خلال أسبوع.. رئيس شعبة الذهب: ارتفاع المعدن النفيس في مصر 250 جنيهًا بواقع 5.3%    "النواب" عن تعديل قانون ملكية الدولة في الشركات: خطوة لتعزيز الاستثمار    الرئيس التنفيذى لمؤسسة التمويل الدولية يؤكد استمرار البرامج المشتركة لدعم تنافسية الاقتصاد المصرى    حنفى جبالي: العدوان الإسرائيلي على إيران تصعيد خطير يُجهض جهود للتوصل لتسوية سلمية للملف النووي    في نفس اليوم.. الشناوي يرسخ عقدته لسواريز بكأس العالم مع الأهلي والمنتخب    القاهرة تصل 36 درجة.. تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة والظواهر الجوية    وكيل الأزهر يشكل لجنة عاجلة لفحص شكاوى طلاب العلمي من امتحان الفيزياء    محمد فضل شاكر يشارك شيرين عبد الوهاب حفل ختام مهرجان موازين    وزير الأوقاف: الإمام الليث بن سعد قامة علمية ووطنية ملهمة    هذه القافلة خنجر فى قلب القضية الفلسطينية    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    رئيس قبرص: إيران طلبت منا نقل رسالة إلى نتنياهو بإنهاء الحرب    كاف يهنئ محمد صلاح: عيد ميلاد سعيد للملك المصري    وزير التموين يتابع مخزون السلع الأساسية ويوجه بضمان التوريد والانضباط في التوزيع    تنفيذ 25 قرار إزالة لتعديات على أراض بمنشأة القناطر وكرداسة    سعادة بين طلاب الثانوية العامة في أول أيام مارثون الامتحانات بالقليوبية    تجديد تعيين مديري عموم بجامعة بنها    محافظ بورسعيد يتفقد غرفة عمليات الثانوية العامة لمتابعة انتظام الامتحانات في يومها الأول    وزيرة التنمية المحلية تتفقد أعمال تنفيذ المرحلة الأولى من تطوير سوق العتبة بتكلفة 38 مليون جنيه    قرار قضائي عاجل بشأن عزل وزير التربية والتعليم في أول أيام امتحانات الثانوية العامة    حزب العدل والمساواة يعقد اجتماعًا لاستطلاع الآراء بشأن الترشح الفردي لمجلس الشيوخ    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    وصول جثمان نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي لمسجد عمر مكرم    عضو حزب المحافظين البريطاني: إسرائيل تقترب من تحقيق أهدافها    100 ألف جنيه مكافأة.. إطلاق موعد جوائز "للمبدعين الشباب" بمكتبة الإسكندرية    نظام غذائي متكامل لطلبة الثانوية العامة لتحسين التركيز.. فطار وغدا وعشاء    الداخلية تضبط 6 ملايين جنيه من تجار العملة    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    رئيس مجلس النواب يحيل قرارات جمهورية ومشروعات قوانين للجان النوعية    فوز طلاب فنون جميلة حلوان بالمركز الأول في مسابقة دولية مع جامعة ممفيس الأمريكية    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعي بكلياتها أكتوبر المقبل    رئيس النواب يفتتح الجلسة العامة لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    المؤتمر السنوي لمعهد البحوث الطبية يناقش الحد من تزايد الولادة القيصرية    لأول مرة عالميًا.. استخدام تقنية جديدة للكشف عن فقر الدم المنجلي بطب القاهرة    «الزناتي» يفتتح أول دورة تدريبية في الأمن السيبراني للمعلمين    وائل كفوري يشعل أجواء الصيف بحفل غنائي في عمّان 15 أغسطس    ضبط 59.8 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    أسعار الخضراوات اليوم الأحد 15-6-2025 بمحافظة مطروح    الأنبا إيلاريون أسقفا لإيبارشية البحيرة وتوابعها    «فين بن شرقي؟».. شوبير يثير الجدل بشأن غياب نجم الأهلي أمام إنتر ميامي    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    فيلم سيكو سيكو يحقق أكثر من ربع مليون جنيه إيرادات ليلة أمس    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    مقتل ثلاثة على الأقل في هجمات إيرانية على إسرائيل    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    لافتة أبو تريكة تظهر في مدرجات ملعب مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. مراد وهبة المفكر المصرى الكبير: إذا وصل الأصوليون إلى السلطة لن يتركوها
نشر في الأهرام العربي يوم 13 - 12 - 2011

أحمد عبدالحكم- تصوير - عماد عبدالهادى - الدكتور مراد وهبة، عميد الفلاسفة العرب، أكبر من أن تصفه بعبارات الثناء والمديح على فكره الجرئ وعقله الذى يقفز دائما للأمام، على عكس معظم المفكرين والمثقفين والإسلاميين، يرى أن العلمانية هى مخرج مصر، بل والمنطقة العربية من الأزمات السياسية والاجتماعية، العلمانية بمفهومها العلمى وليس بما يروجه عنها أصحاب المصالح والفكر الرجعى.
