كان وضع النساء في المجتمع الغربي غامضا باستمرار تشهد علي ذلك كتابات عدد لا حصر له من المؤلفين في شتي المجالات, فهي تكشف عن وجود مشكلة ما. علي الرغم من أنه يستحيل أن يكون هناك اتفاق حول طبيعة هذه المشكلة, فأنصار تعبير' الأنثي الخالدة' يأخذون به رغم أنه تعبير غامض علي أنه معيار لنمط الأنثي في الثقافة الغربية الذي نعرف بناء عليه' المرأة الحقيقية' التي لا تحقق ذاتها من خلال' الإبداع العقلي', أو' المشاركة في الحياة السياسية', أو الحياة الاقتصادية والاجتماعية علي قدم المساواة مع الرجل بل بالأحري يرتبط مصيرها- طبقا لهذه النظرة بإنجاب الأطفال ورعايتهم من خلال الأمومة, وبذلك تكون الرفيق الذي يساعد زوجها في المنزل. وباختصار' فالأنثي الخالدة' تعبير عن طبيعة المرأة وخصائصها الدائمة التي لن تتغير. ولقد بدأت أجزاء هذه الطبيعة تتشكل عند اليونان في مدينة أثينا في العصر الكلاسيكي, حيث لم يكن للمرأة الأثينية أي ارتباط بالرجل فالحياة العامة في الطرقات اليونانية, وأماكن الاجتماع كانت خاصة بالذكور, وكانت الأسواق, ومنتديات الرياضة أماكن يتقابل فيها الرجال مع الرجال, والواقع أن المدينة اليونانية كانت من كافة الوجوه ذكورية, ولم يكن مسموحا للمرأة عند اليونان أن تختار شريكا في الجنس- وتلك كانت الحال في الزواج الذي يفرضه الأهل ويرتبه في الأعم الأغلب النساء العجائز اللائي يسمح لهن بالتنقل من منزل إلي آخر. ويقول أحد الفلاسفة اليونان: ' كما أن مملكة النحل تبقي في الخلية وتشرف علي بقية أفراد النحل وهي تعمل, كذلك ربة الدار عليها أن تبقي بالمنزل تشرف علي ما فيه من أعمال وتراقب مصروف بيتها, فلا ينفق في شهر ما كان يمكن أن ينفق في عام..'. ومن أعجب العجب أن تتجمع كل الصفات المتخلفة لتوسم بها المرأة الشرقية حتي في هذا العصر الذي زار فيه المؤرخ اليوناني هيرودت مصر واندهش دهشة بالغة عندما رأي الرجال المصريين ينسجون الكتان في المنازل بينما تقوم النساء بشراء الحاجيات من الأسواق والبيع والشراء, والعمل في الحقول'. وكأن الدنيا في رأيه انقلبت رأسا علي عقب' فمصر تحوي العجائب' علي حد تعبيره- وسوف نعود إلي هذا الموضوع في نهاية المقال! ولقد قام فلاسفة اليونان وعلي رأسهم أفلاطون وأرسطو بتنظير هذه الصورة الاجتماعية ووضع اللمسات الأخيرة لها قبل أن تنتقل إلي التراث الديني في اليهودية والمسيحية فوضع أرسطو نظرية الأعلي يحكم الأدني, فالسيد هو الذي يحكم العبد والرجل يحكم المرأة لأنه أعلي منها, فالرجل هو الصورة والمرأة هي الهيولي( المادة) والنساء بصفة عامة ضعيفات, متسرعات, ناقصات عقل, يملن مع الهوي لا يستطعن حتي حكم المنزل أو إدارة البيت, دع عنك أن يشاركن في حكم الدولة, أو في الإبداع العقلي أو الحياة الاقتصادية علي قدم المساواة مع الرجل..! وهي صورة قاتمة عن المرأة لكنها انتقلت إلي حضارات أخري وثبتت في أذهان الناس ولهذا تقول سوزان بلS.Bell:' الصورة التي رسمها أرسطو للمرأة بالغة الأهمية فقد ترسبت في أعماق الثقافة الغربية, وأصبحت الهادي والمرشد عن النساء بصفة عامة'!. ويتفق أنصار المرأة علي أن الأعباء البيولوجية التي ترتبط بالأمومة, والقيود التي تفرضها الأوضاع الثقافية قد شدت المرأة إلي الخلف فمنعتها من تحقيق الطبيعة البشرية الكاملة, وهم يذكرون في شيء من السخرية أن مجتمع البشر لم يقدم لها أي تعويض وإنما اكتست هذه الصورة القاتمة للمرأة ثوبا دينيا في اليهودية أولا ثم المسيحية بعد ذلك. ففي كتابات العهد القديم تظهر المرأة كمخلوق خاضع وتابع وأدني من الرجل. وكان الرجل اليهودي- ولا يزال- يقول في صلاة الصبح' أشكرك يا إلهي أنك خلقتني رجلا وليس امرأة!' أما المرأة اليهودية فهي تقول' أشكرك يا إلهي أنك خلقتني كما تريد..'. ويقول أحد أنصار المرأة' كل ما كتب عن المرأة من قبل الرجال يجب أن يوضع موضع الشك والريبة لأنهم خصوم, وحكام في الوقت ذاته, ولقد سخروا اللاهوت والفلسفة والقوانين لخدمة مصالحهم الخاصة!'. ومن هنا فقد انعكس وضع المرأة المقهورة في الأزمنة القديمة في الكتاب المقدس كما كان في التراث الاجتماعي الذي ورثوه من اليونان. ولقد كان مؤلفو العهدين القديم والجديد هم رجالات عصرهم, وسوف يكون من السذاجة أن تتصور أنهم تحرروا من الأحكام المستبدة التي سادت هذه الحقبة. والواقع أن الكتاب المقدس يحتوي علي كثير من الأفكار التي هزت المرأة الحديثة هزة عنيفة بعد أن اعتادت التفكير في نفسها- علي الأقل إلي حد ما بوصفها شخصية مستقلة. فقد كانت الزوجة في العهد القديم توضع بين ممتلكات الرجل مع أشياء أخري ففي سفر الخروج- وفي الوصايا العشر توضع المرأة مع الثور والحمار وغيرهما من ممتلكات الرجل' لا تشته بيت قريبك, لا تشته امرأة قريبك ولا عبده, ولا أمته ولا ثوره ولا حماره..'!(20:17) وأيضا' لا تقتل ولا تزن ولا تسرق ولا تشهد علي قريبك شهادة زور ولا تشته بيت قريبك لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا شيئا مما لقريبك..'.( خروج20:13) مع ملاحظة أن كلمة قريبك التي تتكرر كثيرا تعني يهودي مثلك!!- وعلي حين أن الزوج يستطيع أن ينبذ الزوجة ويتبرأ منها فليس من حقها أن تطلب الطلاق. ولقد كان سوء السلوك من جانب المرأة يعاقب عقابا قاسيا عند العبرانيين القدماء, فإن الخيانة من جانب الزوج فإنها كانت تعاقب فقط لو أنه انتهك حقوق رجل يهودي آخر ولو أنه اتخذ من امرأة متزوجة عشيقة له. كما كان في استطاعة الرجل أن يبيع بناته كما يبيع عبيده. وإذا لم ينجب الزوجان أطفالا, فالمفروض أن الخطأ يكون خطأ الزوجة. وعلي الرغم من أن النساء العبرانيات يقدرن كأمهات فإن وضعهن الاجتماعي والقانوني كان وضع الموجودات التابعة.