تشهد مصر حالات انقسام حادة لم تشهدها علي مدي تاريخها من قبل, بل امتد الانقسام إلي البيت المصري الواحد والأسرة الواحدة ما بين مؤيد أو معارض, فأصبح المصريون في صورة فئات متناحرة مابين مؤيدة ومعارضة ومترددة ويائسة ومحبطة ويظهر ذلك في صور شتي, فالإعلام منقسم في اتجاهين اتجاه يسير في فلك مؤسسة الحكم ويروج لسياساته سواء كانت في مصلحة الشعب أم لا, واتجاه آخر علي النقيض تماما من ذلك يري إن مؤسسة الحكم خالفت العقد الاجتماعي والسياسي وحنثت باليمين ولم تلتزم بالوعود, وبين هذين المعسكرين كل يحاول أن يروج لفكرته ويؤكد قيمة قضيته من خلال وسائل الإعلام بمختلف أنواعها, فيس بوك وتويتر وإنترنت وإذاعة وتليفزيون وغيرها. ويشير د.صفوت العالم أستاذ الاعلام ورئيس لجنة الأداء الاعلامي بكلية الاعلام بجامعة القاهرة إلي أنه منذ بداية الإعلان الدستوري انقسم الرأي العام في مصر إلي فصيلين وأيضا انقسم الأداء الاعلامي في الفضائيات إلي طرفين رئيسيين طرف يتبني قرارات الرئيس ويوجه الرأي العام نحو تأييد هذه القرارات علي اعتبار أنها تمثل مشروعا إسلاميا وطرف آخر يعارض هذه القرارات وإبراز الانتقادات والسلبيات في كل ما يتخذ من قرارات وسياسات, وفي هذه الفترة الحساسة من تاريخ مصر ظهر هذا التباين والانقسام في شكلين رئيسيين شكل حملة' تمرد' والتي تدعو الجمهور والمعارضين إلي التظاهر يوم30 يونيو القادم والشكل المضاد في حملة' تجرد' والتي تدعو إلي مقاومة كل اتجاه يعارض الرئيس, وفي هذا السياق يبرز تناول العديد من الفضائيات ومحاولة تأثيرها علي اتجاهات الرأي العام في مصر منها علي سبيل المثال القنوات الدينية والإسلامية والتي تستضيف قادة الرأي الدينين والشخصيات القيادية في الأحزاب الإسلامية والاتجاهات السلفية لحشد المواطنين للمظاهرات والتي بدأت يوم الجمعة الماضي20 يونيو والدعوة إلي تأييد الرئيس ومساندته, أما القنوات الأخري التي تستضيف العديد من الشخصيات في كل الاتجاهات ولكنها تركز في المحتوي والمضمون علي إبراز كل الأخطاء والقرارات السلبية التي وقع فيها النظام وتدعو إلي التظاهر وإسقاط الرئيس يوم30 يونيو, وأمام هذا الانقسام يحرص كل طرف علي مشاهدة الفضائيات والقنوات التي تتبني وجهة نظره ومن هنا نلاحظ أن النسبة الغالبة من الجمهور حددت موقفها سلفا سواء بالتأييد أو بالمعارضة وهو ما يظهر في حملات تمرد وتجرد كمظهر رئيسي, وتوجد نسبة من الجمهور لديها حالة تبيان وتذبذب في الرأي وتنتظر الاتجاه الذي سيفوز علي الاخر حتي تعبر بدرجة واضحة ومحددة عن رأيها وموقفها, أيضا يوجد بعض العقلاء الذين يقدرون رغم مخالفتهم للسياسات والقرارات إلا أنهم يدعون إلي إتاحة الفرصة لاستكمال بقية مدة الرئاسة, بالإضافة يوجد من قطاع الرأي العام رأي آخر لديه شطط في الحرية ويطالب بنزع السلطة من الرئيس مع طرح العديد من البدائل غير المحددة في هذا المجال. في حين تشير د. سميحة نصر أستاذة علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية إلي أن تشكيل الرأي العام لأي مجتمع ينبع من عدة عوامل متداخلة تؤثر في هذا الرأي وتشمل احتياجاته واشبعاته الاقتصادية والاجتماعية ثم النفسية, وهذه الاحتياجات وفي حالة الشعور بنقصها وعدم إشباعها يتولد لدي الفرد طاقة أو توجه نحو تشكيل رأي عام للمطالبة بإشباع هذه الاحتياجات, وهذا هو العامل الأساسي والمباشر والذي لا يحتاج إلي تعليم أو تثقيف ويتمثل في الإحساس بفقدان الاستقرار, وبالتالي لا يحتاج إلي تنبيه ولكن هناك عوامل أخري تتمثل في عملية التثقيف والوعي والحقوق السياسية