أصبح من المعروف للكافة أن هناك أزمة في المتاح من الدولار في الاقتصاد المصري نتيجة ضعف تدفقات دخل السياحة وجفاف الاستثمارات الاجنبية, بالاضافة الي ضعف الصادرات السلعية والخدمية. ولعل جانبا من الأزمة يعود الي ضعف أداء ميزان المدفوعات بشكل عام حتي قبل قيام ثورة25 يناير. إذ هناك عجز مزمن في الميزان التجاري حيث لاتغطي الصادرات السلعية سوي45% 55% من الواردات السلعية. وكان هذا العجز في الميزان التجاري يغطي في السابق مع فائض ضئيل في ميزان العمليات الجارية بفضل تدفقات الدخل السياحي وعائدات قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين بالخارج. وهذا الفائض القليل لم يكن يسمح بتكوين احتياطيات قوية من النقد الأجنبي من خلال الأداء الذاتي للاقتصاد المصري. ومن هنا كان تكوين الاحتياطي الكبير للنقد الاجنبي لدي البنك المركزي الذي وصل الي36 مليار دولار قبل قيام الثورة يعود في معظمه الي استثمارات الاجانب في البورصة المصرية في أذون الخزانة وسندات الحكومة, وهذ يفسر لماذا تدهور رصيد هذا الاحتياطي بشدة بعد الثورة في ظل القلاقل السياسية وانعدام الثقة في مستقبل الاقتصاد المصري بعد الثورة, فكما دخلت معظم هذه الاموال خرجت لتكشف هشاشة وضع ميزان المدفوعات وضعف أداء التجارة والصناعة والخدمات والقطاعات القابلة للاتجار دوليا نتيجة سوء سياسات الاستثمار خلال العشرين سنة السابقة علي قيام الثورة, حيث كان التركيز علي الاستثمار العقاري بأنواعه, ولا يوجد حل لها سوي في الاجل المتوسط مع تصحيح الهيكل القطاعي للاستثمارات. وهذا يؤكد بدوره عدم صحة ما شاع في بعض الكتابات والمداخلات من أنه تم استنزاف جانب كبير من احتياطي النقد الاجنبي في عملية دعم سعر صرف الجنيه في فترة ما بعد الثورة. تعاني سوق الصرف في الوقت الحالي من وجود فائض في الطلب بالنسبة للمعروض من الدولار داخل القطاع المصرفي وخارجه. ويتكون الطلب علي الدولار وفق الاقتصاد الكبير كينز من ثلاث مصادر أ الطلب لأغراض المعاملات( وهو أهم أنواع الطلب), ب الطلب بدافع الاحتياط ج الطلب بدافع المضاربة لتحقيق مكاسب وقتية. وفي ظل شحة المعروض من الدولار عادة ما ينشط الطلب لأغراض الاحتياط والمضاربة. كما نشهد هذه الايام. وفي ظل الشائعات التي يروجها التجار والمضاربون ينشأ جانب من الطلب المصطنع لأغراض الاحتياط والمضاربون. وهذا بدوره يعمق الأزمة ويزيد الفجوة بين العرض والطلب. وفي الوقت الحالي يوجد سعران للدولار: السعر الرسمي, وهو السعر المعلن في البنوك, والسعر الذي تعقد به الصفقات في السوق السوداء للدولار. وتقليديا في ظل اقتصاديات الندرة يتم وضع أولويات لاستخدام الدولار ومحاولة إشباع الطلب لأغراض المعاملات خاصة تغطية الطلب لاستيراد السلع الغذائية والتموينة واحتياجات الوقود من غاز وسولار والمدخلات اللازمة للصناعة والقطاعات الانتاجية الأخري. وبعد ذلك يتم تدبير العملة للأغراض الأخري, ومنها استيراد السلع غير الضرورية