لم تحظ الكثير من المسرحيات علي المستوي العالمي بمثل التأثير علي العادات والتقاليد الاجتماعية الذي حققته مسرحية بيت الدمية للكاتب المسرحي النرويجي هنريك إبسن1828-1906) الذي لقب بأبي المسرح الحديث لأنه استطاع أن يجدد أساليب الكتابة المسرحية, التي عاشت مستقرة منذ أيام الإغريق, ويخرج بها من لغة الشعر و الموضوعات الكلاسيكية إلي الحياة اليومية المعاصرة له و قضايا المجتمع في زمانه, وذلك من خلال بناء درامي محكم يعتمد علي التشويق والحبكة. ومن أهم مسرحيات ابسن التي حددت ملامح وجهه الواقعي وأعطته تميزا فنيا وفكريا,كما اعتبرها النقاد قنبلة موقوتة تفجرت في المجتمع, تلك المسرحيات التي كتبها في الفترة ما بين(18901877) ومنها أعمدة المجتمع والأشباح وعدو الشعب والبطة البرية, وبيت الدمية(1879), التي هي أكثر مسرحية تم عرضها علي خشبات مسارح العالم في القرن العشرين. في بيت الدمية التي صدرت لها مؤخرا ترجمة جديدة ضمن سلسلة ال100 كتاب المخصصة لروائع الإبداع العالمي التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة, أثار إبسن حفيظة الرجل الأوروبي في ذلك الوقت فرمي المشاهدون الممثلين بالطماطم الفاسدة أثناء أحد العروض, لأن المسرحية تعرضت للمرة الأولي بصورة جادة لمكانة المرأة في المجتمع الأوروبي, ومزق إبسن القناع عن حياة زوجية عاشت فيها الزوجة دمية في البيت أكثر منها شريكة لزوجها. وفي نهاية العمل تخرج نورا من بيت الزوجية صافقة الباب خلفها في دوي ترددت أصداؤه في أوروبا بأسرها. و سرعان ما تحولت شخصية نورا إلي رمز للمرأة التي تكافح من أجل التحرر والمساواة. واستغلتها الحركات النسائية المتطرفة في العصر الحديث أسوأ استغلال في تفسير المسرحية بعيدا عن مقاصد ابسن الحقيقية, ولا تزال المسرحية تثير جدلا بين النقاد المحدثين. وفي الأشباح(1887) يصور إبسن قصة امرأة تصبر علي فساد زوجها حفاظا علي سمعة العائلة والمركز الاجتماعي وتضحي بسعادتها الشخصية في سبيل ذلك. أما في مسرحيتي عدو الشعب(1882) والبطة البرية(1884), فإن إبسن يمزق الأقنعة عن وجه النفاق والتطرف في المثالية والعواقب الوخيمة التي تجرها أساليب قصيري النظر الذين يريدون إصلاح ما أفسدوه في هذه الدنيا بأيديهم. كتب إبسن أولي مسرحياته كاتالينا عام1850 وجاءت ميلودراما حافلة بالإمكانات التي لم يرها معاصروه. وفي عام1851 عمل إبسن مساعدا في مسرح بيرجين ثم سافر إلي الدنمارك وألمانيا لدراسة التكنيك المسرحي. في عام1862 أفلس مسرح بيرجين وأصبح إبسن مديرا فنيا للمسرح النرويجي في مدينة أوسلو. وكانت مسرحيةبير جنت(1867) هي ذروة المرحلة الأولي لإبداع إبسن الدرامي, الذي كان فيه شاعرا يستلهم الأساطير والملاحم الشعبية النرويجية, ولم يقم بعد بالثورة علي نفسه وعلي تاريخ المسرح, وقد حققت له بير جنت من الثناء النقدي والنجاح الجماهيري ما وضع قدميه علي أول الطريق وأعطاه الثقة اللازمة للجرأة علي التجديد والابتداع. وفي المحصلة نجد أن دعوة إبسن الاجتماعية في معظم أعماله هي دعوة إلي الاعتدال والوسطية ورفض التطرف في كل شيء, كما أنها دعوة الي تمزيق الأقنعة والكشف عن أقنعة الزيف الاجتماعي ونبذ النفاق ويقترح إبسن في الوقت نفسه الإبقاء علي أحلام الإنسان وحتي أوهامه, لأنها أحيانا تنفع أكثر مما تضر. ورحل ابسن في مايو عام1906, تاركا لنا أعمالا لا تموت.