لم ينس وهو يبحث عن الذهب ويجمعه معاناة الفقراء والمرضي وتذكر أسرته ومشقته في صباه وشبابه, فقرر أن يكون أبناء وطنه شركاء في ثروته التي تقدر بأكثر من ملياري دولار, فكان إعلان الملياردير باتريس موتسيبيه عن تبرعه بنصف ثروته للأعمال الخيرية بمثابة الشعلة التي أضاءت سماء جنوب إفريقيا المظلمة, وأعادت بعض الروح إلي شعبها الذي يعيش مكتئبا ومترقبا للحالة الصحية لرئيسهم المحبوب نيلسون مانديلا, الذي غير حياتهم وساهم في وصول رجل الأعمال إلي هذه المكانة العالمية رغم أنه لم ينعم بطفولته مثل غيره من الأطفال. فعندما وصل إلي سن الثامنة كان والده يجبره علي مساعدته في البيع من السادسة صباحا وحتي الثامنة مساء, ونظرا لمعاناته قرر أن يبحث عن مهنة أخري تبعده عن محل أبيه. ففي مطلع عام1960 وبالتزامن مع إيداع حكومة الفصل العنصري مانديلا السجن, نفت عددا من معارضيها إلي منطقة ريفية فقيرة كان من بينهم والد باتريس ثلوبين موتسيبيه, وفي منفاه ومع تحمله مسئولية أسرة مكونة من ثمانية أفراد لم يستطع الإنفاق عليهم من عمله بالتدريس, فأسس متجرا لبيع المشروبات لعمال المناجم. ولم يكن من السهل أن يحصل باتريس وأخوته علي تعليم جيد لأن حكومة الفصل العنصري كانت تحرص علي إلحاق السود بمدارس لا تحظي بالاهتمام كما الأخريات. ولم تثنيه معاناته عن إكمال تعليمه واستمر في دراسته حتي حصل علي بكالوريوس التجارة ثم ليسانس الحقوق, وفي عام1994 أسس وشريكه شركة للمحاماة ظل يعمل بها إلي أن اختير مانديلا أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا, ونظرا لهذا التحول قرر هو أيضا ان يغير حياته, فأغلق مكتبه وأنشأ شركة لتزويد شركات التعدين بالعمالة. واستطاع باتريس في فترة زمنية وجيزة أن يحولها من شركة صغيرة إلي مجموعة شركات كبري, ففي عام1997 حصل علي العديد من أسهم شركة' قوس قزح', التي تعد واحدة من أكبر خمس شركات تعدين للذهب في العالم, ثم اشتري شركة' مهاوي الهامشية' و'الانسجام', وحاليا يملك مجموعة شركات أفريكان رينبو مينيراليز للمناجم في بلاده وعددا من الدول المجاورة, وتقدر ثروته بنحو2.65 مليار دولار, وهو ثامن أغني شخصية في جنوب إفريقيا. ولم ينس في خضم استثماراته مساعدة فقراء بلاده ففي عام1999 أنشأ مؤسسته الخيرية لدعم مشاريع الشباب والنساء, ولإيمانه بدور المرأة أسس مكتب لمساعدتها في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, ولتشجيع الحكومات علي إصدار تشريعات مالية تسهم في دفع نساء إفريقيا للقضاء علي الآثار السلبية الناجمة عن الفقر والأمية والبطالة والمرض. وعلي الرغم من أنه يعد واحدا من أغني أغنياء العالم وقدم الكثير من الخدمات الخيرية لبلاده إلا أن شهرته لم تذع في جنوب افريقيا إلا بعد امتلاكه لنادي ماميلودي صنداونز لكرة القدم الذي يعد واحدا من أندية الدرجة الأولي. جاء تبرعه بأكثر من مليار دولار لرغبته في تحسين ظروف معيشة مواطني جنوب إفريقيا من فقراء ومعوقين ونساء وشباب وعاطلين عن العمل وحتي لا يشعر أنه حرم أبناء بلده من ثروته, ولكي لا يعاني أحد مثلما عاني وليعلم أولاده أهمية مساعدة الفقراء, مؤكدا أن استجابته لحملة' تعهد العطاء' التي أطلقها عام2010 كل من وارن بافيت وبيل جيتس بهدف تشجيع أثرياء العالم للتبرع بجزء كبير من ثرواتهم لأهداف إنسانية خيرية لاتقتصر علي البيض وحدهم ولدفع أغنياء أفريقيا للارتقاء بقارتهم ومساعدة أبنائها أو التعبير عن اعترافهم بفضلها. وبذلك أصبح ابن الخمسين ربيعا واحدا من عظماء إفريقيا علي الرغم من معاناته هو وأسرته وأكثر من29 مليون شخص أسود من ويلات التفرقة العنصرية إلا أنه قدم نموذجا إفريقيا فريدا يحتذي به في التضحية والعطاء ومثالا للدور التنموي والاجتماعي لرجال الأعمال الوطنيين الذين كونوا ثرواتهم من خيرات بلادهم ثم أفادوها مرة أخري.