يري المفكر المصري د. مراد وهبة أن علي المثقفين والفلاسفة الصدام مع الجماهير وليس مع السلطة، فصدام المثقف مع الجماهير يجعلها تستفيق من أحلام الماضي وتغير قيمها لتنطلق نحو المستقبل، ويري وهبة أن الأصولية مصدر خطر كبير فهي ترفض التنوير وثمرته المتمثلة في الحداثة التي هي العلم والتكنولوجيا وهي روح العصر الحديث ومن ثم فالأصولية عقبة في مسار الحضارة الإنسانية. وحسب رؤية وهبة في كتابه الجديد " مسار فكر.. سيرة ذاتية" الذي صدر مؤخراً عن الهيئة العامة للكتاب فمن شأن هذا الصدام أن يهز المعتقدات والبديهيات الثابتة المستقرة في عقول الجماهير دافعاً إياها إلي إعادة التفكير والنظر في تلك الثوابت وهو ما يتيح لنا التخلص من الأصولية والتشدد الديني، ويستعرض الكتاب المحطات الفكرية المختلفة التي مر بها كاتبه عبر 85 عاماً هي عدد سنوات عمره. و مراد وهبة أحد أبرز أستاذة الفلسفة في مصر ولد عام 1926 بأسيوط حصل علي الدكتوراة من جامعة الإسكندرية عام 1959 عن "المذهب في فلسفة برجسون" وقد أشرف علي اعداده الفكري خلال سنوات الدراسة المفكر المصري عبد الرحمن بدوي ود. نجيب بلدي أحد أعلام الفلسفة آنذاك، ودرس وهبة الفلسفة في جامعات عين شمس والقاهرة وهو واحد من دعاة العلمانية في مصر ومن أهم كتبه "الأصولية والعلمانية" و"ملاك الحقيقة المطلقة" و"مستقبل الأخلاق". وتتشارك الطبقة الرأسمالية الطفيلية والتي تتصاعد بسرعة الصاروخ عبر تجارة السوق السوداء والمخدرات والأنشطة غير المشروعة لدي وهبة مع الأصولية في كونهما عقبة في وجه التنوير، ويندهش المؤلف كثيراً من احتفاء المؤسسات الثقافية المصرية بالتنوير في حين أنه كان تنويراً مجهضاً تتحكم فيه الأصولية الدينية ويعطي أمثلة من تاريخ المفكرين المصريين الذين تعرضوا لإضطهاد المؤسسات الدينية من أمثال فرج فودة وطه حسين ولويس عوض ونجيب محفوظ ونصر حامد أبو زيد. ويأتي هذا في الوقت الذي يري فيه وهبة أن أصالة الفكر الإسلامي التي تتمثل في تطوير الآخر لا رفضه كانت العامل الرئيسي لتطور العلوم وتقدمها لقرون طويلة اقتبس بعدها الغرب تلك العلوم وطورها ويكمن الحل في رأي وهبة في القيام بحركة تنوير عربية تبحث في أسباب التخلف وتوجه العلوم الإسلامية إلي تخصيب الحضارة الإسلامية مرة أخري. وعلي الرغم من أن العنوان الفرعي للكتاب هو سيرة ذاتية إلا أنك وبلا شك ستحتاج لمصادر أخري لكي تعرف عن سيرة مراد وهبة، فالرجل أغفل الحديث عن حياته ومر عليها بشكل مقتضب بينما أفسح المجال واسعاً للحديث عن أفكاره والمدارس التي تأثر بها والمؤتمرات والأوراق البحثية التي عمل عليها، وقد يبدو هذا غير معتاد إلا أن هذا يبدو متسقاً مع فكرة شائعة في الفلسفة وهي أن الفلسفة هي تاريخها وبتطبيق ذلك علي الكتاب نجد أن وهبة ربما يري أنه ليس شيئاً آخر سوي أفكاره. ويزخر الكتاب بحوارات لوهبة مع العديد من المفكرين وسجل لرحلاته إلي دول عدة منها لبنان التي يتناول ملف الطائفية بها ويريأن التعايش الطائفي بين طوائفها المتعددة تعايش هش لأنه يعيش في الواقع علي الفتنة الطائفية ومن الأمور المثيرة التي يتضمنها الكتاب رسائل الإمام محمد عبده للروائي الروسي ليو تولستوي صاحب رائعة "الحرب والسلام" ورد تولستوي عليها ويكشف وهبة من خلال تلك الرسائل عن إعجاب تولستوي بالبهائية وعن تعاطف الإمام محمد عبده نفسه مع المذهب البهائي.