والطلب لأغراض الدولرة والسفر وغيرها إذا كان هناك ثمة فائض بعد تغطية الاحتياجات الحيوية في المجتمع, وهنا تنشأ سلسلة طوابير انتظارا لتلبية تلك الطلبات. وعادة ما ينشأ الطلب في السوق السوداء لتلبية هذا النوع من الطلب ويتم عقد الصفقات بعلاوة اضافية علي السعر الرسمي, وهي علاوة متقلبة حسب نوع الصفقة وحجمها ودرجة الالحاح لدي طالبي هذا النوع من الدولارات. ولهذا لا يوجد سعر صرف موحد يسود السوق السوداء. فقد سمعنا عن أسعار متضاربة: فهناك من يقول انه وصل الي7.25 جنيه للدولار أو7.5 جنيه بل لقد سمعت من يقول إنه وصل في بعض الصفقات الي8 جنيهات لأن هذا النوع من السوق السوداء يعاني من ضعف المعلومات والشفافية, ويتم ادارته من خلال الشائعات والتوقعات غير الرشيدة. وفي ظل هذه الظروف الطارئة والمؤقتة يصبح هناك مجمعان للنقد الاجنبي: المجمع الأول والرئيسي في القطاع المصرفي والذي يقوم بتلبية طلب المعاملات الحيوية لاستيراد السلع الضرورية والوقود والدواء ومدخلات الانتاج وسداد التزامات الدولة لدي الدائنين ويطبق عليه السعر الرسمي, والمجمع الثاني لتلبية احتياجات طلبات استيراد السلع غير الضرورية وطلبات الاحتياط لأغراض الدولرة وطلب المضاربة, ويتم تغذيته من خلال تحويلات المصريين في الخارج التي لا تمر من خلال الجهاز المصرفي وأرصدة المضاربين الذين يقومون بإعادة بيعها في السوق السوداء. وهذا الوضع يعني انه لفترة مؤقتة يكون هناك سعران للصرف وقد نادي بهذا النظام اللورد كالدور استاذ الاقتصاد الراحل بجامعة كامبريدج, حيث يري أنه في حالة بعض البلدان النامية قد يضطر راسم السياسات الاقتصادية الي ادارة الاقتصاد من خلال هذين السعرين: سعر مقوم بأكثر من قيمته ليتم تطبيقه علي المعاملات الحيوية للاقتصاد الوطني السابق شرحها, وسعر آخر مقوم بأقل من قيمته للعمليات الاخري التي سبق ذكرها, والتي تتم من خلال عمليات السوق الموازية( أو السوق السوداء). ويستمر هذا الوضع خلال فترة انتقالية حتي يستعيد سوق الصرف توازنه, عندما تتحسن تدفقات النقد الاجنبي من خلال القنوات الرسمية خاصة عائدات السياحة وتدفقات الاستثمار الاجنبي, ويتم تلبية الطلبات المشروعة لأغراض المعاملات والاحتياط, ويخرج المضاربون من السوق نتيجة تحملهم خسائر, وفشل توقعاتهم التي تراهن علي استمرار الازمة وتخلق طلبا مصطنعا علي العملة. وهكذا عزيزي القارئ يصبح واضحا أن هناك علاقة وطيدة بين أزمة الدولار وأزمة السولار كما هو حادث في الوقت الراهن في الاقتصاد المصري. حالة اكتئاب قومي د. جابر عصفور وصف الدكتور أحمد عكاشة وهو أحد علماء الطب النفسي البارزين ما يعانيه الشعب المصري, حاليا, بأنه حالة اكتئاب نفسي قومي. والحق أن للوصف أساسا من الحقيقة التي نلمسها في الواقع, فقد مضي منذ أشهر غير قليلة التفاؤل الوطني العام بسقوط مبارك وبداية عهد جديد واعد, وأفضت انتخابات مجلسي الشعب والشوري إلي تولي رئيس لم يحقق شيئا مما وعد, فتزايدت