فتح باب التظلمات للطلاب الغير ناجحين بإمتحانات القبول بمدارس التمريض بقنا    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    أسعار النفط تتجه لإنهاء موجة خسائر استمرت أسبوعين مع تعثر جهود السلام في أوكرانيا    جوتيريش: المجاعة في غزة فشل للإنسانية نفسها    كندا تلغي الرسوم الجمركية الانتقامية على منتجات أمريكية وتُبقي على الصلب والسيارات    باريس سان جيرمان يواصل انتصاراته في الدوري الفرنسي بفوز صعب على أنجيه    معلق مباراة برشلونة وليفانتي في الدوري الإسباني    تعرف على نتائج مباريات اليوم في افتتاح الجولة الأولى بدوري المحترفين    موعد إقامة قرعة بطولة كأس العالم 2026 لكرة القدم    حادث مروع أعلى الطريق الأوسطي بالشيخ زايد يسفر عن مصرع واصابة 13 شخصًا    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    القضاء يسدل الستار على قضية توربينى البحيرة.. تفاصيل حكم جنايات دمنهور بإعدام صاحب كشك بكفر الدوار بتهمة الاعتداء على 3 أطفال وتصويرهم بهدف الابتزاز.. رئيس المحكمة يطالب الأهالى برعاية أولادهم    رئيس نقابة السكة الحديد: يقظة خفير مزلقان بني سويف أنقذت شابًا من موت محقق    «ويجز» يضيء ليالى مهرجان العلمين الجديدة    شقيق شيرين عبد الوهاب يعلق على أنباء عودتها لحسام حبيب    مصدر أمني ينفي شائعات إخوانية بشأن وجود انتهاكات بمركز للإصلاح والتأهيل    رابطة الأندية تعلن تعديل مواعيد وملاعب 7 مباريات في الدوري    السفير حسام زكي: التحركات الإسرائيلية في غزة مرفوضة وتعيدنا إلى ما قبل 2005    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    الخارجية الفلسطينية: استباحة الاحتلال والمستوطنين للضفة الغربية انتهاك صارخ وتكريس لمخططات التهويد والضم    ترامب: الوضع الراهن في غزة يجب أن ينتهي    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل    خسارة سيدات الطائرة أمام صاحب الأرض ببطولة العالم بتايلاند    موعد إجازة المولد النبوي 2025 للقطاعين الحكومي والخاص (رسميًا)    الوادي الجديد تطلق منصة إلكترونية للترويج السياحي والحرف اليدوية    صراع الخير والشر في عرض مدينة الأحلام بالمهرجان الختامي لشرائح ونوادي مسرح الطفل    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    مدرب توتنهام: لا مكان لمن لا يريد ارتداء شعارنا    مستقبل الدور الفرنسي في إفريقيا بين الشراكة والقطيعة    «التنظيم والإدارة» يعلن توقف الامتحانات بمركز تقييم القدرات.. لهذا السبب    بادشاه لسعد القرش.. قصص فلسفية شاعرية تشتبك مع القضايا الكبرى    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محمود فوزي: الحكومة جادة في تطبيق قانون الإيجار القديم وحماية الفئات الضعيفة    المجاعة تهدد نصف مليون في غزة.. كيف يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل؟    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    حماس: تصريحات كاتس «اعتراف بجرم يرقى للتطهير العرقي»    نجاح عملية دقيقة لاستئصال ورم بالمخ وقاع الجمجمة بمستشفى العامرية العام بالإسكندرية    عميد طب القصر العيني يتابع جاهزية البنية التحتية استعدادًا لانطلاق العام الدراسي    لمرضى السكري - اعتاد على تناول زبدة الفول السوداني في هذا التوقيت    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    "درويش" يحقق قفزة كبيرة ويتخطى 20 مليون جنيه في 9 أيام    الكشف الطبى على 276 مريضا من أهالى قرى البنجر فى قافلة مجانية بالإسكندرية    ضبط ورشة بها 196 قطعة سلاح في الشرابية    