والاجتماعية ويمكن أن تكون' الوسيلة' لتشكيل هذا الوعي من خلال المؤسسات التعليمية والتثقيفية والإعلامية بشكل يوضح لديه كيفية تشكيل اتجاهات الرأي. فالرأي العام يتكون من خلال المناخ العام وما يعتري الوضع القائم من نواقص أو إيجابيات في الغالب تأخذ طابع العوامل المشتركة لدي الجميع بحيث تصبح مطالب جماعية تفرض نفسها علي المجتمع بعمومه, فمن هنا يكون تشكيل الرأي العام مرتبطا باحتياجات واتجاهات عامة بشكل يفرض نفسه ويشكل هذا الرأي العام, أما عن المشهد الراهن حاليا فهناك قلق وعدم استقرار ينتاب المجتمع بجميع درجاته التعليمية والتثقيفية فهناك تهديد للأمن القومي يتمثل في المقام الأول بالتخلي عن قضية نهر النيل ومواجهة مشكلات من الممكن أن تهدد شريان الحياة, بالإضافة إلي قضية سيناء التي تعد ثلث مساحة مصر ولو تمت زراعتها وتنميتها يمكن أن تواجه فقر المصريين, بل والافزع من هذا فكرة التخلي عن قناة السويس وعرضها للإيجار أو البيع بطرح قصة الصكوك لتهيئة المناخ لبيعها بعد ذلك, ويبقي الجنوب الذي لم يتمسك بحلايب وشلاتين وباعتراف من الجانب السوداني, هذا عن الأمن القومي, أما عن الأمن النفسي فقد فقد الجميع الاستقرار والأمن بالإضافة إلي إزدياد المعاناة من الفقر, وعدم وجود العدالة الاجتماعية وانعدام الرؤية لمشروع قومي يجمع عليه الجميع, فإذا كان الامن القومي مهددا والأمن النفسي مهددا فمن هنا يتشكل رأي عام يؤكد أن القائمين علي القرار السياسي غير قادرين علي الحماية والبناء والاستقرار, وأن هناك ملامح لاهتزاز من جانب الرئاسة نتيجة عدم الانجاز خلال الفترة الماضية, فضلا عن ان هناك انتقادات لاذعة من الداخل وضغوط خارجية نتيجة عدم الالتزام بحكم الدولة وأن الحكم يتسم بحكم جماعة وليست دولة. وهنا يشير د.صلاح الدين السرسي أستاذ علم النفس بمعهد الخدمة الاجتماعية ببور سعيد إلي أن الدولة هي المؤسسة السياسية والاجتماعية المنبثقة من المجتمع والتي تملك وحدها الحق في ممارسة القوة وباسم القانون بذريعة حماية الأمن المجتمعي وان للدولة صفة التميز عن غيرها من المؤسسات السياسية والاجتماعية هو ذلك الاعتراف المجتمعي لها بحق استخدام القوة وطلب الطاعة من المواطنين, وتعرف الدولة بأنها عبارة عن جماعة بشرية تبسط سيطرتها علي اقليم محدد جغرافيا, وينبغي عدم الخلط بين الدولة والحكومة, حيث إن الحكومة مؤسسة تنفيذية وحدود مسئوليتها هو ادارة شئون المجتمع وهي جزء من الدولة التي تضم السلطة التنفيذية الحكومة والتشريعية والقضائية بمعني ان الدولة هي الجهاز السياسي والقانوني والاداري والاقتصادي الذي يقوم بتنظيم الحياة الاجتماعية داخل المجتمع وان الحكومة هم الاشخاص الذين يحكمون باسم الدولة, والأصل أن تكون الدولة تعبيرا عن المجتمع, وتنبع وظائفها من مفهوم ثابت هو حماية القيم الحضارية. فالدولة أداة الاتصال بين الماضي والحاضر والمستقبل, وهي تعبير عن الماضي بلغة القيم, وعن الحاضر بلغة المصالح, وعن المستقبل بلغة الاستمرارية والثبات. وإن لم تستطع أن تحقق هذه الوظائف بهذا المعني, وأن تخلق التوازن بين هذه الأبعاد المتعددة تصير دولة فاقدة شرعيتها حتي وإن استمرت بسلطة البطش والهيمنة في الواقع,وللدولة بهذا المفهوم وظيفة اتصالية محورها: تكوين الرأي العام في المجتمع لكي يكون صالحا للقيام بأدواره أو وظائفه التي تحددها الدولة, سواء كان ذلك علي الصعيد الداخلي أو الخارجي. وتتضح أهمية الدور الإعلامي للدولة عبر صنع حد أدني من الترابط; بحيث إن جميع عناصر الجسد السياسي تشعر بأنها- بخصوص ذلك الحد