حالة من القلق والاضطراب سادت الشارع المصري الأيام القليلة الماضية علي خلفية أحداث سيناء الأخيرة والتي انتهت بعودة الجنود السبعة المختطفين سالمين, وتخليصهم من قبضة خاطفيهم.. ولكن ماذا بعد!. إن أسلوب المساومة الذي لجأت إليه بعض قبائل سيناء, ومن قبله حالات التطاول علي الرموز والمؤسسات السيادية بالدولة, ناهيك عن حالات الخطف والسرقة والابتزاز وغيرها..كلها حالات تعكس المساس بهيبة الدولة وعدم الاعتداد بالقانون..حتي كأننا مقبلون علي إحلال شريعة الغاب بدلا من دولة القانون!. الأمر الذي حذر معه علماء الدين من سقوط هيبة الدولة, وشددواعلي ضرورة تفعيل نصوص القانون وتطبيقه وإعلائه فوق كل اعتبار, ورفع شعار هيبة الدولة.. خط أحمر كما أكد العلماء أن مصر في أمس الحاجة الآن لأن يتعاون الجميع( النظام والمعارضة) ويعلوا علي خلافاتهم الضيقة للعبور بالبلاد إلي بر الأمان. هيبة الدولة تنبع من رئيسها في البداية يوضح الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر, أن هيبة مصر تنبع من هيبة رئيسها, فإذا قلت هيبة رئيس الدولة فإن الدولة أيضا تقل هيبتها إلي أن تسقط بقدر ما تسقط هيبة الرئيس. وأشار إلي أننا لو طبقنا القواعد الشرعية فيما يصدر من تجاوزات ضد رموز الدولة ومؤسساتها السيادية لوجدناها تؤدي إلي تجريم ما يحدث الآن من إسقاط هيبة الدولة وإسقاط هيبة رئيس الدولة نفسه, لأن رئيس الدولة له صفتان: الأولي كونه مواطنا مصريا, والثانية كونه رئيسا للجمهورية. وكلا الوصفين يوجب التعامل مع رئيس الدولة باحترام كامل, فلا يجوز شرعا السخرية من أي مواطن مهما كان مركزه الاجتماعي أو قلت مكانته بين الناس..تنطق بذلك آيات القرآن الكريم في قول الله تعالي لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب ثم بين الله تعالي بعد هذا أن من يتصف بهذا الخلق فاسق, فقال تعالي بئس الاثم الفسوق بعد الإيمان ووصف من يفعل ذلك أيضا بالظلم ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. ويري د. رأفت عثمان أنه للقضاء علي التدني والسقوط في الحوار, لابد من اللجوء إلي القانون, ولا مجال للتسامح في مثل هذه الأمور, فالتسامح في مثل هذه الحالات يفسر علي أنه ضعف وليس تسامحا, لذلك فإنه لا يحسن العفو في كل جريمة تدخل في باب السب والقذف لرئيس الدولة, ولعل ما يؤكد ذلك أن الذين تنازل رئيس الدولة عن مقاضاتهم لم يكفوا عن تماديهم في الإهانة, وبأسلوب لا يمكن أن يوصف بأنه داخل في الحوار أو في النقد الخالي من الهوي والإساءة. والقواعد الشرعية أيضا تقول لا ضرر ولا ضرار, وهو نص حديث شريف عن الرسول صلي الله عليه وسلم. والنهي هنا عام عن كل أنواع الضرر, فيشمل الضرر المادي والمعنوي, فإذا أضر إنسان بإنسان آخر معنويا كان مرتكبا للحرام ويستحق عقوبة تعزيرية مع هذا.. لأن الشرع, كما منع الإيذاء المادي منع الإيذاء المعنوي والنفسي أيضا, فعندما مر أحد الصحابة, عقب إحدي المعارك بين المسلمين واليهود, وكان معه أسيرتان من أسري العدو في أرض المعركة, فلما رأت إحداهما بعض القتلي من قومها أجهشت بالبكاء فلما علم رسول الله صلي الله عليه وسلم, بذلك عنف الصحابي, وقال له ما معناه: كيف تمر بامرأتين علي قتلي قومهما؟..