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    ضبط 400 قضية مخدرات وتنفيذ 83 ألف حكم قضائي خلال يوم    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    الاقتصاد المصرى يتعافى    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    وزير الثقافة يستقبل وفد الموهوبين ببرنامج «اكتشاف الأبطال» من قرى «حياة كريمة»    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    ضبط المتهمين بالتسول واستغلال الأطفال أسفل كوبري بالجيزة    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعظم إبداعات الثورة ..الفيس بوك وأهم عيوبها الغياب المتعمد للفلاسفة
المفگر د. مراد وهبة يتحدث عن المستقبل بعد الثورة:
نشر في الأخبار يوم 29 - 03 - 2011


شباب التحرير نجحوا في تعرية الرأسمالية الطفيلية
هددوني بالقتل في النظام السابق بسبب حديثي عن الفساد
مطلوب طبقة من المثقفين المستنيرين لإيقاظ المواطنين وتوعيتهم بالمستقبل
هذه المرة عقدت العزم علي ألا أناوش المفكر الكبير الاستاذ الدكتور مراد فهمي رغم قناعتي بأنني أخرج من هذه المناوشات بأخبار وأسرار أعرفها. بل واقتنصها من حديث هذا المفكر الذي تراه في غاية الحرص وهو يخرج كل كلمة من فوق لسانه، والسبب الرئيسي الذي دفعني للتوقف عن هذه المناوشات، ولو مؤقتا هو جلال تلك المناسبة التي حضرت من أجلها إلي منزل الدكتور مراد في مصر الجديدة، اذ تم تكليفي بإجراء هذا الحوار مع المفكر الكبير بمناسبة انطلاق ثورة شباب التحرير في 52 يناير، وبالتالي كان لابد ان تدور كل أسئلة هذا الحوار في فلك هذه المناسبة. وعندما أبلغت استاذنا الدكتور مراد وهبة بأسباب هذا الحوار قالها لي بصوته الهادئ الذي وصلني عبر هاتفه الخاص: آه.. أنا كنت في انتظارك!!. وبالفعل وبعد عدة ساعات من أخذ موعد هذا الحوار كنت في منزله رغم طول المسافة التي زادت نظرا لذلك الزحام الشديد للسيارات المتجه إلي مصر الجديدة ومدينة نصر. وعندما رأيته علي باب شقته عرفت انه لم يتغير كثيرا. بل رأيته بالفعل قد ازداد شبابا وتألقا وربما لو سألته عن السبب لقال لي انها الفلسفة والتفكير السليم. ما علينا.. المهم ان نبدأ معه رحلة هذا الحديث وربما تأتي المناوشات بين ثناياه فتعالوا إلي التفاصيل والتي سوف تتجلي من خلال اسئلتي المتواضعة واجاباته المتألقة. عندما بدأ شريط التسجيل يدور في مكتبه رأيت ان تكون البداية من داخل معسكر الفلاسفة.. لانني كنت أعرف ان الاستاذ الدكتور مراد وهبة يهوي أفكار المدينة الفاضلة ويتمني أن تسود بيننا لانها تقوم علي مبادئ العدل والمساواة وقد تجلي ذلك في كلمات مقدمة هذا الحوار..
لقد شرفت من قبل ان أقابلك في منزلك.. وكانت هذه المقابلة قبل ثورة الشباب.. وهذه هي المرة الثانية ولكنها بعد الثورة؟
فرد ضاحكا: انها بالفعل زيارة تاريخية.
بصفتك مفكرا كبيرا وتعتز بمبادئ المدينة الفاضلة.. ما هو تعريفك للفساد.. في ظل ما نراه وما نسمع عنه الآن؟
الفساد.. نقيضه الاصلاح.. بمعني انه إذا ما اختفي الاصلاح يفرز افساد.. والافساد هنا يكون سلبيا وليس ايجابيا.
وما النتيجة؟
عليك أولا ان تبحث عن خصائص الاصلاح.. وعلي سبيل المثال.. تقدر تقول.. اصلاح ديني كما حدث في أوروبا ومعناه انه كان فيه فساد ديني. والشائع ان هناك اعتقادا بان الفساد الديني يكون في رجال الدين وهذا غير صحيح لانه يكون في السلطة الدينية وهذا ليس بالمعني الأخلاقي، ولكنه بالمعني الفلسفي. اذ ان فساد السلطة الدينية يعني انها وصلت الي طريق مسدود يستلزم الاصلاح. وهنا لابد ان نسأل -ما هو الطريق المسدود.. انها تملك الحقيقة المطلقة.