الأدني- تمثل قوة واحدة وكيانا واحدا, من خلال الترابط الحضاري; فالدولة بهذا المعني تتحرك في النطاق الداخلي والنطاق الإقليمي والنطاق الدولي, والوظيفة الحضارية تنبع منها وظائف أخري, وعلي وجه التحديد الوظيفة الثقافية السياسية. ويلعب الإعلام- أيضا- دورا مساندا للدولة بقوة في السياسة الخارجية. فالرأي العام يتطلب هامشا من الديمقراطية ووسائل التعبير: يجري التذكير دائما بالتغير الذي طال مختلف المجتمعات بفضل مجموعة من العوامل كالثورة الصناعية, ثم الثورة الديموغرافية, ثم انتشار مفاهيم( الحرية, المساواة, الديمقراطية) وما صاحب ذلك من تغيرات حقيقية في البني السياسية للنظم والدول, ثم أخيرا موجة ثورة الاتصالات ووسائل الإعلام, وشبكات التواصل الاجتماعي. ففي المجتمعات القديمة والمجتمعات التقليدية كانت غالبية الشعوب لا تمت بأي صلة إلي نظام الحكم والقضايا الأساسية التي تهم مصير المجتمع بكامله ما خلا الالتزام بالواجبات كدفع الضرائب والقيام بأعمال السخرة والهتاف للحكام والسلاطين.. دون أن يكون لهم أي رأي في سير الأمور العامة باستثناء بعض الثورات والحركات الاحتجاجية التي كانت تبرز بين الحين والآخر. أما في عصرنا الحالي فقد بدأت قيمة الرأي العام بالازدياد مما دفع بالنظم والجماعات السياسية للاعتناء بكسب ود الرأي العام أو السيطرة عليه وتوجيهه وفق رؤية ذلك النظام أو تلك الجماعة السياسية, ثم إن ذلك صار يتيح لوسائل الإعلام قدرا أكبر من الأهمية والفاعلية خلال دورها في النقل المتبادل للمعطيات الإعلامية بين طرفي المعادلة, الأنظمة السياسية في جانب والجماهير في الجانب الآخر. ولا شك أن البيئة السياسية التي يسودها القمع وغياب الحرية بكل أبعادها, تتميز برأي عام منكفئ, مكبوت ومحبط, فغياب الحرية يعيق ظهور الآراء الصريحة ويؤدي إلي إحلال الخوف والانكفاء محل المشاركة الفاعلة في الحياة العامة, والاهتمام بالشأن العام, ويؤدي كذلك إلي فقدان الثقة والتواصل بين المجتمع والسلطة. ويرتبط هذا العامل مع العامل السابق, وربما هو الشرط الضروري لوجود النظام الديمقراطي المتقدم بما يتضمنه من عناصر نمو ظاهرة الرأي العام, ومن ذلك وربما أوله أو من نتائجه هو وجود النظام الاتصالي السليم والفاعل, كما تحتل وسائل الإعلام مركز الصدارة في تشكيل الرأي العام, وتلعب وسائل الإعلام المرئية دورا خطيرا في المجتمعات الأقل نموا عكس الحال في المجتمعات المتقدمة, التي تشكل هذه الوسيلة جزءا من منظومة أكبر, ولعل أفضل تحليل لوسائل الإعلام الجماهيرية هو ما قام به كل من' نعوم تشومسكي' و'إدوارد هيرمان' في كتابهما' صناعة الإذعان: الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام الجماهيرية'. يحلل الاثنان هذا الموضوع بعمق ويقدمان' نموذج الدعاية' لأخبار وسائل الإعلام مصحوبة بالعديد من دراسات الحالة التفصيلية الدالة عليه. ووفقا لنموذج الدعاية هذا فإن المجتمعات الديمقراطية تقوم باستخدام وسائل خفية وغير عنيفة للسيطرة بعكس الأنظمة الاستبدادية والتي من الممكن أن تستخدم القوة البدنية فيها للضغط علي عامة الشعب. وفي إحدي مقولاته الشهيرة صرح تشو مسكي بأن' الدعاية تمثل بالنسبة للأنظمة الديمقراطية ما تمثله العصا للأنظمة الاستبدادية'. حيث يؤكد د. سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية أن الشعب المصري قبل وبعد ثورة25 يناير أصبحت لديه مصادر عديدة للمعلومات والأخبار مثل الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات بالإضافة إلي الثقافة الشفوية التقليدية و الإعلام الخاص والحزبي