كتبت:ياسمين أسامة فرج فجرت مذبحة منجم' لونمين' التي شهدتها جنوب إفريقيا منذ عدة أيام وراح ضحيتها34 من عمال المنجم السود- بعدما فتحت الشرطة النار عليهم خلال مظاهرات طالبوا فيها برفع أجورهم. عدة قضايا حول أوضاع هذا البلد الذي عاني لعقود من سياسة التفرقة العنصرية علي يد المستعمر الابيض.فقد كشفت هذه المذبحة أن إرث التفرقة العنصرية لايزال متغلغلا في جنوب إفريقيا ولكنه هذه المرة تحت عباءة نخبة سوداء حاكمة ارتبطت مصالحها بالأقلية البيضاء التي لاتزال تسيطر علي اقتصاد البلاد وأهم مواردها وراح أغلبية الشعب من ذوي البشرة السمراء ضحية لزواج السلطة بالمال. وما حدث من إضراب عمال المنجم وأعمال العنف التي أعقبته ما هو إلا نتاج حالة من الإحباط واليأس تعاني منها الأغلبية السوداء الفقيرة التي تحطمت آمالها في حياة أفضل بعد مرور سنوات من تحقق حلم الديمقراطية وانتهاء حقبة الأبارتايد بتولي الزعيم نيلسون مانديلا الرئاسة عام1994 ومن خلفه قادة حزب المؤتمر الوطني الافريقي الذي يحكم حتي الآن. فقد كشف تقرير للبنك الدولي صدر في يوليو الماضي أن جنوب افريقيا مازالت من بين أكثر مجتمعات العالم التي تشهد ظاهرة عدم المساواه حيث تسيطر الطبقة الأكثر غني والتي تمثل10% علي نحو60% من الناتج القومي, في حين يتقاسم0.5% من المواطنين الأكثر فقرا هذا الدخل, حيث يعيش نصف السكان في جنوب إفريقيا بأقل من8% من عائدات البلاد. كما أشار التقرير إلي أن جنوب إفريقيا,علي الرغم من أنها أكبر اقتصاد في القارة والبلد الإفريقي الوحيد العضو في مجموعة العشرين, إلا أن سكانها يعانون التهميش الاجتماعي, وعلي الرغم من أنها أنجزت تقدما كبيرا في تحولها الاقتصادي, فإن مستويات الفقر والبطالة تبقي مرتفعة بشكل خطير, خاصة خارج المدن. ويذكر أن معدل البطالة في جنوب أفريقيا تجاوز25% والغالبية العظمي من العاطلين عن العمل هم من السود الذين يشكلون نحو80% من التعداد السكاني. وبحسب التقرير, فإن لون البشرة ما زال معيارا لعدم المساواة إذ أن القسم الأكبر من البيض في منأي عن الصعوبات الاقتصادية بفضل امتيازاتهم الموروثة من نظام الفصل العنصري. ويشار إلي أنه قبيل صدور تقرير البنك الدولي كانت تقارير إحصائية قد كشفت أن جنوب أفريقيا حلت العام الماضي محل البرازيل كأكثر دولة في العالم بها عدم مساواة وتكافؤ فرص.ويقول مارتن بلوت محرر هيئة الإذاعة والتليفزيون البريطانية' بي.بي.سي' لشئون أفريقيا إنه منذ أن تمت المفاوضات التي خرج بموجبها منديلا من السجن عام1994 ورفع الحظر المفروض علي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي قاد كفاحا طويلا في الماضي ضد العنصرية-, فإن ثمة اتفاقا غير معلن تم بين البيض و السود وهو أن تسلم السلطة السياسية للأغبية السوداء بينما تبقي القوة الاقتصادية في يد البيض مع وضع خطط تدريجية لتوزيع أكثر عدلا للثروات في المستقبل. ولكن قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذين خلفوا مانديلا, تخلوا عن خطط' تمكين السود اقتصاديا' التي تهدف إلي توزيع أكثر عدلا لثروات البلاد و سعوا بدلا من ذلك وراء أباطرة الاقتصاد البيض حتي أصبحوا مساهمين أساسيين في كبري الشركات المملوكة للبيض, وعلي رأسها الشركات المالكة للمناجم. وبعيدا عن الأبارتايد الاقتصادي الذي يمارس ضد السود, فإن مذبحة المنجم أثارت عده تساؤلات حول الديمقراطية و المحاسبة في جنوب أفريقيا التي تحسدها القارة الافريقية علي ديمقراطيتها. فحتي الآن لم يستقل أي مسئول من منصبه, سواء كان الوزير المسئول عن صناعة التعدين, أو رئيسة الشرطة التي عللت فتح النار علي المتظاهرين بأنهم كانوا مسلحين, أو المدير التنفيذين للشركة المالكة للمنجم, أو حتي قادة النقابات. وستظهر نتائج التحقيق الذي أمر الرئيس زوما بفتحه حول الحادث ما إذا كانت دماء السود لها ثمن غال و سيعاقب كل من تسبب في إهدارها أيا كان, أم أنها ستضيع هباء في زمن تحول فيه رفقاء الأمس إلي لصوص اليوم.