السلطة الدينية
وهل السلطة الدينية المفسدة تصطدم بالمجتمع؟
بالفعل.. هي تصطدم بالمجتمع.. لانه وبحكم تكوينه متغير.. وهذا ينطبق علي أي مجتمع.. لانه مكون من بشر وانت تعلم ان هؤلاء البشر تفكيرهم نسبي ومتغير فإذا جاءت السلطة الدينية بحقيقة مطلقة وتريد فرضها علي هذا المجتمع وعلي أفراده يحدث هذا الصدام.
لو عدنا مرة أخري كي نقترب من منظومة الفساد.. ونسأل.. متي استشعرت أن هناك فسادا في مصر؟
استشعرت ذلك عندما لمحت بزوغ ما اطلقت عليه ابتداء من النصف الثاني من السبعينات بالاصوليات الدينية ووجدت مع البحث ان هذه الأصوليات الدينية والتي تقف أمام إعمال العقل ممولة من طبقة أطلقت عليها أيضا وفي نفس التوقيت اسم »الرأسمالية الطفيلية«!!
وماذا تقصد بالاصولية الدينية وما علاقتها بالدين الاسلامي أو المسيحي؟
الاصولية الدينية هو لفظ مطلق.. ولا علاقة له بأي دين لان أي دين باعتباره موجها لجميع البشر هو دين متسامح وبالتالي فالأديان جميعها تحض علي التسامح. ولكن يحدث ان تنشأ من خلف هذه الاديان ما أسميته بالاصولية الدينية لان فهمي للدين انه يمر بمرحلتين الأولي ان الإنسان يؤمن برسالة وبعد هذا الايمان لابد له ان يعمل العقل في محتويات هذه الرسالة ثم يعقب ذلك أداء عمل خير ومفيد لكل البشر. إذن الدين يؤدي إلي الفكر.. والفكر يؤدي إلي عمل يخدم المجتمع ولكن ما يحدث ان هناك فريقا معينا يضع بنودا لهذه الرسالة.
وهل تكون مخالفة للدين؟
هو يعتقد انها مخالفة ولكن الحرج ينشأ عندما يقول انه من لا يلتزم بهذه البنود.. يعتبر كافرا وهذا يعتبر حكما مطلقا وليس من حقه! اذ لابد من وجود حرية خاصة لكل الناس في اعتقادهم بهذه البنود أو رفضها. ولكنه حين يعرضها علي البشر وعلي المجتمع وان من لا يقبلها يواجهه بالتكفير وبالقتل في نهاية الأمر وهذا ما اسميه بالاصولية الدينية وقد راجت هذه الأصولية في سبعينيات القرن الماضي وكانت تمول بما اسميته بالرأسمالية الطفيلية.
الرأسمالية الطفيلية
وماذا تقصد بالرأسمالية الطفيلية؟
الرأسمالية الطفيلية لا تنتج وليس لها أية علاقة بالانتاج. ان لها علاقة فقط بالاتجار فيما هو غير مشروع. ويأتي في مقدمة ما هو غير مشروع تجاريا -المخدرات وتجارة السلاح والدعارة. وقد لاحظت ان هذه الظواهر تمول الاصوليات الدينية وهنا المفارقة!! فالرسمالية الطفيلية والتي تعني الانحلال في القيم تمول الأصولية الدينية.