يرى أن المثقفين خائنون لأنهم لم يمارسوا مهمتهم فى التنوير وينافقون الأصوليين، ويؤكد أن الإخوان أجهزوا على ثورة 25 يناير، وأقصوا شبابها عن صدارة المشهد، ويقول إن الأصولية فى طريقها للقضاء على أمريكا كما قضت من قبل على الشيوعيين والسوفيت فى أفغانستان، وأن مصر أصبحت تحت قبضة الإسلاميين ولن تفلت منهم.
كيف تقرأ نتائج الانتخابات فى ضوء حصول الإخوان والسلفيين على هذه النسبة الكبيرة من الأصوات الانتخابية؟ سئلت قبل الثورة ماذا لو جرت انتخابات نزيهة فى مصر.. ما توقعاتك؟
وكانت إجابتى هى أن الإسلاميين سيكتسحون، وهذا ما حدث الآن، أولا الحركة الإسلامية الأصولية نشأت فى عام 1928 مع بداية نشأة الإخوان المسلمين، وكانت فكرة الإخوان هى أسلمة المجتمع أولا، ثم أسلمة كوكب الأرض بعد ذلك، وبدأ الإخوان فعلا فى أسلمة المجتمع عن طريق التغلغل فى مؤسسات الدولة، وبالأخص مؤسسة التعليم، وأنا أذكر أن عبدالناصر قبل أن يقوم بثورة 1952 أخبر المرشد العام للإخوان المسلمين بأنه على وشك أن يقوم بالثورة، فطلب منه المرشد أن يؤجل القيام بها ولا يتعجل لأننا «الإخوان» فى غضون خمس سنوات سنتحكم فى التعليم، وبذلك تأتى الثورة سلمية، وبمتابعة الأحداث أظن وأنا أعمل فى مجال التعليم لمست هذا التغلغل فى مؤسسات التعليم إلى أن وصل إلى كليات التربية التى تخرج معلمين بلا حدود وترسلهم إلى الدول العربية أيضا، وهناك تم تدعيم الأصولية الدينية المصرية بالأصولية السعودية فكرا وتمويلا، والقاسم المشترك بين السعودية والإخوان المسلمين هو ابن تيمية فى القرن الثالث عشر.
وسأدلك على هذه الفكرة: فى القرن الحادى عشر كفر الغزالى الفلاسفة المسلمين بسب تأثرهم بالثقافة اليونانية الوثنية، وذلك فى كتابه «تهافت الفلاسفة»، وفى أول فقرة فى الكتاب فى القرن الثانى عشر تولى ابن رشد الهجوم على فكر الغزالى، وعلى الأخص فى كتابه «تهافت التهافت» هو يرد على كتاب الغزالى، فى هذا الكتاب لابن رشد عبارة مهمة يقول فيها: من أنكر الأسباب فقد أنكر العقل، لأن الغزالى كان يعتمد بالأكثر على مسألة المعجزة فى التفسير وابن رشد يعتمد العقل، فى القرن الثالث عشر ظهر ابن تيمية مكفرا لابن رشد ومعتمدا مقولة السمع والطاعة وعدم إعمال العقل فى النص الدينى، لأن ابن تيمية كان يقول إن إعمال العقل فى النص الدينى بهدف البحث عن المعنى الباطن يحول الدين بأكمله إلى معان باطنة، وهنا قال بعدم إعمال العقل. فى القرن الثامن عشر تحالف الأمير محمد بن سعود مع محمد بن عبدالوهاب، الأول يمول بالمال والسلاح، والثانى يمول بالفكر مستندا إلى فكر بن تيمية، ونشأت المملكة السعودية، وفى القرن العشرين نشأت حركة الإخوان المسلمين مستندة إلى فكر ابن تيمية، وهنا حدث التحالف بين الوهابية والإخوان.