معدلات البطالة وأزمات الخبز والوقود, وتزايدت الأسعار علي نحو لا ضابط له, وأصبح الاقتصاد القومي في حالة انهيار, وتتزايد معدلات الدين العام, مقابل تقلص الدخل القومي نتيجة استمرار الاحتجاجات في الشارع المصري. وفي الوقت نفسه تزايدت معدلات العنف والخروج علي القانون, فضلا عن تكاثر التشكيلات العصابية التي نسمع عنها في نشرات الأخبار مقترنة بحوادث الاختطاف, والتحرش بالنساء الذي وصفه البعض بأنه أصبح ممنهجا. وقد شعر بعض حلفاء الحزب الحاكم بالقوة إلي حد محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي, تصعيدا لموجة وأد الحريات وحرية التعبير, وذلك دون تدخل حاسم من أجهزة الدولة التي يفترض بها حماية القانون وسيادته. لقد أعلن الرئيس محمد مرسي عن مجموعة كبيرة من الوعود التي سرعان ما تبخرت واحدة إثر الأخري, وكان علي رأس هذه الوعود احترام الدستور والقانون بما يؤكد الائتلاف الوطني والتعاون مع كل القوي الوطنية, وهو ما كان يعنيه شعار المشاركة لا المغالبة, وكون الرئيس رئيسا للشعب, يقف من جميع القوي الوطنية موقف المساواة دون تمييز ولا محاباة لفصيل علي فصيل. وكان وعد الشفافية الملازمة للديمقراطية الحقيقية التي لا تعرف التمييز مرتبطا ببقية الوعود. ولكن مع مرور الأشهر, وتتابع الإحباطات من الوعود والعهود التي نقضت, وانتقالنا من أزمة إلي أزمة, أصبح واضحا للقوي الوطنية أنها تواجه عهدا من المغالبة لا المشاركة, وأن الرئيس أقرب إلي حزبه من بقية القوي الوطنية الأخري. وبدأ الانقسام يحل محل الوئام, والصدام ينفي آمال الائتلاف. وكان من الطبيعي أن تتواصل الاحتجاجات وتتتابع المظاهرات, وتتصاعد المطالب الفئوية, ولا يتوقف مسيل الدم علي أرض الوطن الذي ظن أبناؤه أن فجرا جديدا قد أشرق, وعهدا جديدا قد بزغ, وتحولت أحلام الثورة إلي كوابيس تنطوي علامتها علي كل ما يخيف, خصوصا بعد أن انفرد الرئيس بالهيمنة علي السلطتين التنفيذية والتشريعية, بعد حل مجلس الشعب في الرابع عشر من يونيو.2012 وكان من نتاج هذا الانفراد إصدار الرئيس إعلانه الدستوري الذي انفجر كالقنبلة في الثاني والعشرين من نوفمبر, بعد أشهر معدودة من حل مجلس الشعب بحكم المحكمة الدستورية التي ناصبتها العداء القوي الحاكمة من الإخوان بالدرجة الأولي والسلفيين بالدرجة الثانية. وكان العنف هو النتيجة الأولي التي ترتبت علي ما حدث, فالشعب الذي حلم بتحقيق العدل وجد اختفاء العدل, وتحولت كل الأحلام إلي كوابيس, فلا رغيف متاح, ولا وقود ميسور, ولا سقف لمن لا سقف له. والتعليم علي ما هو عليه, وساكنو العشوائيات تزايدت معاناتهم, ولم يبق أمام المحرومين سوي الانفجار الذي تتزايد معدلاته يوما بعد يوم, وأمامي دراسة حقوقية نشرتها صحيفة الوفد تتحدث عن تزايد الاحتجاجات والاعتصامات لإسقاط النظام(2013/2/20) وأن ألفا وخمسمائة وأربعة وستين(1564) احتجاجا لأربع وثلاثين فئة اجتماعية, طالبت برحيل الرئيس في شهر يناير من هذا