من البداية لا أعفي أحدا من المسئولية.. المجلس العسكري بتباطئه واعتقاده بأن الاعتذار عن أخطاء بعض أفراده يجرح كرامة قواتنا المسلحة التي نقدرها جميعا.. والثوار بانسحابهم من المشهد.. وأعضاء النخبة بنظرياتهم البعيدة عن المواطن.. والمواطن صاحب المصلحة الحقيقية بصمته.. فالكل مدان..!! كنا نطمح في أن تظل كما كانت ثورة بيضاء.. سلمية..سلمية.. غير أن البعض أرادها عكس ذلك بلون الدم وبطعم الموت..وتحولت ثورة الشعب إلي مجرد دفتر يضم حسابات المكسب والخسارة ولا شئ يهم بعد ذلك.. فالقضية هنا ليست وطنا أو انتماء ولكنها مكسب ضئيل: شعبية زائفة.. مقعد تحت قبة البرلمان.. والأدوات هنا لا تعدو سوي أطفال لفظتهم أرحام أمهاتهم إلي الشارع وبدلا من أن تحتضنهم الأيدي تكفيرا عن ذنوب أصحابها عن جرمهم بإسقاطهم من دفتر المواطنة وأصحاب الحق في العيش الكريم, دفعتهم ليتحولوا إلي وقود لنيران تستهدف إحراق الوطن. أحجار تقذف.. مولوتوف تأكل نيرانه اقتصاد يرتفع أنينه.. وتراث شعب وأمة يحترق.. دماء أبرياء تسيل.. كرامة تسحل.. أضواء تسطع.. كاميرات تدار.. ونظريات تنزلق من أفواه نخبة تحرص دوما علي إكساب لغتها مفردات لا يستوعبها المواطن.. تلك هي مشاهد السيناريو المتكرر بنمطية رتيبة مع كل حادث غير أن تغييرا جري خلال الأحداث الأخيرة, فقد احتكرت أفلام الفيديو هذه المرة البطولة المطلقة. مع كل حادث يكتفي دوما المجلس العسكري بالإعلان عن أن هناك طرفا آخر يستهدف التخريب معلوم لدينا وسنكشف عنه في الوقت المناسب.. هكذا تكون مفردات الخطاب الإعلامي لمؤسستنا الوطنية ورسائلها علي صفحة الفيس بوك للمجلس العسكري.. ولا أدري ولا يدري ملايين المواطنين متي سيكون هذا الوقت مناسبا ؟ و أي كارثة أخري مقبلة ينتظرها المجلس للإعلان عن هذا الطرف الآخر ؟ الجديد هذه المرة أن تراشقا بأفلام الفيديو بدأ بين عدد من نشطاء الإنترنت والمجلس العسكري.. فالطرف الأول يبث لقطات مصورة لممارسات بعض من أفراد القوات المسلحة مع المعتصمين سواء حسبتهم من الثوار الحقيقيين أو من ضحايا الحاجة المؤجرين غير أنهم في النهاية مواطنون.. سحل.. قسوة في التعامل.. عنف في المواجهة.. وعلي الطرف الآخر يذيع المجلس أفلاما تكشف عن نوعية المعتصمين واعترافات بتأجير أنفسهم مقابل جنيهات قليلة يحسبونها مكسبا غير أنهم في الحقيقة هم الخاسرون. صمت مطبق يلزمه المجلس تجاه الافصاح عن شخوص هؤلاء المحرضين أو المندسين مع وعود متكررة ومملة عن سرعة الكشف عنهم من خلال تحقيقات امتدت شهورا ولم تعلن أي من نتائجها حتي الآن.. واعتقاد خاطئ من جانبه بأن الإعتذار عن أخطاء فردية ارتكبها بعض ممن ينتمون إلي هذه المؤسسة الوطنية جرح لكرامتها.. وتلمس التبريرات لكل هذه الممارسات كما ولو كان كل من ينتمي إليها هم من الملائكة أو الأنبياء الذين لا يخطئون..!! من جانبهم اعتقد ثوار يناير أن مهمتهم قد انتهت فقد أسقطوا بحناجرهم الهادرة رأس النظام.. وليس النظام بعد أن سقط من بينهم شهداء حقيقيون برصاص من كان يفترض فيهم حمايتهم.. فانصرفوا من الساحة دون أن يدركوا أن طيورا جارحة تحوم في السماء سرعان ما نشبت مخالبها في أجساد الشهداء فنهشوها واختطفوا الثورة لتطأ أقدامهم عليها وهم في طريقهم إلي مقعد البرلمان..! ولأن الفوضي هي هدفهم.. ولأن إحراق وطن لا يعنيهم.. ولأن مسح ذاكرة أمة لا يهمهم.. ولأن دفاتر حساباتهم قد خطت فيها سطور عدة من الخسائر.. ولأن مواكب جنازات ضمائرهم قد سارت منذ زمن بعيد: لم يجد بعض ممن كان يري في نفسه أنه من طبقة النبلاء سوي أطفال الشوارع ليستخدمهم وقودا لإحراق الوطن وإحداث تلك الفوضي الذي خير نزيل المركز الطبي العالمي المواطن بين بقائه وبينها..!! ومع كل ذلك لم يحن الوقت المناسب في نظر المجلس العسكري أن يكشف عن من هؤلاء!! الغريب أن من يحسبون أنفسهم من النخبة الواعية لم يدركوا أنهم أصبحوا عرائس ماريونيت بين أيدي البعض من أصحاب المصالح فانضموا غير واعين إلي مطالبهم في إزاحة المجلس العسكري من المشهد حتي يخلو لهم الانفراد ببقايا الثورة!! الثوار انصرفوا.. والنخبة منشغلة بترتيب أولوياتها.. والمواطن قبع في منزله.. وبقايا نظام يحاول الانقضاض.. والمجلس العسكري التزم خندق الصمت.. والوطن يحترق.. لك يا مصر السلام والسلامة..!! [email protected] المزيد من مقالات عبدالعظيم درويش