ومن المسئول عن هذا الخلط في الأوراق؟
هذه المسئولية تعود إلي الماضي.. خاصة في بدايات الصراع بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا وهذا ما يجعلني أعطي البعد العالمي لهذه الظاهرة، وتفصيل ذلك ان أمريكا في ذلك الوقت وعلي يد وزير خارجيتها فوستر دلاس قد أصدر كتابا اسمه »حرب أم سلام«.. وفيه قال دلاس: لدينا طريقان لمحاربة الشيوعية طريق سلبي وآخر ايجابي، والسلبي معناه هو اعطاء مساعدات اقتصادية وعسكرية للدول. أما الايجابي فهو تكبيل جميع الأديان. ولذلك بادرت أمريكا في ذلك الوقت بإنشاء مجلس الكنائس العالمي والمؤتمر الإسلامي، ربما حدث ذلك منذ عام 8491. والمؤتمر الإسلامي بقيادة سعيد رمضان الاخواني المشهور. وهذان المجلسان مركزهما مدينة جنيف. وبجوار بعضهما البعض.
وماذا كان الهدف؟
الهدف هو تكفير الاتحاد السوفيتي!!. كل ذلك أدي إلي ظهور دعاوي الالحاد.
وماذا كان نصيبنا في مصر مما تحدثت عنه؟
بالنسبة لنا في مصر سارعت الكنيسة القبطية لدخول مجلس الكنائس العالمي. والاخوان المسلمين دخلوا المؤتمر الإسلامي وبالتالي أصبحت مركزا رئيسيا في تحريك السياسة الأمريكية منذ أشار إلي ذلك فوستر دلاس.
الفساد الطفيلي
دعنا نقترب أكثر من حوار الفساد كنتاج طبيعي لثورة الشباب. ونسأل.. هل الرأسمالية الطفيلية التي تحدثت عنها مسبقا لها علاقة بما تم ضبطه من حالات فساد بعد سقوط النظام؟
طبعا.. وقد دعيت من جامعة هارفارد في عام 6791.. وكان من بين الحوارات التي اجريتها في هذه الندوة حوار مع أحد أساتذة علم الاقتصاد. وكان خبيرا في الشئون الاقتصادية المصرية وسألت فيه سؤالا واحدا قلت فيه: وهل عندما اخذتم مكانة الاتحاد السوفيتي بعد عام 3791 لاحظتم انه أصبح لدينا اصولية دينية ورأسمالية طفيلية؟ فأجاب بالايجاب ولم يتعجب وكنت أتصور غير ذلك بل وأضاف ان ذلك نقصده بهدف القضاء علي القطاع العام!
وما كان الهدف من ذلك؟ خاصة فيما يتعلق بالرأسمالية الطفيلية؟
لقد كان ذلك هو الباب السري الذي يغطي علي سياسة أمريكا في مقاومتها للكتلة الشيوعية.. وهذا لم يكن معلنا.. والدليل علي ذلك ان المخابرات الأمريكية نشرت أخيرا في تقريرها السري ما معناه.. اننا نقوم بتمويل الاصوليات الدينية من تجارة المخدرات.
قضايا الفساد
وما علاقة ما حدثتنا عنه.. بما يذاع الآن من قضايا فساد، تورط فيها كبار رجال الأعمال وبعض رموز النظام السابق؟
لانها جميعا رأسمالية طفيلية ومصدرها تجارة العقارات وغسيل الأموال. بل وأكثر من ذلك أقول لك.. ان الاقتصاد العالمي أيضا محكوم بالرأسمالية الطفيلية وهذا ثابت في تقرير رسمي.
وأين كان كبار المثقفين المصريين من أجل التنبيه عن هذا الفساد؟
هو سؤال محرج.. ولابد ان احدثك بصراحة.. وأقول لك مرة ثانية سؤال محرج.. لانني عزلت من حياتنا الثقافية.
وكيف تم ذلك؟
لانهم اعتبروا ان الحديث في الشأن العام هو خطأ كبير لذلك وأنا اتذكر ذلك جيدا أنه ومنذ سنوات ارادت وزارة الثقافة ان تعقد مؤتمرا فتقدمت فيه بضرورة ان يناقش الاصولية والعلمانية ففوجئت باحدي الصحف تشير بأن هناك بيانا من عدد من المثقفين يهددون فيه بألا يشاركوا في هذا المؤتمر إذا فلان -ويقصدونني- شارك فيه!! خاصة إذا ما شاركت بورقة أهاجم فيها الأصولية الدينية لانهم اعتبروا أن الهجوم علي الاصولية الدينية، إنما هو هجوم علي الدين وهذا وهم كبير وقد ظل هذا الوهم مستمرا، الأمر الذي أدي بخروج المثقف المصري من حياتنا الثقافية لانه لم يجد تجاوبا مع الأفكار المتحررة في الغرب وبالتالي ظهرت دعوة بين بعض المثقفين المصريين بان الغرب لديه غزو ثقافي ولابد من كراهية الغرب وبناء علي ذلك رأيت ان حياتنا الثقافية أصبحت في فراغ.
