لا ينكر أحد أن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر عقب الثورة، أعطى إشارة بدء لكل من لديه مشروع معطل أو مؤجل بأن ينفذه الآن فالفرصة قابلة للتنفيذ ونسبة نجاحها كبيرة خاصة فيما يتعلق بالأمن القومى، لذلك ظهرت قضية الأمن المائي، وسط تناحر القوى السياسية بكل طوائفها وأحزابها وثوارها على تقسيم المناصب والكراسى فيما بينها، بينما يعد المتربصون بليل ما لا نتوقعه ولم نعمل له حسابا لنصحو جميعا على تفجير إثيوبيا قنبلة من العيار الثقيل بإعلانها تحويل مجرى النيل. مصر هى الدولة الوحيدة فى دول حوض النيل التى ليس لها مورد مائى غير نهر النيل، حيث يمدها بما يقرب من 95 % من احتياجاتها، وتنعدم فيها المياه الجوفية فلا تغطى سوى 3% فقط، وال 2% الباقية من الأمطار.. بمعنى أن التعرض لمياه نهر النيل مسألة (حياة أو موت)، وكما نقول فى المثل الشعبى "يا واكل قوتى يا ناوى على موتى".. وانتفضنا جميعا لهذا الحدث لأن مشروع سد النهضة الإثيوبى يمثل خطرا على حصتنا فى مياه النيل والمساس بمصادره بمثابة إعلان حرب، تماما مثلما لو استيقظنا يوما على دخول إسرائيل سيناء. فى السبعينيات وتحديدا فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات فكرت إثيوبيا فى تنفيذ مشروع مثل الذى شرعت فى القيام به الآن، فأعلنت مصر أنها مستعدة لخوض حرب إذا فكرت إثيوبيا فى الإضرار بمصالح مصر المائية، وكان هذا الرد الحاسم لأنه من المعروف دوليا أن اتفاقيات المياه مثل اتفاقيات الحدود بين الدول، وفى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حدث نفس الموقف لكنه استطاع حلها عن طريق الكنيسة. وظلت أثيوبيا تخشى التفكير فى مثل هذا المشروع حتى عادت فى أواخر التسعينيات فى شكل الاتفاقية الإطارية لمبادرة حوض النيل التى تتجاهل حقوق مصر والسودان التاريخية فى مياه النيل، وساعد على إعادة النظر فى الاتفاقية من جديد خروج أفريقيا من اهتمامات الشأن المصرى وتجاهل مشكلاتها، و ظهور الاهتمام المفاجئ لإسرائيل بدول حوض النيل خاصة إثيوبيا والسودان، فساعدوا السودان على التقسيم، ونشروا رجال الموساد فى إثيوبيا لمعرفة ما يمكن أن يضر مصر فكان مشروع سد النهضة. واستغلالا لما نعانيه منذ قيام الثورة رأت إثيوبيا فرصة لتنفيذ مشروعها الآن للتخذ قرارا منفردا بإنشاء السد متجاهلة الاتفاقيات الدولية الموقعة التى تمنع التصرف فى مياه النيل إلا بموافقة دول حوض النيل، فهاج الشارع المصرى وشاعة حالة من القلق، لكن الطرق الدبلوماسية والشرعية والتفاوض مع إثيوبيا سيأتى بنتيجة مرضية للطرفين وسوف تحل بالتفاوض، ولنتعلم من الدرس أن دول حوض النيل أولى بنا أن نهتم بهم، وأن نفتح علاقات جديدة معهم ونتبنى مشكلاتهم ونحاول القيام بمشاريع استثمارية فيها لنكون دائما لنا دور فاعل يحفظ هيبة مصر ومكانها فى القارة الأفريقية. [email protected] لمزيد من مقالات على جاد