وهذا يفيد أن الضرر النفسي أيضا ممنوع شرعا مع الخواص والعوام علي السواء, حتي مع غير المسلمين. الوطن جزء من الدين في السياق نفسه يلفت الدكتور محمد أبو زيد الفقي أستاذ الثقافة الإسلامية والدعوة بجامعة الأزهر إلي أن المعارض الوطني هو الذي يساند الدولة وقت ضعفها وأزماتها, بصرف النظر عن موقفه من النظام الحاكم, لا أن يتاجر بالأزمات وينتظر إخفاقا أو كارثة ليجاهر بعدائه ويفاخر بالتنظير في الفضائيات,وكأنه يعلن عداءه للبلد والقائمين عليه. ورفض الفقي أسلوب الضغط والاستفزاز علي أصحاب القرار لاسيما في القضايا الحساسة كالتي شهدناها مؤخرا( اختطاف الجنود), لما قد يحدثه ذلك من ردود فعل سلبية, وإدخال البلاد في دوامة من المشكلات, ودعا الجميع إلي التجرد والعمل من أجل مصلحة الوطن وإعلاء دولة القانون..وأن يكون كل منا انتماؤه للوطن فوق انتمائه للأشخاص أو الأحزاب, فحب الوطن عبادة وجزء من الدين, لذا جعل الإسلام من يدفع حياته ثمنا لذلك شهيدا, وما أعظم أجر الشهادة. واختتم الفقي متسائلا: لماذا نصر علي الخلط بين الحرية والفوضي. وماذا يبقي لنا إذا سقطت هيبة الدولة وكيف ننتظر من الآخرين احترامنا إذا لم نحترم أنفسنا باحترام وطننا وقياداته!! السلطة والمعارضة..رسالة واحدة أما الدكتور نبيل السمالوطي العميد الأسبق لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر, فيوضح أن النظام السياسي في أي مجتمع يضم طرفين أساسيين متكاملين, هما السلطة والمعارضة, وأنه لا نظام سياسي بلا معارضة. وأوضح أن مهام السلطة والمعارضة تكاملية وليست تناقضية, حيث إنها تتمركز معا حول تحقيق المصلحة العامة والتقدم علي جميع الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والصحية وغيرها.. والعمل علي وضع مصر علي خريطة متقدمة في العالم لتكون أول نمر إفريقي مثل النمور الآسيوية. ومن هذه المهام أيضا مواجهة التحديات والمشكلات التي تواجه الوطن داخليا وخارجيا, كالبطالة والفقر والعشوائيات, والأمية الهجائية والدينية وغيرها. واعتبر السمالوطي أن أخطر قضية في مصر الآن هي قضية انعدام الأمن لما يترتب عليها من انعدام السياحة وانعدام الإنتاج, ومن ثم مد يد مصر لتتلقي قروضا ومساعدات بالخارج وهذا لا يليق بقيمة وقامة مصر. ولعودة هيبة الدولة كما يري السمالوطي يجب تفعيل سيادة القانون وتطبيقه فورا علي الجميع دون تهاون مع أحد, مع الحرص علي توفير الثوابت وحاجيات الناس وضروراتهم. احترام قواعد الديمقراطية ودعا الدكتور محيي محمد مسعد الأستاذ بجامعة الإسكندرية الحكومة إلي عدم التراخي في مهامها حتي يمكن للمواطن احترامها والحفاظ علي هيبتها, فإذا كان علي الشعب احترام النظام والحكومة, فعلي الحكومة في المقابل الإسراع بسد العجز البين في بعض المجالات وعلي رأس ذلك الملف الأمني, وكذلك الصحة والتموين, وغيرها, وأن تعجل بالقرارات التنفيذية المناسبة التي لا تستدعي العرض علي مجلس الشوري.. مشيرا إلي أن الانشغال بعرض كل شيء علي مجلس الشوري أدي إلي تصادمه مع كثير من مؤسسات بالدولة وهو ما كان سببا في هجوم المعارضة علي النظام.