العام(2013). وفي موازاة ذلك, يزداد الإخوان أخونة للدولة وتمكينا لهم بالسيطرة علي مناصبها, فيعلن الدكتور ثروت جودة وكيل المخابرات السابق أن الجماعة وضعت ثلاثة عشر ألف إخواني في كوادر الدولة( المصري اليوم2013/2/2). وقد سبق للمصري أن نشرت أسماء رجال المرشد في مفاصل الدولة العميقة( المصري اليوم2013/2/15). وقد فعلت جريدة الوطن الأمر نفسه. ولم يعد خافيا علي أحد أن الإخوان تناسوا كل ما قالوه عن المشاركة التي تحولت إلي مغالبة وسيطرة متزايدة علي كل مقدرات الدولة لتصبح مصر دولة إخوانية بكل معني الكلمة. والنتيجة تجاهل أصوات القوي الوطنية, وذلك إلي الدرجة التي دفعت أقرب الحلفاء- حزب النور- إلي الاحتجاج العلني علي الأخونة التي لا تتوقف, وإنما تتزايد يوما بعد يوم, الأمر الذي يؤدي إلي المزيد من الانقسام. ورأيي أن رئاسة مرسي لم تقنع الكثيرين, وأنا واحد منهم, بأنها حريصة علي إقامة حكم ديمقراطي سليم, يقوم علي المشاركة لا المغالبة, وقد أدت هذه النزعة إلي انقسام القوي الوطنية, في موازاة ارتفاع العنف الذي اقترن أخيرا بالعصيان المدني في عدد لا يستهان به من المدن المصرية. وقد صحب ذلك إعلان رغبة عدد لا يستهان به من المواطنين في عودة الجيش إلي الإمساك بزمام السلطة مرة أخري. وهو موقف أشبه بمن يستجير من الرمضاء بالنار, وأتصور أنه إذا كانت ممارسة الديمقراطية صعبة علي من يتعودها تماما من القوي المدنية, فإن الوضع يكون أصعب في حالة الإسلام السياسي, ابتداء من الإخوان المسلمين الذين يؤمنون بالسمع والطاعة, ولا يزالون يحلمون بالخلافة, وانتهاء بالسلفية التي تشاركهم الحلم نفسه, ويضيفون إليه تصور كل فرقة منهم أنها الفرقة الناجية, وغيرهم من الفرق ضالة مضلة, استنادا إلي الحديث:... لتفترقن أمتي علي ثلاث وسبعين فرقة, فواحدة في الجنة, وثنتين وسبعين في النار. قيل: يا رسول الله: من هم؟ قال الجماعة. والحق أن تسييس الدين هو عائق من أهم العوائق التي تقف أمام الديمقراطية, وقد ابتلينا بداء أناس يعتقدون أنهم وحدهم الفرقة الناجية, وأن المختلف معهم أو عنهم علي ضلالة, ومن ثم فتهمة الكفر جاهزة لكي تنصب عليه رغم الحديث النبوي الشريف عن أن من كفر مسلما فقد باء بها. ورغم ذلك تستخدم بعض طوائف الإسلام السياسي سلاح التكفير لإرهاب الخصوم, وعادة ما يلقون بعض النجاح, خصوصا في بلد نسبة الأمية فيه تكاد تشمل نصف عدد السكان. وهي عائق آخر من عوائق الديمقراطية وتحدياتها, خصوصا في المجتمعات التقليدية, ذات البنية الاجتماعية البطركية التي تشيع من ثقافة التخلف ما يجعل الوعي الجمعي عاجزا عن تقبل أي تغيير إيجابي. وأتصور أن كل هذا الذي نحن فيه لا يبعث علي التفاؤل, خصوصا بعد أن انفرد الإخوان بالحكم إلي الدرجة التي دفعت أقرب حلفائهم إلي الانقلاب عليهم, في موازاة تصاعد رفض القوي الوطنية الديمقراطية لتزايد أشكال استبدادهم التي فاقت ما كنا عليه أيام الحكم السابق الذي تطلعنا بعد سقوطه إلي زمن جديد