال. ومن هذه الزاوية أيضا يمكن القول بأن الرأسمالية الطفيلية تدخل في علاقة عضوية مع الأصوليات الدينية بسبب أن كلا منهما ضد المسار التنويري للحضارة الانسانية. ولهذا لم يكن من قبيل المصادفة أن ينعقد المؤتمر الدولي الخامس عشر للجمعية الأمريكية للفلسفة الاجتماعية بمونتريال بكندا في عام1989 تحت عنوان ز الثورة والعنف والعدالةس. ومن الشائع أن المؤتمرات التي تعقدها هذه الجمعية تنشد إجراء حوار خلاق حول أهم القضايا المثارة في مجال الفلسفة الاجتماعية. وقد نشرت أبحاث منتقاة من ذلك المؤتمر في عام1990, وكان عنوان بحثي المنشور ز مثل التنوير في هذا الزمانس. فكرته المحورية أن هذه المثل تدور علي مبدأ واحد هو سلطان العقل, وعلي أن الأصولية الاسلامية تري أن هذا السلطان هو الجهل ذاته, وأن القضاء عليه أمر لازم, إلا أن هذا الأمر اللازم لا يمكن أن يتم إلا بالحرب, والحرب قائمة بالفعل منذ زمن هابيل وقابيل ومازالت قائمة حتي هذا الزمان إلي أن يتمكن دين التوحيد من كوكب الأرض. وفي نفس عام1989 انتخبت عضوا في الأكاديمية الانسانية وكانت حينها مكونة من ستين عضوا من كبار الفلاسفة والعلماء الذين يتسمون بأربع خصائص هي علي النحو الآتي: الالتزام بمبادئ البحث الحر في جميع مجالات المعرفة الانسانية. الالتزام بالرؤية العلمية وإعمال العقل في إطار المنهج العلمي من أجل معرفة هذا الكون. احترام حقوق الانسان والتسامح مع وجهات النظر الأخري والانحياز إلي العدالة الاجتماعية, وإلي رؤية كونية تتجاوز الحواجز القومية والعرقية والدينية. التميز بالابداع في البحث العلمي والفني والأدبي. وقد تأسست هذه الأكاديمية في عام1983 بمناسبة مرور خمسة قرون علي محاكم التفتيش وثلاثة قرون ونصف قرن علي محاكمة جليليو. واللافت للانتباه هاهنا أنه في نفس عام1989 الذي انتخبت فيه عضوا في الأكاديمية الانسانية تم تعييني عضوا في الهيئة العلمية للجامعة العالمية للعلوم الاسلامية ومقرها لندن مع طلب بابداء رأيي فيما جاء بكراسة موجزة عن هذه الجامعة. وجاء رأيي علي النحو الآتي: إن الأصالة في الفكر الاسلامي والعمق لدي علماء المسلمين كان العامل الرئيسي لتطور العلوم وتقدمها لقرون عديدة, وأن الغرب اقتبس كثيرا من العلوم في حقول الثقافة والفن. ومعني ذلك أن الأصالة لم تكن تعني إقصاء الآخر بل تعني تطويره. والحضارة الاسلامية بالفعل قد خصبت الحضارة الغربية بالفلسفة والعلم ولكنها توقفت بعد ذلك عن التخصيب. والرأي عندي أن هذا التوقف مردود إلي أسباب ذاتية وموضوعية. والمطلوب التركيز علي الأسباب الذاتية وبالأخص علي القرن الثاني عشر حيث كانت الفلسفة مضطهدة في قرطبة وبالذات فلسفة ابن رشد. ومن هنا يكون من اللازم توجيه العلوم الاسلامية في الاتجاه الذي يسمح لها بتخصيب الحضارة الاسلامية للحضارة الغربية مرة أخري. لمزيد من مقالات مراد وهبة