وهل مازال هذا الفراغ مستمرا؟
أنا سوف أقول لك في المؤتمر الاخير والذي حضره عدد كبير من المثقفين المصريين تحضيرا للمؤتمر الثقافي العام الذي كان من المقرر ان يتم عقده في شهر يناير الماضي ولم يعقد نظرا لقيام الثورة. وفي هذا المؤتمر الذي عقد بالمجلس الأعلي للثقافة أعلنت فيه انني اريد ان يؤرخ لهذا المجلس بانه هو منقذ الثقافة المصرية من الغرق في الاصوليات الدينية وكانت آخر جلسة!!
ولماذا امتنعت عن التعبير عن رأيك كمثفت كبير عن هموم حياتنا الثقافية سواء فيما كنت تكتبه في الصحف أو مؤلفاتك؟
بالعكس فقد تحدثت كثيرا وعلي وجه الخصوص عن اخطار الأصولية الدينية ومشاكل الرأسمالية الطفيلية ولم يقتصر حديثي أو كتاباتي علي هذه الهموم في الداخل فقط، بل في الخارج أيضا وسواء في الندوات أو في المحاضرات.
ألم تكن هناك ردود أفعال؟
أنا طول عمري لا أتوقف عند هذه الردود التي كان بعضها ايجابيا والآخر سلبيا وهو الجانب الأكبر والأخطر. ذلك لانني لاحظت ان جانبا كبيرا من المستشرتين في أوروبا هم كانوا من الذين يؤيدون الأصولية الدينية وقد بدا لي ذلك بوضوح حين أطلقت صيحتي بأن يكون ابن رشد المعروف باستنارته هو جسر التواصل الثقافي بيننا وبين أوروبا. وجدت ان هناك عددا قليلا من الفلاسفة في الغرب ومن المفكرين هم الذين أيدوني والأغلبية رفضت ذلك.
كيفية المقاومة
لو أعدنا الحديث عن الفساد وسألت الفيلسوف والمفكر الدكتور مراد وهبة عن كيفية مقاومة الفساد.. وآثاره السيئة في ضوء ما يذاع من حين لآخر عن هذه القضايا التي هزت المجتمع المصري؟
أقول لك.. مبدئيا.. متي سيطرت علي تفكيري فكرة الفساد واضرارها ونتائجها أيضا. في عام 2891.. عقدت ندوة لمدة يوم في القاهرة ودعوت لها بعض المفكرين المصريين، وكانت هذه الندوة بعنوان »المجتمع والنظام الاقتصادي، هذه الندوة اقيمت وبتمويل من إحدي المؤسسات الغربية وفي نهاية هذه الندوة تساءلت شخصيا هل لا يستطيع احد ان يفلت من الفساد؟ وكانت الاجابات كلها »نعم«.
وكيف وصلت إلي هذه النتيجة؟
من خلال الابحاث التي قدمت في هذه الندوة وكذلك من خلال المناقشات والحوارات أيضا.. وقتها كان الفريق كمال حسن علي رئيسا لوزراء مصر. وقد طلب كل أبحاث هذه الندوة من أجل الاطلاع عليها!
وماذا بعد هذه الندوة؟ ألم تواصل كمثقف التنبيه علي هذا الفساد وأفكاره؟
دعني أحكي لك واقعة وربما توضح لك ما تريد ان تصل إليه.. في فترة حكم السادات كان صديقي المحرر الدبلوماسي الراحل حمدي فؤاد، وكنا دفعة واحدة وأصدقاء أيضا. وكنت قد حكيت له عن رؤيتي تجاه الفساد والرأسمالية الطفيلية والأصولية الدينية. فاقترح علي بانه سوف يحدد لي موعدا مع الرئيس السادات.. هذا الموعد لم يتحدد بل فصلني السادات من الجامعة.
