مع ارتفاع اسعار المعادن الي حدود لم تبلغها من قبل تواجه منطقة جنوب شرقي آسيا معادلة صعبة هي كيفية الاستفادة من ثرواتها المعدنية دون الاضرار بمصالح الاهالي في المناطق التي تجري فيها عمليات التعدين. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان البلدان التي لديها عمليات تعدين متقدمة تحول بالفعل ثرواتها المعدنية الي نقود.. ففي بلد مثل استراليا توقع تقرير رسمي صدر أخيرا ان ترتفع صادراتها من المعادن هذا العام بنسبة 22% لتبلغ نحو 62 مليار دولار استرالي (47 مليار دولار امريكي) اما جيرانها الفقراء في جنوب شرقي آسيا فيمكنهم ان يكسبوا المليارات ايضا اذا سارعوا باستغلال ثرواتهم البكر من المعادن.. وهذا امر ممكن خصوصا اذا عرفنا ان شركات التعدين تجهد نفسها لتلبية الطلب المتزايد وانها علي استعداد للاستثمار بكثافة في هذه المنطقة بالذات.. والحقيقة ان الحكومات في بلاد مثل الفلبين واندونيسيا وحتي ميانمار قد فتحت ابواب الاستثمار امام الشركات ولكن الاهالي ودعاة حماية البيئة يتوجسون من عمليات التعدين ومن الشركات الاجنبية العاملة في هذه الصناعة ويقاومون وجودها. ويقول الاهالي ان المناجم عادة تلوث الانهار والبحار القريبة منها وتدمر مصادر ارزاق الفلاحين والصيادين.. ولا يريد الاهالي تحمل هذه المخاطر خصوصا انهم لا يستفيدون من الضرائب المفروضة علي عمليات التعدين حيث تذهب كلها او معظمها الي سكان المدن والعواصم، كما ان ارباح الشركات يتم تحويلها الي الخارج وقد شهد اقليم بابوا الاندونيسي اخيرا اضطرابات واسعة أثارها الاهالي مطالبين باغلاق منجم للنحاس تستغله شركة فريبورت - مكموران الامريكية وادت هذه الاضطرابات الي فشل جهود الحكومة الاندونيسية في جذب مزيد من الاستثمارات الاجنبية المباشرة الي قطاع التعدين وبالمثل يقاوم دعاة حماية البيئة واساقفة الكنيسة الكاثوليكية ذات النفوذ الشعبي جهود حكومة الفلبين لجذب الاستثمارات الاجنبية اللازمة لتنفيذ 24 مشروعا تعدينيا جديدا ذات افضلية خاصة. ومنذ ايام عادت حكومة الفلبين الي فتح منجم جزيرة رابو - رابو تحت التجربة وهو منجم كبير يحتوي علي احتياطيات ضخمة من الذهب والفضة والنحاس والزنك، ويعتبر اول منجم يديره الاجانب في البلاد منذ اربعين عاما.. وكان هذا المنجم قد اغلق من قبل بسبب تسريبه للسيانيد السام في المجاري المائية للمنطقة المحيطة به وادي ذلك الي احتجاجات عارمة من الاهالي، خصوصا ان الفلبين زاخرة بسوابق الكوارث البيئية الناجمة عن اهمال مهندسي وعمال التعدين. وقد وقف اساقفة الكنيسة الكاثوليكية الي جانب الاهالي مطالبين بوقف كل عمليات التعدين في جزيرة رابو - رابو الي حين اجراء دراسات شاملة ومعمقة لحماية البيئة.. ومن المفارقات ان شركة لافاييت مايننج الاسترالية صاحبة هذا المنجم تعاني صعوبات مالية واي تأخير في تشغيله قد يؤدي الي افلاسها.. ومثلما حدث لاندونيسيا تكررت المأساة في الفلبين وهربت الشركات التي كانت تستعد للاستثمار بسخاء في قطاع التعدين الفلبيني وهي شركات عملاقة من جنوب افريقيا واليابان واستراليا. وعموما، تقول "الايكونوميست" ان منجم رابو - رابو لن يستمر تحت التجربة سوي شهر واحد يتم بعده اغلاق المنجم مرة اخري اذا ثبت خروج اية تسربات سامة منه.. وقد تعهدت وزارة البيئة الفلبينية بوضع مراقبين للتلوث في كل المناجم والالتزام الدقيق بمعايير السلام البيئية في الفلبين وهي معايير موافقة للقواعد الدولية في هذا الشأن. وعلي جانب آخر، سنجد بعض الاهالي سعداء بما تخلقه شركات التعدين من فرص عمل ذات اجور سخية.. ولكن معظمهم ساخطون لان عوائد عمليات التعدين تذهب الي الحكومة المركزية ولا يعود عليهم منها سوي القليل.. صحيح ان 40% من الضرائب علي المناجم تعود الي السلطات المحلية في مناطق التعدين ولكن الفساد وعدم الكفاءة الادارية يعوقان وصولها الي السكان انفسهم.. ولتصحيح هذه الاوضاع وعدت حكومة الفلبين برفع حصة السلطات المحلية الي 60% من الضرائب علي المناجم. والحقيقة ان تهدئة الاهالي تتطلب تضافر جهود الحكومات والشركات معا لمنع تلوث البيئة وتعظيم استفادة السكان المحليين مما يجري علي ارضهم من نشاط اقتصادي مرتفع الربحية.. وقد يكفي ان نعرف هنا ان تقريرا رسميا صدر عام 2002 قدر قيمة احتياطيات الفلبين، من المعادن بنحو 820 مليار دولار اي ضعف اجمالي الناج المحلي الفلبيني وهي ثروة يمكنها ان تفيد كل الاطراف اذا ما احسن استثمارها لصالح الاهالي والحكومات والشركات علي حد سواء.