الآن نحن نعيش فى القرن الثالث عشر فى الوقت الذى يتعامل فيه مع القرن الحادى والعشرين، نحن إذن متخلفون أكثر من سبعة قرون. المشهد أمامى فى عهد مبارك كان كالآتى: إن الحزب الوطنى فرع للإخوان المسلمين، فقد كان الحزب يزايد عليهم فى نفس المسار، أهم مقولة فى الخطاب السياسى فى عهد مبارك إعمال صحيح الإسلام على اعتبار أن هذا الصحيح ضد فكر الإخوان المسلمين، يعنى إذن المرجعية واحدة، من إذن الذى يفوز فى هذه المعركة، الإخوان بالطبع لأن تراثهم قديم، بينما الحزب الوطنى بلا تراث تقريبا، فقد نشأ كاللقطاء بلا ماض ولا تاريخ، إذن المعركة كانت خاسرة من الحزب الوطنى لصالح الإخوان.
النقطة الثانية أن حركة الإخوان أفرزت مصطلحات مركبة وبنت عليها مثل الغزو الثقافى وكراهية الغرب، الاكتفاء الذاتى، المؤامرة، لو خلطت هذه المصطلحات ستنتهى حتما إلى عزلة مصر عن الغرب، يعنى عزلتها عن الحضارة الأوروبية، العزلة تؤدى إلى إضعاف الطاقات الذهنية، وإضعاف الطاقات الذهنية يسمح بتغذيتها أو حشوها بما تريد من أفكار.
والسؤال: هل هناك مضاد لحركة الإخوان المسلمين؟
وإجابتى بالطبع لا، لا يوجد لها مضاد أو نقيض على الإطلاق، وذلك لأنه حينما تتمسك بحرفية النص الدينى وعدم إعمال العقل فيه والالتزام بالسمع و الطاعة، إذن أنت تحتاج إلى حركة مضادة تدعو إلى إعمال العقل، وتوصيفى لحركة الإخوان المسلمين المعتمدة على فكر ابن تيمية هى أنها حركة أصولية، بمعنى أن الأصولى هو الذى يرفض إعمال العقل فى النص الدينى ويرفض أى نظرية علمية يرى أنها مناقضة لحرفية هذا النص، مثلا نظرية التطور هناك حملة شعواء من الإخوان ضدها، لأنها تتعارض مع النص الدينى، وهو أن العالم خلق فى ستة أيام حتى لو قلت للأصولى إن اليوم بالنسبة لله هو مثلا مليون، يرفض الأصولى تماما، اليوم لديه هو 24 ساعة.
والسؤال ما هو المضاد لهذا الفكر الأصولى؟
لقد عرفت التفكير الأصولى بأنه التفكير فى المطلق بما هو نسبى، يعنى تحويل النسبى إلى مطلق، وهنا يتجمد الفكر، والنقيض فى رأيى هو العلمانية، وتعريفى للعلمانية ليس بأنها فصل الدين عن الدولة أو الدين عن السياسة، هذا لا معنى له ، لأن أى ظاهرة فى المجتمع لا تستطيع عزلها، فالدين من أقوى المظاهر المنتشرة فى المجتمع والسياسة كذلك، ومأساة النظام السابق أنه روج لعبارة لا معنى لها، وهى فصل الدين عن السياسة، وكل المثقفين ساروا وراء هذه المقولة، هذه العبارة تسمح بمزيد من التغلغل للإخوان المسلمين، لكن الفكرة هنا أن أسلوب التفكير هل تبحث فى الواقع على أساس أنه ثابت أم متطور ومتغير؟ بالطبع هو متطور ومتغير وبالتالى هو نسبى، وفى هذه الحالة لا أخضع هذا النسبى لمعتقد مطلق وهو المعتقد الدينى، ولو تابعت الأنظمة السياسية فى العالم كله نجد أنها إذا جاءت فى فترة وأخضعت الظواهر المتغيرة إلى معتقد مطلق فإنها تنتهى وتتجمد ومحكوم عليها بالإعدام، والأمثلة على ذلك فى العصور الوسطى حينما تحكم المعتقد الدينى كمطلق فى النسبى المتغير، هناك أنظمة مثل هتلر وموسولينى وستالين لديهم فكر مطلق نفذوه فى الواقع فتجمد، إذن النقيض للأصولية الدينية هى العلمانية.