ولما لم تبحث عن أسباب فصلك الحقيقي من الجامعة في ذلك الوقت؟
مين قال لك.. طبعا بحثت وعرفت ان هناك سطرا واحدا فيما كتب عني في التقرير. ولا أعرف حقيقة الجهة التي كتبت هذا التقرير، هذا السطر جاء به أنني أخطر أستاذ جامعي في الجامعات المصرية علي النظام! وللأسف فقد امتد هذا الحصار حتي في أيام الرئيس السابق مبارك.
وهل سألت عن سبب ذلك؟
أنا غير مشغول إطلاقا بمعرفة هذه الأسباب لانني لا انتمي إلي حزب وليس لي علاقات مع السلطة ولا أطمع في نيل منصب هنا أو هناك فقط لدي علمي وتفكيري. اضف إلي ذلك من الذي سوف أسأله؟! فلم يكن لدي وسائل اتصال بأولي الأمر.
معني ذلك ان هذه المضايقات كانت سببا في حرمان المجتمع المصري من الاستفادة بأفكارك.. أم ماذا؟
أنا استطيع ان أقول لك سببا لذلك.. وهو تحكم الأصوليات الدينية عندنا.. وهذا التحكم يمنع أي شخص يدعو إلي أفكار مضادة لابد ان يكون موضع مطاردة وانت تعرف انه كانت حالات مطاردة مماثلة لكل من نجيب محفوظ ونصر حامد أبوزيد وآخرين. وقد أصابتني هذه المطاردات حتي وصلت إلي حد التهديد بالقتل، وذلك في ظل النظام السابق فما كان مني إلا ان ذهبت فقط إلي قسم الشرطة وحررت محضرا بذلك. وانتهي الأمر عند هذا الحد لانني كما تعرف منغمس أكثر في القراءة والكتابة والتأليف.
هل تتصور ان الأصولية الدينية كانت مسيطرة علي الرأسمالية الطفيلية لذلك كنت دائما مبتعدا؟
ربما.. بدليل انني مازلت مذهولا من هذا التحكم المريب وذلك في ظل غياب دور المثقف.. الذي من المؤكد ان لديه رؤية مستقبلية وللأسف هذه الرؤي كانت مختفية أو خائفة!!
وماذا كان يعني ذلك بالنسبة للمفكر الدكتور مراد وهبة؟
أن هناك تماسكا غير مسبوق بين كل من الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية!
ولمن كانت الغلبة في النظام السابق؟
لكل من الأصولية والرأسمالية الطفيلية!. وبشكل متساو كما انهما لم يكونا ينفصلا قط. وقد ظهر ذلك جليا منذ فترة الانفتاح الاقتصادي.
وهل بداية الفساد.. كانت منذ أيام الانفتاح الاقتصادي؟
بطبيعة الحال لان هذا الانفتاح قد تم بشكل خطأ.. لغياب المناخ العلمي والذي نشأ في احضان الرأسمالية غير المستنيرة والتي اسميتها بالطفيلية! ومازالت أقول واكتب انه لا يمكن ان تنشأ رأسمالية مستنيرة ما لم نقض علي الأصولية الدينية.
دعنا نسألك عن دور المفكر في هذه المرحلة التي نعيشها حاليا؟ فما هو هذا الدور؟
لابد ان يكون علي وعي ليس بالأسباب السطحية للفساد بل بالبحث عن الأسباب الحقيقية وبدون حساسية أو بمعني آخر أدرس الذي يحدث أمامي كظاهرة لان الأفراد لا يعنونني.
وهل شعرت بان هناك ظاهرة بهذا المعني؟
مفيش كلام.. وماذا تسمي ما نعيشه وما يكشف عنه من كم الفساد الذي يعلن من آن لآخر. ان كل ذلك يثبت انه لم يكن لدينا رأسمالية مستنيرة.. وغيابها بهذا الشكل هو الذي ساهم في ظهور هذا الكم المهول من الفساد ومن المفسدين. صحيح لدينا بوادر لهذه الرأسمالية المستنيرة ولكن أصحابها قلة ولذلك هم مظلمون وبالتالي لا نستطيع ان نميزهم عن غيرهم.