تتحقق فيه لوازم شعارات ثورة يناير: عيش, حرية, عدالة اجتماعية, كرامة إنسانية, ولكننا عدنا إلي أسوأ مما كنا عليه قبل الثورة التي سرقت, والتي انتهت بنا إلي البحث عن مخرج من الهوة المخيفة التي لا نتوقف عن الانحدار فيها إلي كل ما يبعث علي الفزع, ويقرع الوعي المؤرق بالسؤال: ما العمل؟. أزمة الدولار وأزمة السولار د. محمود عبدا لفضيل أصبح من المعروف للكافة أن هناك أزمة في المتاح من الدولار في الاقتصاد المصري نتيجة ضعف تدفقات دخل السياحة وجفاف الاستثمارات الاجنبية, بالاضافة الي ضعف الصادرات السلعية والخدمية. ولعل جانبا من الأزمة يعود الي ضعف أداء ميزان المدفوعات بشكل عام حتي قبل قيام ثورة25 يناير. إذ هناك عجز مزمن في الميزان التجاري حيث لاتغطي الصادرات السلعية سوي45% 55% من الواردات السلعية. وكان هذا العجز في الميزان التجاري يغطي في السابق مع فائض ضئيل في ميزان العمليات الجارية بفضل تدفقات الدخل السياحي وعائدات قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين بالخارج. وهذا الفائض القليل لم يكن يسمح بتكوين احتياطيات قوية من النقد الأجنبي من خلال الأداء الذاتي للاقتصاد المصري. ومن هنا كان تكوين الاحتياطي الكبير للنقد الاجنبي لدي البنك المركزي الذي وصل الي36 مليار دولار قبل قيام الثورة يعود في معظمه الي استثمارات الاجانب في البورصة المصرية في أذون الخزانة وسندات الحكومة, وهذ يفسر لماذا تدهور رصيد هذا الاحتياطي بشدة بعد الثورة في ظل القلاقل السياسية وانعدام الثقة في مستقبل الاقتصاد المصري بعد الثورة, فكما دخلت معظم هذه الاموال خرجت لتكشف هشاشة وضع ميزان المدفوعات وضعف أداء التجارة والصناعة والخدمات والقطاعات القابلة للاتجار دوليا نتيجة سوء سياسات الاستثمار خلال العشرين سنة السابقة علي قيام الثورة, حيث كان التركيز علي الاستثمار العقاري بأنواعه, ولا يوجد حل لها سوي في الاجل المتوسط مع تصحيح الهيكل القطاعي للاستثمارات. وهذا يؤكد بدوره عدم صحة ما شاع في بعض الكتابات والمداخلات من أنه تم استنزاف جانب كبير من احتياطي النقد الاجنبي في عملية دعم سعر صرف الجنيه في فترة ما بعد الثورة. تعاني سوق الصرف في الوقت الحالي من وجود فائض في الطلب بالنسبة للمعروض من الدولار داخل القطاع المصرفي وخارجه. ويتكون الطلب علي الدولار وفق الاقتصاد الكبير كينز من ثلاث مصادر أ الطلب لأغراض المعاملات( وهو أهم أنواع الطلب), ب الطلب بدافع الاحتياط ج الطلب بدافع المضاربة لتحقيق مكاسب وقتية. وفي ظل شحة المعروض من الدولار عادة ما ينشط الطلب لأغراض الاحتياط والمضاربة. كما نشهد هذه الايام. وفي ظل الشائعات التي يروجها التجار والمضاربون ينشأ جانب من الطلب المصطنع لأغراض الاحتياط والمضاربون. وهذا بدوره يعمق الأزمة ويزيد الفجوة بين العرض والطلب. وفي الوقت الحالي يوجد سعران للدولار: السعر الرسمي, وهو السعر المعلن في البنوك, والسعر الذي تعقد به الصفقات في السوق