يختلف أبناء اليمن أنفسهم حول نتائج ثورتهم التي بدأوها قبل نحو عشرة أشهر للاطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح الذي يحكمهم منذ نحو ثلاثة وثلاثة عاما, فمعظمهم يعتبرها ناجحة وإن لم تكن بقدر نجاح ثورتي مصر وتونس, فيما يصر البعض علي أنها فشلت. , متهما أطرافا داخلية وأخري خارجية بعرقلتها وتحويلها لمصالحها الخاصة. وجهة النظرالأولي تري أن اجبارعلي صالح علي التنازل عن السلطة الفعلية لنائبه عبد ربه منصور هادي,( مع بقائه رئيسا شرفيا من دون القدرة علي نقض قرارات نائب الرئيس) يعد أفضل ما يمكن الوصول إليه في ظل عوامل معقدة ومتشابكة داخلية وخارجية ودولية أيضا فرضت نفسها وتحكمت في مصير الثورة اليمنية. وضمن هذه الرؤية كذلك فإن هذه التسوية جنبت اليمن حربا أهلية بدت نذرها مع تصاعد البعد القبائلي في تحريك الأحداث خصوصا مع ما هو معروف عن قوة النزعة القبلية في البلاد. فرغم دعم ومساندة بطون وزعماء من قبائل كبري للثورة مثل الشيخ صادق الأحمر زعيم حاشد, فإن مشايخ من نفس قبيلته لم يغيروا من مواقفهم المؤيدة للرئيس صالح الذي اعتاد منذ تسلمه الحكم عام1978 التقرب من شيوخ القبائل اليمنية وكسب تأييدهم بالمال والنفوذ. كما أن القبائل لم تنجح في حماية نظامها القبلي من اختراقات سياسية, وإن بدت محدودة لكنها تظل ندوبا عميقة علي جدار القبيلة, تعكس حالة انقسام آخر في صف الجماعة التي يتشكل منها بنيان القبيلة. وعلي الجانب الأخر, واصل المتظاهرون الشباب اقامتهم بمخيمات في عدة مدن, معربين عن اعتراضهم علي أية حصانة من الملاحقة القضائية لصالح وأقاربه علي النحو المنصوص عليه في اتفاق انتقال السلطة. ويكيل النشطاء الاتهامات لأحزاب المعارضة بافشال الثورة بتخليهم عن المحتجين وهرولتهم إلي الرياض لتوقيع المبادرة الخليجية وخيانتهم للشهداء بالموافقة علي منح علي صالح وأبنائه وزبانيته حصانة قضائية. ويقول أحمد الفقيه, وهو أحد قادة المحتجين في مدينة ذمار التي تبعد بحوالي100 كيلومتر جنوب صنعاء, أن هذه الأحزاب, المعارضة] باعت القضية... لقد توصلت إلي اتفاق مع القتلة... نحن لن نتفاوض معهم... وسنواصل الاحتجاج حتي تتم تلبية جميع مطالبنا. ويري المراقبون أن الأحزاب السياسية ارتكبت خطأ باستثناء الناشطين الشباب من الصفقة التي تمت بوساطة مجلس التعاون الخليجي. ويري الكاتب الصحفي حيدر ناصر الجحماء, من مدينة عدن الجنوبية, أن الشباب كانوا قوة الدفع الرئيسية وراء اتفاق انتقال السلطة. ولن ينجح مجلس الوزراء ما لم يسمح لهم بلعب دور كبير في عملية انتقال السلطة. وأيضا علي الرغم من أن المبادرة تمنح صالح منصبا شرفيا كرئيس دولة بلا صلاحيات فهو لايزال يتمتع بنفوذ علي القوات المسلحة والاقتصاد. وبالاضافة إلي سيطرتهم علي الافرع الرئيسية للمؤسسة الامنية بما في ذلك الحرس الجمهوري وأجهزة الامن الداخلي, فإن أقارب صالح يهيمنون علي الاقتصاد من خلال شركات حكومية وخاصة يديرونها. ووفقا لاتفاق المبادرة الخليجية تشرف لجنة عسكرية علي اعادة هيكلة القوات المسلحة. ويرأس هذه اللجنة عبد ربه منصور الذي انتقلت اليه السلطة وهو ضابط سابق بالجيش تحترمه المعارضة, لكن محللين يتشككون في أن تتمكن لجنته من التخلص من كبار القادة مثل احمد علي صالح( ابن الرئيس) قائد قوات الحرس الجمهوري التي تعتبرها واشنطن حائط الصد ضد تنظيم القاعدة في اليمن. ويعني وجود احمد صالح علي رأس الحرس الجمهوري استمرار أبيه, دون استبعاد احتمال سعيه مستقبلا إلي الوصول للحكم الذي كاد أن يرثه. ومما يزيد من مخاوف الرافضين للتسوية أن الفترة الانتقالة الثانية بحسب الاتفاق سوف تستمر لمدة سنتين تبدأ بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة في21 فبراير, ويتم خلالها إجراء حوار وطني شامل لحل مشاكل اليمن الكبيرة, لا سيما القضية الجنوبية وهي مطالب الحراك الجنوبي بالانفصال, مؤكدين أنها فترة طويلة وتواجهها تحديات جسيمة أخطرها مسألة إعادة هيكلة الجيش وقوات الأمن المنقسمة, والاعتقاد بأن صالح سوف يقاوم طرد إبنه وأبناء إخوته الثلاثة من المراكز الحساسة في الجيش وقوات الأمن. ومع مبررات كل من الطرفين في القول بنجاح أو فشل الثورة في اليمن, فإنه يجب التأكيد علي أن مشكلات اليمن وقضاياه بتعقيداتها الداخلية والخارجية المتراكمة منذ استقلاله عن الاحتلال البريطاني عام1967 لايمكن حلها عبر مبادرة تسوية واحدة أو شهور من الاحتجاجات, وأن أحداث النهاية للثورة في تونس أو مصر أو ليبيا ليس بالضرورة أن تتكرر بنفس مشهد سقوط المجرم, في اليمن التي يكفي أبناء ثورتها أنهم أصبحوا ثالث قوي الربيع العربي التي تقضي علي مخطط التوريث ورابعها في الاطاحة بالزعيم.