لكن العلمانية أخذت سمعة مناقضة تماما لما تدعو له.. فما المعنى الدقيق لها؟
مجمع اللغة العربية فى عام 1987 عرف العلمانية بأنها من «عَلْم» بسكون النون على اللام والعلم بمعنى العالم، وليس من العِلمْ، وفى اللغة الأجنبية الأصل فيها هو العالم أيضا، معنى ذلك أنك جزء من عالم متغير. قلت إن الأصوليين لو وصلوا للحكم لن يقصيهم أحد عن السلطة.. لماذا هذا القول؟ نعم الأصولى إذا وصل للسلطة سيظل فيها إلى أن ينقرض، الأصوليون انتشروا فى كل مؤسسات الدولة، وحينما حاولت نشر موضوع الإبداع والتعليم العام فى التعليم وعرضته على الدكتور فتحى سرور، حينما كان وزيرا للتربية والتعليم، وعرضت عليه أن تكون مؤسسة التعليم إبداعية، حتى نقضى على السلبيات الحالية من حفظ وتلقين، لكن المشروع تم تدميره وفشل تماما، وفى الجامعة تم تدميره، وكلما ذهبت إلى أى مؤسسة تعليمية يكون الباب مغلقا، وهذا يدل على تغلغل الأصوليين فى كل مؤسسات الدولة خصوصا التعليم.
لهذا قلت إنه لا ديمقراطية بدون علمانية؟
بالضبط هذا ما قلته، وهناك ملحوظة مهمة يجب أن أبديها فى هذه الفترة التى تشهد انتخابات برلمانية، الديمقراطية تبدأ بالعلمانية، بعد العلمانية جاءت فى القرن السابع عشر نظرية العقد الاجتماعى، ومعناها أن المجتمع من صنع البشر وليس من صنع سلطة دينية ، البشر يجتمعون يضعون قوانين تحكمهم فيها حقوق وعليهم واجبات وهم يتنازلون عن بعض الحقوق للحاكم فى مقابل الأمن والأمان. وهى امتداد لنظرية العلمانية لأنها فى إطار نسبى لعلاقات بين بشر وبشر، ثم القرن الثامن عشر وهو عصر التنوير، حيث كان الفيلسوف «كانط» يقول: كن جريئا فى إعمال عقلك بلا حدود، وأنا أقول إن التنوير هو أنه لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه، لأن هذا العقل هو عقلان فى الحقيقة، عقل يفكر وآخر ينقد ما تفكر فيه، إذا جئت كأصولى أسلبك العقل وأطلب منك أن تسير خلفى فأنا أسلبك عقلك وتفكيرك.
لكن كل الأديان أو الكتب السماوية تدعو إلى إعمال العقل؟
نعم، لكن هناك فرقا بين الدين والسلطة الدينية، دائما فى التحليل ما نتجه إلى السلطة الدينية وليس الدين، الدين رسالة يؤمن بها الإنسان، والمشكلة تبدأ عندما يعمل الإنسان العقل فى النص الدينى، وهنا تجد فريقين، الأول يتخوف ويرفض، والثانى يساعد ويدفع للأمام على اعتبار أن التفكير يساعد على الفهم والاختيار وتعميق الإيمان. وعلماء الكلام أو اللاهوت يضعون بنودا يتم الكلام حولها وتعتبرون الخروج عنها كفرا، وفى القرن التاسع عشر ظهر التطور الرابع وهو الليبرالية والتى تعنى أن سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع، اليوم أنت تقول إنك ليبرالى، وسؤالى هل مررت بالمراحل الثلاث السابقة لكى تكون ليبراليا. المراحل هى العلمانية والعقد الاجتماعى والتنوير، والديمقراطية هى نهاية المراحل الثلاث وليست بدايتها، نحن نتوهم الآن أن الديمقراطية هى صندوق الانتخاب، ونقول إن صندوق الانتخاب حينما يكون نزيها فهذا قمة الديمقراطية، وهذا خطأ كبير، صندوق الانتخاب هو نهاية المطاف وليس بدايتها، لابد من المراحل الأربع قبل مرحلة الصندوق، لقد استغنينا عن المراحل الأربع وبدأنا بصندوق الانتخابات فجاء الأصوليون ولا يمكن أن يأتى غيرهم للأسباب التى ذكرتها، وما حدث فى هذه الانتخابات من صعود للأصوليين تنبأت به قبل الثورة.