و الآن بعد الثورة ووصول الرئيس محمد مرسي إلي الحكم تحت شعار أنه سيحقق أهداف الثورة ولكن بعد حكمه لمدة عام أظهر العديد من دراسات مراكز استطلاع الرأي العام المصرية مثل بصيرة ومركز( بيو) الامريكي أن30% من الشعب المصري فقط يرون أن الرئيس مرسي يحقق أهداف الثورة وأنهم سينتخبونه ثانيا أما النسبة الباقية فرأوا أنه لا يحقق أهداف الثورة بل أهداف الجماعة والعشيرة, وانعكست هذه النتائج علي وسائل الإعلام المختلفة في تفاعلها مع الرأي العام, مع العلم بأن هناك إعلاما حزبيا وخاصا وفلوليا وثوريا يعبئ المواطنين ويكشف الانحراف عن تحقيق أهداف الثورة, أيضا هناك إعلام حزب الحرية والعدالة مثل قناة25 يناير وصحيفته وبعض القنوات المتأسلمة المتحالفة مع النظام بغض النظر عن أي كوارث حفاظا علي الشرعية علي أمل أن تتغير سياسته لتحقيق أهداف الثورة خلال المدة المتبقية في حين أن المعارضة تري أن استمرار الخلافات سيعرض الأمن القومي المصري للأخطار والانقسامات في طول البلاد وعرضها بصورة لم تحدث منذ عهد الملك مينا موحد القطرين, ويقولون إن النظام الحالي فشل في إحداث وحدة ولم شمل المجتمع و قسمه بسياساته. وتشير د.عزة كريم أستاذة علم الاجتماع والمستشارة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية إلي أن تأثير الرأي العام علي المواطنين هو حشد أعلامي وأن الإعلام الخاص منذ أن جاء الرئيس محمد مرسي وهو يقوم بحشد شديد ضده وضد شرعية الحكم ولو نتتبع الإعلام خاصة القنوات الفضائية والجرائد المعارضة نري أن بها كثيرا من المغالطات وقلة تفسيرات للقرارات الرسمية قرارات مضادة, وبالتالي منذ أن جاء مرسي ويوجد حشد شديد لصالح قوي مضادة والدليل علي ذلك أن كثيرا من القرارات والأقاويل والأحاديث له يتم التركيز علي القرارات المضادة ويضعون كل من هو ضد شرعية مرسي, وهنا لابد أن نتتبع ذلك فكل قرار يتم اتخاذه يقومون بتحليله بشكل سلبي وغير حقيقي ويشيعون بكثير من الشائعات ضد الحكم والإسلاميين, وقاموا بتقسيم الدولة إلي إخوان واتجاهات أخري, والحقيقة أنه لا يوجد قرار واحد يميز الإخوان ضد الشعب حتي المناصب الذين يدعون أنها كلها للإخوان فهذا غير حقيقي, وأصبح هناك إساءة وألفاظ غير لائقة تصل إلي حد الشتائم للمسئولين, فلم يكن الإعلام في مصر أيام الرئيس السابق حسني مبارك والمعارضة بهذا السوء, فمازال الإعلام هو المسئول الأول علي حدوث بلبلة في المجتمع المصري وتخريب وإساءة إلي الحكم الرسمي, وهل عرض الإعلام انجازات الرئيس والتي أحدثها في مصر, وتعرض بالسلبية والشائعات والإساءة لكل قرار إيجابي اتخذه الرئيس مرسي, وبالتالي أدي إلي شحن نفوس المواطنين لأن(90%) من المجتمع المصري لا يحصل علي معلومة إلا من خلال الإعلام حيث أنهم شحنوا نفوس المواطنين ضد الإسلاميين ومرسي وقسموا المجتمع إلي ليبيرالي واسلامي ومسيحي واستأجروا البلطجة لتغيير الحقائق, ولذلك نقول إنه يجب علي الشعب المصري أن يعي المخطط المعارض الذي يحاول نشر الفوضي في مصر وهز السلطة الشرعية تحت ادعاءات أخونة البلد والنظام الاسلامي وهي ادعاءات غير حقيقية ولن تحقق إلا انهيار أقتصادي وفوضي وبلطجة ولن يدفع ثمنها إلا الشعب المصري, فالرئيس مرسي معظم سياسته دفاعية لما يقوم به أعدائه يوميا من وضع العراقيل ونشر الشائعات المضادة فلم يقم بتخطيط لمستقبل مصر نظرا للإعلام المضاد والحركات الفوضوية, وبالتالي لابد من أن نقف جميعا ضد حركة تمرد ونزول الشعب يوم(30 يونيو) لأنها لو نجحت فإنها لن تترك وراءها إلا انتشار الفوضي وانهيار مصالح الشعب المصري.