فجر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مفاجأة بعد أشهر من المراوغة والمماطلة والتحدي, ووقع المبادرة الخليجية التي جردته من سلطاته. ويوجه اليمنيون تركيزهم الأن إلي كيفية تطبيق الإتفاق بما يضمن تفكيك حكم صالح الذي زرعت قبضته الحديدية أفراد عائلته وأصدقاءه وحلفاءه في الجيش وقطاع الأعمال والاقتصاد. وأضعف الصراع السياسي الذي أمتد عشرة أشهر سيطرة الدولة بالفعل علي معظم أرجاء اليمن, مما أفسح المجال للمتمردين في الشمال والانفصاليين وتنظيم القاعدة في الجنوب في الوقت الذي يعاني فيه سكان اليمن البالغ عددهم24 مليون نسمة من نقص شديد في المياه والوقود والوظائف. دفعت هذه الاضطرابات العنيفة اليمن إلي شفا حرب أهلية مما أثار قلقا عميقا في الرياضوواشنطن. ومن المؤكد إن إحدي العقبات الرئيسية في طريق تطبيق الإتفاق هو صالح نفسه, الذي قارن ذات يوم بين حكمه لليمن الذي دام33 عاما بالموازنات والمواءمات وبين الرقص علي رؤوس الأفاعي.غير أن الآمال قد اهتزت في أن يحقق الإتفاق السلام بعد يوم من توقيعه, حين قتل خمسة يمنيين علي الأقل علي أيدي مسلحين يعتقد أنهم موالون لصالح, هاجموا احتجاجا يطالب بمحاكمة الرئيس اليمني. ولايزال كثيرون غاضبين من أن المبادرة الخليجية التي وقعها صالح, تضمن له ولأبنائه الحصانة بعد أن سيطروا علي البلاد التي يعيش نحو42 بالمائة من سكانها علي أقل من دولارين في اليوم. والجدير بالذكر إن الاتفاق لم يوقع إلا بعد ضغوط مكثفة من الولاياتالمتحدة والسعودية ودول أوروبية علي صالح وأحزاب المعارضة للتوصل إلي اتفاق, كما أن واشنطن حرصت علي حسم الوضع في اليمن بطريقة منظمة قبل خروج مرتبك محتمل لصالح قد يؤثر علي السعودية, أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم. وعلي الرغم من أن الإتفاق يمنح صالح منصبا شرفيا كرئيس دولة بلا صلاحيات, فهو لايزال يتمتع بنفوذ علي القوات المسلحة والاقتصاد. وحتي بعد ذهابه إلي الولاياتالمتحدة بعد تسليم السلطة للعلاج, فإنه سيظل رئيسا لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يحكم اليمن منذ زمن, وسيكون الحزب شريكا في حكومة اقتسام السلطة التي ستشكل مع المعارضة خلال فترة انتقالية تسبق انتخابات الرئاسة. وبموجب الإتفاق تشرف لجنة عسكرية يرأسها عبد ربه منصور هادي نائب صالح, الذي انتقلت إليه السلطة علي إعادة هيكلة القوات المسلحة. لكن التخوف الحقيقي من عدم تمكن اللجنة من التخلص من كبار القادة مثل أحمد بن صالح قائد قوات الحرس الجمهوري التي تعتبرها واشنطن حائط الصد ضد تنظيم القاعدة. ومن العوامل الأخري المثيرة للقلق, أن اللاعبين الأساسيين في المعارضة, خاصة النشطاء الذين اعتصموا في وسط صنعاء وتعز لأشهر, غير راضين عن الإتفاق الذي يعطي صالح ومساعديه المقربين وأفراد عائلته الحصانة. وراهنت السعودية- التي مولت صالح وبعض خصومه من القبائل لفترة طويلة- بسمعتها علي الإتفاق حين شهد الملك عبد الله العاهل السعودي مراسم التوقيع في قصره بالرياض. وتخشي السعودية التي قاست لثلاثة أعوام من هجمات شنها متشددون من بينهم مقاتلون مخضرمون شاركوا في حروب في أفغانستان والعراق علي الأجانب وقوات الأمن وأعضاء بالأسرة الحاكمة, من أن يستغل تنظيم القاعدة الفوضي الناجمة عن الاحتجاجات, ليرسخ وجوده في اليمن ويجند مقاتلين في صفوفه. لكن اللافت للنظر إن التهديد للإتفاق يجيء من عدوين لدودين لصالح, هما اللواء علي محسن الذي انشق عن الجيش اليمني بعد اندلاع الانتفاضة في فبراير الماضي, والإتحاد القبلي الذي يقوده الزعيم صادق الأحمر. ومما يعكس أزمة الثقة بين صالح وخصومه, أن الرئيس اليمني سيجد طريقة لإفساد الإتفاق, كما أنه قد يعترض علي رئيس الوزراء المقترح أو يستغل إعادة هيكلة الجيش والأمن لعرقلة تطبيقه. ويمكننا القول إن هناك معارضين يعتقدون أن صالح بإستقالته نصب فخا للمعارضة سواء المدنية أو القبلية أو العسكرية, وأنه قد يكون يخطط بطريقة أو بأخري لتوريث ابنه.