وكيف ترى علاقة الإخوان بثورة 25 يناير؟ هم يقولون إنهم أحد العوامل الرئيسية فى إنجاحها؟
الإخوان هبطوا على الثورة فتم إنهاؤها، الإخوان ضد الثورة العلمية والتكنولوجية ويكفرونها، واقرأ مؤلفات سيد قطب يقول فيها إن النهضة والتنوير فى أوروبا أصابهاها بالفصام، والفصام مرض عقلى، ودعا إلى إنقاذ العالم الإسلامى من هذا المرض، الوضع لدينا طالما فيه أصولية دينية فهو ضد المكونات الأربعة للديمقراطية، شباب 25 يناير استخدم أحد منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية وهو الفيس بوك، وحولوه من وسيلة للدردشة والنميمة إلى أداة للتعبير، وهذا إبداع عظيم، الإخوان جاءوا وركبوا هذه الثورة وهم أصلا ضد التطور العلمى والتكنولوجى، وبالتالى أقصى الإخوان المسلمون شباب الثورة من المشهد السياسى، والثورة فى حقيقتها كانت ثلاثة أيام من 25- 28 يناير بعدها أجهز الإخوان عليها. والشباب الثائر بدأ بالعلمانية دون أن يدرى، فهو بدأ بالثورة العلمية والتكنولوجية، وهذه خطوة مهمة على طريق الديمقراطية كما أوضحت.
الإخوان اصطدموا بكل الأنظمة بدءا بعبدالناصر ثم السادات وأقصاهم مبارك واعتبرهم محظورين رغم أنهم نجحوا فى الانتخابات البرلمانية.. فكيف ترى هذا الصدام بعد أن حققوا الأغلبية النيابية؟
فى العهد السابق قلت إن المادة الثانية من الدستور تبيح للجنة الأحزاب التصريح للأحزاب الدينية الإسلامية دون غيرها، فالمادة الثانية تقول إن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وفى المقابل قلت إن الإخوان المسلمين محظورون، وهذا شئ مضحك ، فالمادة الثانية تمنع الحظر على الإخوان، وهذا ما حدث بعد سقوط النظام السابق.
هناك ملف آخر خطير يتفاعل حاليا على الساحة السياسية المصرية وهو تصاعد حالة القلق لدى الأقباط من صعود الإسلاميين إلى السلطة، وهناك من الأقباط من يطالب بالحماية الدولية جراء ذلك، فإلى أين سنصل فى هذا السجال الدينى خصوصا أن الانتخابات الحالية كانت أشبه بالاستفتاء، فى مظهرها صراع دينى؟
نعم الاستفتاء كان دينيا والانتخابات كذلك، والكل محصور بين الجنة والنار، يعنى أنك هجرت العالم الدنيوى وذهبت للآخرة، فالكل ذاهب ولم يحدد مصيره إلى الجنة أو النار وتركنا العالم الدنيوى بكل مشاكله، وهذا تخلف مرير.
وكيف حدثت هذه الحالة؟
أفسرها كالتالى، الأقباط عزلوا أنفسهم فى «جيتو» عن العمل السياسى والسلطة الدينية الممثلة فى الكنيسة أيدت هذا العزل للأقباط عن ممارسة السياسة، وحدث اتفاق بين الرئيس مبارك والسلطة الدينية على أن يكون معيار اختيار الأشخاص مرهونا برأى الكنيسة وليس سلطة أخرى، معنى ذلك أنك حينما تعين أقباطا فى البرلمان يكون المعيار هو موافقة الكنيسة أو السلطة الدينية، فى هذه الحالة أنت تصنع تيارا قبطيًا مضادا مع الإخوان، لكنه يسير فى نفس المسار، هناك أصولية إسلامية، وهناك أصولية مسيحية، هناك وحدة فى الأصولية، لكن هناك تناقضا فى الديانتين، فإذا فجرت الأوضاع وسمحت بالتعبير ستدخل فى مأزق الطائفية. وما سبل الخروج من هذا المأزق؟ أظن أن الأقباط مهيئون لممارسة الفكر العلمانى إذا مارسوا السياسة والاستنارة من جانب المسلمين فى هذا الصدد تعطى تقوية للجانب الآخر للاتجاه نحو العلمانية، هنا ينشأ فى المجتمع صراع صحى. العلمانية من جهة والأصولية فى جهة أخرى، لكن هناك خوفا من أن العلمانية تخاف وتنكمش من عنف التيار الأصولى، وتعود مرة أخرى إلى المأزق، وهنا يدخل عامل جديد فى حاجة إلى تحليل إبداعى وغير تقليدى. الجيش..