أسباب الظاهرة
وهل توصلت لأسباب ذلك؟
نعم.. أقول لك انه تحالف الرأسمالية الطفيلية مع الأصولية الدينية وحالة الغيبوبة التي يعيشها الآن المثقفون واغفالهم عمدا أو كمدا عن هاتين الظاهرتين.
وكيف يمكن لنا الخروج مما نحن فيه الآن؟
تعرف ان لدينا أحزابا.. منهم حزب الإخوان وبعض الأحزاب الأخري الهامشية. يعني نقدر نقول مثلما قال صاحب كتاب »صراع الحضارات« الإخوان وما تبقي!. وللخروج مما نحن فيه، ليس المطلوب هو الذهاب إلي الأحزاب الهامشية فليس لهم دور أو الذهاب إلي الإخوان أيضا. معني ذلك ان كلا من هذين الاتجاهين لن يكونا صالحين معا وبالتالي لا يكون أمامنا سوي المثقفين.
ومن هم هؤلاء المثقفون الذين تقصدهم؟
انني أحلم بظهور مثقفين مستنيرين ولديهم وعي تنوير المجتمع.. بحيث يساعد علي إيقاظ الناس داخل هذا المجتمع ولابد ان تمتد هذه الاستنارة إلي كل مؤسسات الدولة.
ألا تري ان ذلك سوف يستغرق وقتا كبيرا؟
سؤالك هذا مهم.. وسبق ان سمعته من غيرك كثيرا وكنت أقول أطردوا ابن تيمية وادخلوا ابن رشد!!. أو بمعني آخر: علينا ان نؤخر أفكار ابن تيمية.. ونقدم أفكار ابن رشد.
وهل تتصور ان ما أفرزته ثورة شباب يناير سوف يكون هو البداية التي تحلم بها؟
أنا تحمست جدا لثورة الشباب.
وما مظاهر هذا التحمس؟
عندما وجدت ان شباب ميدان التحرير مصدر قوته من الفيس بوك!.. وهذا يعني اننا قد أصبحنا نعيش في ظل منتجات أو منجزات الثورة العلمية التكنولوجية أو ثورة المعلومات والتي تستطيع ان تقول عنها انها انجازات الكترونية، اذن ثورة هؤلاء الشباب هي احدي منجزات الثورة الالكترونية وهذا مصدر حماسي لانني قلت ان ذلك يعتبر ابداعا خاصا بهؤلاء الشباب.
وكيف؟
هؤلاء الشباب قد اكتشفوا ان الفيس بوك والانترنت ليس وسيلة للنميمة وضياع الوقت كما كنا نعتقد وانما هو وسيلة لتغيير المجتمع!. وتقدر تقول ان هذا هو ابداع ثورة شباب 52 يناير ولكن للأسف فان هذا الابداع قد اجهض!
ولماذا يا دكتور؟
عندما حاول ان تستولي عليها قوي المجتمع الأخري وما يسمونه بالثورة المضادة.
النتائج المبهرة
حين نعود لحديث الثورة ونسألك.. وهل توقعت نتائج هذه الثورة وبالشكل الذي تم؟
عايز أقولك.. انني كنت في تواصل مع هؤلاء الشباب كما كنت أكتب مقالات كثيرة في الفترة التي سبقت هذه الثورة وفي احدي هذه المقالات التي نشرت قبل هذا الحدث التاريخي أشرت فيه إلي فراعنة النظام.
متي تحكم بنجاح ثورة الشباب؟
عندما يصبح لها مؤسسات أو بمعني آخر عندما يصبح لهؤلاء الشباب أحزاب أو منابر يعبرون من خلالها عن أفكارهم.