السوداء للدولار. وتقليديا في ظل اقتصاديات الندرة يتم وضع أولويات لاستخدام الدولار ومحاولة إشباع الطلب لأغراض المعاملات خاصة تغطية الطلب لاستيراد السلع الغذائية والتموينة واحتياجات الوقود من غاز وسولار والمدخلات اللازمة للصناعة والقطاعات الانتاجية الأخري. وبعد ذلك يتم تدبير العملة للأغراض الأخري, ومنها استيراد السلع غير الضرورية والطلب لأغراض الدولرة والسفر وغيرها إذا كان هناك ثمة فائض بعد تغطية الاحتياجات الحيوية في المجتمع, وهنا تنشأ سلسلة طوابير انتظارا لتلبية تلك الطلبات. وعادة ما ينشأ الطلب في السوق السوداء لتلبية هذا النوع من الطلب ويتم عقد الصفقات بعلاوة اضافية علي السعر الرسمي, وهي علاوة متقلبة حسب نوع الصفقة وحجمها ودرجة الالحاح لدي طالبي هذا النوع من الدولارات. ولهذا لا يوجد سعر صرف موحد يسود السوق السوداء. فقد سمعنا عن أسعار متضاربة: فهناك من يقول انه وصل الي7.25 جنيه للدولار أو7.5 جنيه بل لقد سمعت من يقول إنه وصل في بعض الصفقات الي8 جنيهات لأن هذا النوع من السوق السوداء يعاني من ضعف المعلومات والشفافية, ويتم ادارته من خلال الشائعات والتوقعات غير الرشيدة. وفي ظل هذه الظروف الطارئة والمؤقتة يصبح هناك مجمعان للنقد الاجنبي: المجمع الأول والرئيسي في القطاع المصرفي والذي يقوم بتلبية طلب المعاملات الحيوية لاستيراد السلع الضرورية والوقود والدواء ومدخلات الانتاج وسداد التزامات الدولة لدي الدائنين ويطبق عليه السعر الرسمي, والمجمع الثاني لتلبية احتياجات طلبات استيراد السلع غير الضرورية وطلبات الاحتياط لأغراض الدولرة وطلب المضاربة, ويتم تغذيته من خلال تحويلات المصريين في الخارج التي لا تمر من خلال الجهاز المصرفي وأرصدة المضاربين الذين يقومون بإعادة بيعها في السوق السوداء. وهذا الوضع يعني انه لفترة مؤقتة يكون هناك سعران للصرف وقد نادي بهذا النظام اللورد كالدور استاذ الاقتصاد الراحل بجامعة كامبريدج, حيث يري أنه في حالة بعض البلدان النامية قد يضطر راسم السياسات الاقتصادية الي ادارة الاقتصاد من خلال هذين السعرين: سعر مقوم بأكثر من قيمته ليتم تطبيقه علي المعاملات الحيوية للاقتصاد الوطني السابق شرحها, وسعر آخر مقوم بأقل من قيمته للعمليات الاخري التي سبق ذكرها, والتي تتم من خلال عمليات السوق الموازية( أو السوق السوداء). ويستمر هذا الوضع خلال فترة انتقالية حتي يستعيد سوق الصرف توازنه, عندما تتحسن تدفقات النقد الاجنبي من خلال القنوات الرسمية خاصة عائدات السياحة وتدفقات الاستثمار الاجنبي, ويتم تلبية الطلبات المشروعة لأغراض المعاملات والاحتياط, ويخرج المضاربون من السوق نتيجة تحملهم خسائر, وفشل توقعاتهم التي تراهن علي استمرار الازمة وتخلق طلبا مصطنعا علي العملة. وهكذا عزيزي القارئ يصبح واضحا أن هناك علاقة وطيدة بين أزمة الدولار وأزمة السولار كما هو حادث في الوقت الراهن في الاقتصاد المصري. لمزيد من مقالات د. محمود عبدالفضيل