وكيف يتم ذلك؟
فى أعماق الأصولية الإسلامية هناك فكرة أسلمة العالم، ولتحقيق هذا الفكر لابد أن نظل فى حرب متواصلة، أنت تريد أن تؤسلم العالم، وهذا لن يأتى بالحوار بل بالحرب، معنى ذلك أن الإخوان إذا تحكموا فى السلطة سيفرضوا على الجيش أن يظل فى حالة حرب دائمة، و الجيش يرفض هذا، فهو يرى أن إعلان الحرب من اختصاصه هو وليس أحدا آخر، وهنا وظيفة الجيش التقليدى فى الحفاظ على أمن الوطن من الأعداء الخارجين، لكن داخليا الأمر مختلف، بينما فى الدول المتخلفة حيث الأصولية الدينية هى الأغلبية، فإذا رأيت أن مصلحة البلاد فى العلمانية، فمن حق المجلس العسكرى أن ينحاز للعلمانية ضد الأصولية، لأن العلمانية ليس فيها مفهوم الحرب الدائمة، ومن هنا يصبح من المهم النص فى أى وثيقة للمبادئ الدستورية أن يكون الجيش هو الحامى للشرعية الثورية وهذا الذى نعرفه.
هناك إشكالية أخرى وهو ما يتم ترديده حاليا من أن هناك أعدادا كبيرة من الأقباط هاجروا أو يفكرون فى الهجرة خوفا من صعود المد الأصولى.. ما مدى صحة ذلك وأنت متابع لهذا الملف؟
سأقولها لك بصراحة، فكرة الهجرة طاغية على العقل القبطى، وسأحكى لك لماذا؟ فى البداية قالوا لأقباط مصر إذا شعرتم بالاضطهاد فهاجروا إلى الحبشة أيام الإمبراطور هيلا سيلاس، ولما ذهب عهده قالوا لهم يمكنكم الهجرة إلى لبنان، ولما تعثرت لبنان قالوا لهم البديل هو أمريكا، وبعدها قالوا لهم إن الأفضل هو أستراليا، إذن فكرة الهجرة طاغية ومهيمنة على العقل القبطى، ونحن نحاول تحرير العقل القبطى من هذه المخاوف، وطالما لاح فى الأفق شبح الأصولية الإسلامية سيظهر شبح الهجرة، ولا تستطيع أن تتحاشاه، وعليك إذا أردت أن تطمئن هؤلاء عليك ببث الروح العلمانية، فى هذه الحالة ستكون هناك طمأنينة وسيختفى الصراع الدينى وسيكون مهما تطوير المجتمع وعلاج مشاكله والكل يندمج فى هذا الموضوع.
من سردكم لتطور الفكر العلمانى نلاحظ أن هذا الفكر بلا جذور فى التربة المصرية وربما العربية بأسرها، وهذا ما يفسر الصعوبات العديدة والمشاكل التى لاحقت وتلاحق دعاة هذا الفكر فى منطقتنا.. ما تفسيرك لهذا؟
وكيف نعلق الآمال على هذا الفكر إذا كان المجتمع يرفضه؟ وهل هذا يعنى أن العلمانية فكرة مستحيلة؟ هذا سؤال عميق، ونحن نقرأ الواقع، قبل أن نضع نظرية فهل يستحيل تطبيق العلمانية فى الواقع ، لاحظ أن المثقفين بلا استثناء، إما أنهم خدعوا أنفسهم أو تم خداعهم حينما استخدموا لفظ الدولة المدنية، وهذا خداع لأن مدنى مشتق من المدنية ومقابلها الريف، والتيار الإسلامى ترك المثقفين ينخدعون بهذه المقولة وتركوهم مدة ليرددوا أننا مجتمع مدنى بمرجعية إسلامية، وبعد فترة طلبوا منهم أن يحذفوا لفظ «مدنى» لتظل المرجعية «إسلامية» فقط، هنا أفاق المثقفون واعترضوا بشدة، وكانت الأزمة الحالية، وأقول إن المثقفين كانوا خائنين، لأنهم استخدموا لفظ «مدنى» وسؤالى أين تكمن الجذور الحقيقية للعلمانية فى مصر؟
وسنبدأ بمنصور باشا فهمى فى عام 1913، الذى أرسلته الجامعة إلى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه، وكان موضوعها «حال المرأة فى الإسلام» وبعدما أنهى الرسالة طلب منه الأزهر العودة من فرنسا وإلغاء الرسالة، لكنه عاند ورفض وناقش الرسالة وعاد إلى مصر فوجد نفسه مفصولا من الجامعة، فعاد إلى قريته وكان من عائلة إقطاعية غنية جدا واشتغل بالزراعة، وانعزل عن العالم وانحط تفكيره وظل ست سنوات، وبعدها طلبوا منه العودة للجامعة ومنحوه المكافأة بأن عينوه عميدا لكلية الآداب، فانحط تفكيره أكثر فعينوه مديرا لجامعة الإسكندرية، ما يعنى أن هناك حربا شعواء على بذور العلمانية، وقد أجهزوا قبل ذلك على الشيخ على عبدالرازق وبعده طه حسين.