وهل كنت تتوقع حدوث ثورة الشباب؟
افتراضيا!! ولم أكن أتخيل وقوعها علي أرض الواقع!. وبالتالي كان وقوعها مفاجأة.. إن أعظم ما في ثورة هؤلاء الشباب من وجهة نظري كمفكر وكفيلسوف ان هؤلاء الشباب تمكنوا من اختصار الزمن!
وماذا يعني ذلك تفصيلا؟
ان لدي نظرية خاصة بالديمقراطية، وانا اسميها رباعية الديمقراطية. وهي العلمانية والعقد الاجتماعي والتنوير والليبرالية. هذه الظواهر الأربعة نشأت في أوروبا خلال 4 قرون. ثم جاءت الثورة العلمية والتكنولوجية في القرن العشرين. وكانت كبري مشكلاتي فيما يخص هذه الرباعية المرتبطة بالديمقراطية هو كيفية اختصار القرون الأربعة الماضية وبالتالي كيفية تسريع الزمن الذي تمكن منه هؤلاء الشباب عندما قاموا بهذه الثورة. هؤلاء الذين اختصروا هذه القرون الأربعة في أيام وبرؤية مستنيرة. وكانت وسيلتهم في ذلك هو اللجوء إلي الفيس بوك. وقد جلست مع بعض هؤلاء الشباب واستمتعت بأفكارهم. وقد التقيت بهم بعد نجاح هذه الثورة، ربما 3 مرات.
وماذا كنت تقول لهم خلال هذه اللقاءات؟
كنت دائما ولا أزال أحرضهم علي ضرورة مجاوزة التخلف المنتشر في بلدنا وبالتالي لابد ان يكون لهم دور مؤثر باعتبارهم جيلا أصبح متماسكا أكثر من الأجيال السابقة. وقد لاحظت انهم ما يزالون علي حماسهم واصرارهم للوصول نحو الأفضل.
لو أعدنا الحديث من جديد عن ثورة الشباب ونسألك عما كنت تراه ينقص هذه الثورة حتي تفوز بالكمال؟ فماذا تقول؟
أقول لك.. هو غياب الفلاسفة عن هذه الثورة!. ولدينا نماذج عديدة عن مشاركات الفلاسفة في الثورات وتأثير هذه المشاركات وعلي فكرة تقريبا كل الثورات التاريخية شارك فيها كل الفلاسفة كل في بلده.
وهل هذا الغياب من جانب الفلاسفة تعتبره نوع من الادانة؟
بطبيعة الحال هو بالفعل ادانة ليس للشباب ولكن للفلاسفة انفسهم الذين ابتعدوا من تلقاء أنفسهم وفق ما هو شائع في مصر من ان غالبية الفلاسفة هم فلاسفة يتمسكون بالتراث أو فلاسفة من الماضي!. اضافة إلي ان معظم المشتغلين بالفلسفة عندنا هم ضد الغرب.
ما مدي قبول شباب الثورة لأفكارك الفلسفية؟
أنا مازلت أجرب معاهم ذلك. ولاحظت ان هناك الآن بعض الحماس خاصة لابراز دور الفلاسفة والفلسفة في حياتنا اضافة لما لديهم من تواضع للاستماع إلينا ومحاولة الاستفادة مما نقوله. ولذلك دعني أقول لك في هذا السياق ان هناك جريمة ترتكب في حق ثورة هؤلاء الشباب.
وما هي تفاصيل هذه الجريمة؟
هذه الثورة مازالت متروكة في العراء.. وبلا غطاء فلسفي.
وما هو الدور الذي يجب ان يقوم به الفلاسفة من أجل هذه الثورة؟
شوف.. سؤالك مهم.. ودعني أقول لك.. ما يجب ان يقوم به الفلاسفة من أجل مصر ومن أجل هذه الثورة.. انني أظن ان هذا الدور الذي يجب ان يقوم به أصحاب الفكر الفلسفي لمصر هو تكوين ثقافة جديدة للمجتمع، مضادة للثقافة الموروثة. ثقافة يمكن ان نسميها ثقافة الكترونية وثورة الشباب هي التي مهدت لهذه الثقافة الالكترونية. والتي من الممكن ان تأخذ بأيدينا نحو الإصلاحات التي ننشدها والتي قامت من أجلها هذه الثورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.