الأصوليون بالمرصاد لأى إرهاصات علمانية، نجيب محفوظ ثم فرج فودة واغتيالات، يعنى هناك انتباه ويقظة لأية بوادر علمانية ليتم إجهاضها على الفور ، إذن ليس هناك تراث للعلمانية لتبقى الأصولية هى التراث الوحيد. الإخوان بعد أن أجهزوا على شباب الثورة انفردوا بالمجتمع كله، والمجتمع أصبح رهينة بأيدى الأصوليين الآن، وهم لن يدعو ا السلطة، لديك الآن الإخوان فى غزة، وأعلنوا أنها إمارة إسلامية، وهنا ممكن أن تكون إمارة إسلامية، وممكن ليبيا أو سوريا بعد ذلك.
لكن هناك تجربة تونس الإسلامية التى دخلت أخيرا بعد الإطاحة بزين العابدين بن على؟
لا، تونس مسألة مختلفة، كان فيها تيار علمانى والفضل فيه يرجع للرئيس بورقيبة، لكن بن على لعب لعبة أخرى، بأن سمح للتيار الأصولى بالنهوض وبدأ فى عقد تحالفات خفية مع إيران، تونس فيها صراع فعلى بين علمانيين وأصوليين، إذا لم يلتفت العلمانيون لعبارة مهمة جدا قالها الغنوشى فسينتهوا، الغنوشى قال: هناك أناس يقولون إنه لا ديمقراطية بلا علمانية، وهذا لا معنى له، والغنوشى فى الحقيقة يرد علىّ أنا وكان هناك مقال لى بهذا العنوان «لا ديمقراطية بلا علمانية»، وفوجئت برد الغنوشى بعدها بأن الإسلام ليس فيه علمانية، وقال الغنوشى إن العلمانية نشأت فى أوربا ليحاربوا بها السلطة الدينية وليست لدينا سلطة دينية ولسنا فى حاجة للعلمانية، لكننى أقول إن السلطة الدينية موجودة، لأن هناك من يكفر المجتمع أو بعض أفراده، هناك من كفر نجيب محفوظ وحاول قتله.
فى المنطقة تجربتان، التركية وكانت علمانية تماما، وتتحول الآن على أيدى أردوغان إلى دينية أو أصولية، وهناك أيضا التجربة الإيرانية.. فكيف تقيم التجربتين؟
هناك ملحوظة مهمة فى التجربة العلمانية التركية وهى أنها مؤسسة من الجيش وليس من المثقفين، يعنى أنها مؤسسة عسكرية ، وبالتالى فهى ضعيفة وليس بلا أرضية ثقافية، فالمثقفون هم صمام الأمن فى أى تعبير فكرى فى المجتمع، ونقطة الضعف هذه فى التجربة التركية أعطت الفرصة للحركات الإسلامية أن تنمو خارج الجيش إلى أن تصل إلى تغلغل يسمح لها بمواجهة الجيش، فى هذه الحالة هناك صراع جديد، علمانية داخل الجيش، وأصولية خارجه، وهنا برزت المعادلة التى سعى إليها أردوغان، وهى أنا مسلم فى دولة علمانية، ومازالت العبارة أيضا فى حاجة إلى تحليل، وإذا أراد العالم العربى أن ينهض فأنا أرغب فى أن تقوم السلطة الثقافية بمسئوليتها فى نشر ثقافة العلمانية الآن، ليست لدينا سلطة ثقافية، لدينا مثقفون ولكن أغلبهم إما مخدوع أو خادع للحركات الإسلامية، ولابد من عمل نقد للمثقفين، فعبدالناصر قيل عنه إنه ديكتاتور، مما اضطره إلى تشكيل تنظيم طليعى سرى، ويصدر كرئيس جمهورية مجلة الطليعة ويقول إنه صاحب الامتياز، فلماذا وصلت الحال برئيس الجمهورية إلى هذه الحالة، والذى طلب عدم ممارسة أى رقابة على المجلة؟ وحينما التقى عبدالناصر بالطليعة كان فيها ماركسيون يرشحون أنفسهم ويرسبون فى الانتخابات، وقالوا لعبدالناصر ساعدنا لننجح فى الانتخابات، فكان رده: هذا شئ غريب اذهب لليسار فيطلبوا مساندتى لهم، واليمين يطلب نفس الطلب، وقال أنتم يسار لا علاقة لكم بالانتخابات، مهمتكم هى تنوير الشعب، وهذه فكرة عبقرية وقوية، وهذه هى مهمة المثقفين فى الدول المتقدمة، مهمتهم تأسيس تيار علمانى، وفى هذه الحالة سأكون مطمئنا لأن المجتمع سيتجاوز الأصولية ويدخل فى الحضارة والثورة العلمية والتكنولوجية.
من كلامك أستشعر أن المستقبل فى هذا الوطن مظلم ولا أمل سريعا فى نهضته؟
لدى عبارة تقول أنا كمفكر متشائم، وكمناضل متفائل، متشائم لأن هناك مقدمات توصلنى إلى نتائج ظاهرة، ويمكن للنضال أن يخترق هذا التسلسل المنطقى، ويصنع ثغرة تصحيح الأوضاع ويخلق مجالا للتقدم، وهذا هو التحدى، وهذا ما فعله الشباب فى ثورة 25 يناير، فى منتدى ابن رشد كان لكبار السن، والآن أصبح روادنا من الشباب، وهذا يعطينى تفاؤلا كبيرا.
وكيف ترى التجربة الإيرانية فلديهم تقدم علمى وعسكرى ويخطون خطوات و اسعة على طريق التقدم النووى؟
أمريكا كانت ترعى الأصوليين الإيرانيين المقيمين لديها، وذلك أيام الشاه محمد رضا بهلوى فترة السبعينيات ، وكان مستشارو الشاه من الأصوليين، وهو كان ضد الأصوليين، يعنى أنه صنع هذا المأزق الكبير، بعد ذلك قام الشاه بتقوية التيار الأصولى ليحميه، فكانت النتيجة أن أجهز عليه الأصوليون تماما كما حدث مع الرئيس السادات الذى كان معجبا بالشاه. وقبل الثورة الإيرانية أغرق الشاه إيران بالأصولية الإسلامية، وذلك بتدعيم من أمريكا وإسرائيل وجاء الغرب وتبنى الأصوليين وقضى على الشاه، الغرب تبناه لأن أمريكا قررت مع بداية الخمسينيات القضاء على الكتلة الشيوعية ووضع جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكية، كتابا قال فيه إن هناك طريقين للقضاء على الشيوعية، إما أن تعطيها معونات ومساعدات، وإما أن تكتل الأديان ضدها، وكان الخيار الثانى هو الأسهل والإيجابى، الأديان هى بالطبع الأصولية، وأدخلت أمريكا الأصوليين كمجاهدين إلى أفغانستان للقضاء على السوفيت، وكان التمويل غريبا وهو عن طريق المخدرات، وقد أغرقوا العالم ساعتها بالأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية، فقد كانت الطائرات تذهب إلى أفغانستان بالسلاح وتعود محملة بالمخدرات، واشتغل الاقتصاد العالمى خارج القانون.
ولما قضى الأمريكان على الشيوعية بقيت الأصولية، وهى جاهزة الآن للإجهاز على أمريكا وقد بدأ هذا بالفعل، خلاصة القول إن الأصولية ستقضى على أمريكا وقد قلت هذا فى الولايات المتحدة الأمريكية فى مؤتمر عام 1986، ودعونا فلاسفة سوفيتا وبلغارا وأمريكيين، وقلت لهم أنتم دخلتم فى حوار من هذا النوع وتركتم الأصولية التى تتربص بهذا الحوار، وستقضى فى النهاية عليكم ، وقال لى الأمريكان: أنت متشائم , ولعل الغرب كله الآن فى حالة فزع من صعود الأصوليين فى المنطقة العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.